الاستثمارات العربية بالخارج.. والمخاطر القائمة

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٢٤/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
الاستثمارات العربية بالخارج.. والمخاطر القائمة

محمد محمود عثمان
mohmeedosman@yahoo.com

تجدد بين الحين والآخر وعلى استحياء المطالب بعودة الأموال العربية المهجرة المستثمرة في أوروبا وأمريكا، والتي تقدر قيمتها بنحو 800 بليون دولار، في حين ترفعها تقديرات أخرى لأكثر من 2400 بليون دولار، وهذا يعني وجود مخاطر جمة تحاصر هذه الأموال العربية في أوربا وأمريكا بل في آسيا أيضا، وكذلك فإن الصناديق الخليجية في الخارج تتجاوز بمفردها 2066 بليون دولار، و في المقابل نجد أن الديون الخارجية للدول العربية مجتمعة يتوقع أن تصل إلى 667 بليون بنهاية 2016.

في ظل استمرار بعض الدول العربية في السحب من احتياطياتها المالية للإيفاء بمتطلبات التنمية، أو لمواجهة الالتزامات الأخرى الإقليمية أو الدولية، وتوضح الأرقام أن الأموال العربية المستثمرة في الخارج يمكن أن تغطي الديون العربية مجتمعة أو أكثر، لأن المخاطر على الدول العربية تكمن في أن الآثار المترتبة على المديونية الخارجية تعوق حركة التنمية وقد تصل إلى شلل تام في خططها غير أن المشكلة لا تكمن في حجم المديونية فقط؛ بل أيضا في طريقة إدارة الأموال وخطط التنمية الاقتصادية المتبعة واستخدامات تلك الأموال، خاصة أن الدول النامية بشكل عام تتفوق في إنفاق الأموال المقترضة لتمويل الاستهلاك والاستثمارات غير المنتجة مما يزيد من أعباء تراكم تلك المديونيات بدون بلورة حلول جذرية.

هذا بالاضافة إلى أن بعض الأموال التي كانت يمكن أن تتحول إلى مدخرات تضيع على شكل رؤوس أموال محلية هاربة إلى الخارج، فضلاً عن أن الديون الخارجية تزيد من التبعيّة الاقتصادية والسياسية والتكنولوجية للدول المدينة، في حالات إخضاعها للقرارات الاقتصادية والسياسة التي تتوافق مع مصالح الدول الدائنة، كما تتعرض لفرض نوع من الرقابة والتدخلات في الشؤون الداخلية، بشكل أو بآخر، بالإضافة إلى أن الخضوع للنظام الرأسمالي الدولي من خلال اندماج المؤسسات المالية العربية بالنظام الدولي الأمر الذي يعرضها لمخاطر التجميد من قبل الحكومات الغربية، وهذا سبق وحدث لعدة دول عربية.

ولذلك علينا أن نفكر جدياً في تكوين تكتل مصرفي عربي لمواجهة ومنع قيام البنوك العالمية بالتحكم في المصارف أو المؤسسات المالية العربية، وحتى نتمكن من توظيف نسبة من الاستثمارات العربية بالخارج داخل الدول العربية، لأن ذلك سيؤدي إلى تأسيس مشروعات جديدة وخلق فرص عمل تساهم في تنمية المنطقة العربية ككل، وكذلك الحد من الإرهاب، خاصة أن التصنيفات العالمية للصناديق السيادية بها أربع دول خليجية، هي السعودية والكويت وقطر والإمارات، وتقترب قيمة الصناديق نحو تريليوني دولار، ومع مرور دول الخليج بأوضاع اقتصادية مضطربة.
نجـــد أنــه من الطبيعي أن تثار تساؤلات عدة، حول طبيعة ودور هذه الصناديق، ومن هذه التساؤلات، ما هي الحماية الاقتصادية التي وفرتها الصناديق السيادية لاقتصاديات الخليج، عبر استثماراتها في الخارج لسنوات طويلة، فبعد مرور أشهر عدة على أزمة انهيار أسعار النفط، لجأت دول الخليج مجتمعة، إلى سد عجز الموازنات، بالاستدانة المحلية.
والحقيقة أن أموال الصناديق لم تنجح في تكوين قواعد إنتاجية، ولو في خارج النطاق الجغرافي لدول الخليج، لتؤمن هذه الأموال ضد تقلبات أسواق المال، والعقارات، أو أن تكون جسراً لعلاقات اقتصادية ممتدة مع الشركات الصغيرة والمتوسطة داخل دول المنطقة، لتؤمنها من مخاطر الاعتماد على الإنفاق الحكومي، على الرغم من أموال هذه الصناديق كانت تستطيع أن تتبنى استراتيجية تتعلق بالدور التنموي لدولها، وليس فقط مجرد الحصول على عوائد مالية سريعة، أو الحرص على تواجدها في وسائل تمويلية سهلة التسييل عند الحاجة إليها.

ولكن الصناديق السيادية الخليجية لم تنجح في توظيف إمكانياتها أو تجعل منها مشروعاً سياسياً، يمكن أن يلعب دوراً مؤثراً في مواجهة الدول الغربية وأمريكا للمحافظة على المصالح العربية، خاصة في ظل استهداف منطقة الخليج حالياً، وتعرضها لعواصف سياسية عاتية من قبل قوى دولية وإقليمية متربصة، ولا سيما أن أموال الصناديق الخليجية قد ساهمت بشكل ملحوظ في حل أزمات مالية لهذه الدول على مدار عقـــود متعددة ، وقد اضطرت بعض الحكومات العربية إلى سحب جزء منها لمواجهة الأزمة الحالية، لمواجهة احتياجات الجيل الحالي، ولكن التخوف أنه إذا استمرت الأزمة إلى فترات أطول، فقد لا يتبقى منها شيء للأجيال القادمة، لذلك من الضروري فتح ملف عودة الاستثمارات العربية من الخارج، خاصة مع حاجة دول المنطقـــة لهــــذه الأمــــوال في إقامة مشروعات وتوليد فرص عمل والحد من البطالة وتشغيل ملايين الشباب العاطلين وتحسين البنية التحتية والمرافق، ولا سيما أن الدول العربية في حاجة إلى توفير 300 مليون فرصة عمل جديدة سنويا للحفاظ على معدلات الباحثين عن عمل الحالية.