مسقط – محمد البيباني
" مااشبة الليلة بالبارحة " حكمة تصدق جزئيا لمتابعي ما يحدث بالمغرب مقارنة مع ما حدث في تونس منذ سنوات .
الاحداث .. بدايتها وارهاصاتها قد تكون واحدة لكن خصوصية الحالة المغربية وتوقيتها تعلى الامال في تجنيب الرباط نفس النتائج .
في العام 2011 كان الشعب التونسي على موعد مع مأساة محمد البوعزيزي الشاب الفقير الذي احرق نفسه احتجاجا واصبح ايقونة ثورة سرعان ما انتشرت في العديد من الدول العربية ..
اليوم وفي الجوار التونسي تتجدد الماساة في المغرب ولكن بسيناريو وابطال اخرين .
رغم تشابه الاحداث الى حد التطابق الا ان اختلاف الظروف المحيطة داخليا وعربيا سوف يلقي بظلاله على التطورات وقد يقود الى سيناريو مغاير خلال الفترة القادمة .
مالات وخيمة
بعد مايزيد على خمس سنوات بات من الواضح أن نتائج ما اطلق عليه " الربيع العربي " وخيمة و مأساوية أدت إلى حروب طاحنة فى غالبية الدول العربية الذي حدث فيها هذا هذا الربيع المزعوم .
في يونيو من العام 2014 قال معهد إنتربريز الأمريكى، إن ما يسمى بالربيع العربى قد انتهى، ولم تعد الشعارات التى يتم بثها على تويتر يمكنها تغيير الفوضى التى تلت هذا الربيع الذى تحول إلى ربيع فوضوي
ومن المرجح ان المغاربة يدركون جيدا مالات الربيع العربي ونتائجة في كل الدول التي احتضنته وسارت في مواكبه ورددت شعاراته التي لم يتحقق منها شيئا على الاطلاق .
من هنا يمكن التكهن بان ما يحدث في المغرب راهنا لن يكون نسخة جديدة مما حدث في تونس من قبل وانه لن يكون اكثر من تعبير عن حالة غضب تستطيع بعض الاجراءات احتوائه وهو ما انتبهت اليه الرباط وبدات في مساره وبادرت بمعاقبة المسؤولين عن الجريمة قبل استفحال الازمة وارتفاع سقف المطالب ..
نزع الفتيل
على صعيد التحركات المغربية لامتصاص الغضب صار شبه مؤكد أن “رؤوسا” ستسقط على خلفية قضية بائع السمك، محسن فكري، الذي مات “مطحونا”، يوم الجمعة الماضي، داخل شاحنة للنفايات، احتجاجا على مصادرة سلعته.
يؤكد ذلك ما اشارت اليه مصادر حقوقية مغربية بأن ثلاثة مسؤولين بمدينة الحسيمة المغربية اعتقلوا، على خلفية تحقيقات انطلقت منذ أيام بخصوص ملابسات الحادث الذي أثاراحتجاجات واسعة في البلاد.
وبحسب المصادر ذاتها قامت السلطات باعتقال قائد المقاطعة الرابعة بمدينة الحسيمة ونائبه وكذلك الطبيب البيطري الذي أصدر تقريرًا بفساد بضاعة بائع السمك والتي بموجبها تمت مصادرتها من قبل عناصر الشرطة المختصة.
ومن جانب آخر، تم مساء الاثنين أيضا إطلاق سراح أصدقاء محسن فكري الثلاثة بعد الاستماع إلى أقوالهم حول الواقعة، بصفتهم شهودًا.
يذكر ان ملك المغرب محمد السادس كان قد أعطى تعليماته لوزير الداخلية محمد حصاد لفتح تحقيق في ظروف وفاة فكري.
وزير الداخلية من جانبه أكد عزمه على تحديد ملابسات الحادث مشددا على أنه “لم يكن يحق لأحد معاملة الضحية بهذه الطريقة”، وقال: “لا يمكن أن نقبل أن يتصرف مسؤولون على عجل وبغضب، أو في ظروف تنتهك حقوق الناس”.
وشدد حصاد على أن “العدالة ستعاقب بشدة عن كل الأخطاء” المرتكبة، لافتا الانتباه إلى أن خلاصات التحقيق يجب أن تصدر “بشكل سريع جدا، مؤكد إنها مسألة أيام”.
وقال الوزير: “لا يمكن اعتبار الدولة مسؤولة بشكل مباشر عن مقتل (بائع السمك)، لكن على الدولة مسؤولية تحديد الأخطاء ومعاقبة مرتكبيها”.
سقف المطالبات
رغم خروج آلاف المغاربة إلى الشوارع في مدينة بشمال البلاد لليوم الرابع الا ان المتابع لتلك التظاهرات يلمح وجود سقف لمطالباتها لم تتجاوزه يوما بعد يوم مثلما حدث في تجربة الربيع العربي
حسين المرابط أحد منظمي الاحتجاجات اكد تلك الحقيقة حينما قال إن الاحتجاجات ستستمر لحين معاقبة كل المسؤولين عن الجريمة.
وأضاف أنهم يريدون ضمانات بعدم حدوث ذلك مرة أخرى. ودعا إلى تطهير الإدارة العامة من الفاسدين.
استثناءات مغربية
في نوفمبر من العام 2014 قدمت مجلة "لونوفيل أوبسيرفاتور" الفرنسية عدة أسباب تعتبرها كانت حاسمة في تجنيب المغرب المخاطر التي عصفت بدول في منطقة شمال إفريقيا والشرق الأوسط جراء الربيع العربي
السبب الأول ، من وجهة نظر الدورية الفرنسية ، الذي خفف من حدة آثار الربيع العربي على المغرب هو قدرة الملك محمد السادس على استباق مطالب الشعب.. حيث أعلن بعد شهر واحد فقط من اندلاع احتجاجات شعبية سابقة عن إصلاح دستوري شامل، وهو الإصلاح الدستوري الذي "عزز من دور البرلمان، ونص على حقوق الإنسان والحريات الفردية .
هذا "التقدم السياسي والدستوري كان إجابة قوية على المطالب الشعبية" في نظر الصحيفة الفرنسية التي استطردت في الحديث عن الإصلاحات الدستورية وقالت إن "سر نجاح هذه الإصلاحات في تهدئة الشارع هي كونها استجابت لمطالب مختلف فئات الشعب ولم تقتصر على فئة بعينها، وحتى أكثر التقدميين في المغرب وجدوا أنفسهم في هذه الإصلاحات"، هذه الخلاصة اعتبرتها المجلة الفرنسية المرموقة "خلاصة واقعية فبعد ثلاث سنوات من إقرار الدستور الجديد يمكن القول أن ورش الإصلاح الدستوري يسير في الطريق الصحيح".
العامل السياسي ليس العامل الوحيد الذي يميز هذا "الإستثناء المغربي" ، بل هناك المعطى الإقتصادي الذي لا ينبغي إهماله، فحسب التحليل الفرنسي للإستثناء المغربي فإن الأوراش الإقتصادية التي أطلقها الملك محمد السادس خلال السنوات العشر الماضية مكنت من "خلق طبقة متوسطة حقيقية"، ومن أجل البرهنة على هذه الخلاصة أكد المقال على أن أكثر من 120 ألف أسرة مغربية ارتفع مستوى عيشها خلال السنوات الماضية.
وأكدت الأسبوعية الفرنسية على أن تقوية الطبقة المتوسطة في المغرب كان له آثار إيجابية على الإقتصاد المغربي، حيث أدى إلى ارتفاع الإستهلاك وهو ما أدى بدوره إلى الرفع من أداء الإقتصاد المغربي، وخير دليل على ذلك هو قطاع صناعة السيارات ففي سنة 2000 كان المغرب يصنع 5000 سيارة فقط في السنة، في حين أنه أصبح يصنع أكثر من 130 ألف سيارة في السنة منذ سنة 2012.