كيف نجمع التريليونات من أجل الاستثمارات الخضراء؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٩/أكتوبر/٢٠١٦ ٠٤:٠٥ ص
كيف نجمع التريليونات من أجل الاستثمارات الخضراء؟

هنري بولسون

إن إنقاذ كوكبنا من أسوأ آثار التغيّر المناخي لن يكون رخيصا. يقول تقرير جديد صادر عن الأمم المتحدة إن العالم سيحتاج إلى جمع نحو تسعين تريليون دولار كرأسمال عام وخاص على مدى الخمس عشرة سنة المقبلة.

وكنقطة مقارنة، بلغ الناتج المحلي الإجمالي العالمي عام 2015 مبلغ 73 تريليون دولار. ولكن ليس هناك شك في أن العالم يحتاج إلى تعزيز تحوله إلى الاقتصاد منخفض الكربون المستدام بيئيا والمرن، وأن يتم ذلك على وجه السرعة. ولكن السؤال هو: كيف نوفر التمويل لذلك، في ظل محدودية توافر التمويل الحكومي، وبخاصة في الدول النامية؟
الإجابة هي: التمويل الخاص. والخبر السار هو أن هناك وفرة عالمية في رأس المال الخاص. ولفتح هذه الثروات، يجب على الحكومات تهيئة الظروف التي تشجع الاستثمار الخاص في مجال التكنولوجيات النظيفة والتنمية المستدامة. ففي ظل السياسات الذكية المصممة والمنسقة بشكل جيد ونماذج التمويل والأدوات المالية مثل السندات وبرامج التحفيز، ستمتلك الدول الإمكانيات والقدرة على حل بعض التحديات البيئية الأكثر إلحاحا وفي الوقت نفسه تواصل الحفاظ على النمو الاقتصادي.
وهذا هو السبب في أنه من الضروري لقادة العالم أن يركزوا على بناء إجماع دولي حول «التمويل الأخضر».
لقد كان فهم كيف يمكن للحكومات أن تحفّز هذا النوع من الاستثمار هو محور اجتماع قمة مجموعة العشرين مؤخرا في مدينة هانجتشو بالصين. ولأول مرة تصل هذه الدول إلى اتفاق على مجموعة من المبادئ التي تحكم التمويل الأخضر وتعترف بقدرته على تحفيز النمو الاقتصادي. وهذه خطوة أولى أساسية في إنشاء نظام مالي دولي لدعم المشاريع الخضراء ولتوفير مبادئ توجيهية للدول حول السياسات اللازمة لتشجيع أنظمتها المصرفية على القيام باستثمارات خضراء.
وقد كانت هناك تجارب ناجحة في مجال التمويل الأخضر. وسوق السندات الخضراء العالمي ينمو بشكل سريع – إلى 41.8 بليون دولار في عام 2015 مقارنة بـ 11 بليون دولار في عام 2013. وعلاوة على ذلك، يتم استخدام حلول التمويل المبتكرة في جميع أنحاء العالم – شركات القطاع الخاص في المكسيك والهند تقوم بتمويل مزارع رياخ خاصة؛ والصناديق الاستئمانية المتعددة الجنسيات تدعم محطات الطاقة الشمسية في الهند وجنوب أفريقيا والمغرب. وهناك مجموعة جديدة من الأدوات والسياسات المالية تخفض تكلفة رأس المال اللازم للنمو الأخضر.
والتحدي الآن هو البناء على هذه النجاحات وضمان أن آليات التمويل الأخضر يتم اعتمادها على نطاق واسع حتى يتسنى لأسواق رأس المال تخصيص التمويل لقطاعات الاقتصاد منخفضة الكربون التي لها القدرة على توليد النمو وفرص العمل.
ولكي يحدث ذلك، ستحتاج الدول إلى تبني سياسات تخفض من أسعار الاستثمارات منخفضة الكربون لجعلها أكثر جاذبية للمستثمرين من القطاع الخاص. وتشمل هذه السياسات الأنظمة البيئية لتحفيز التنمية النظيفة المستدامة؛ والحوافز والإعانات للاستثمارات الطاقة النظيفة؛ وتسعير انبعاثات الكربون، التي يمكن القيام بها بعدة طرق، منها تجارة الانبعاثات وفرض الضرائب عليها. كما أننا بحاجة أيضا إلى إلغاء الإعانات التي تشجع على استخدام واستخراج الطاقة القائمة على الكربون مثل الفحم والنفط. إن مثل هذه السياسات ستتطلب إرادة سياسية قوية، وبخاصة في ظل تباطؤ النمو الاقتصادي.
وقد اتخذت الصين خطوات مهمة في هذا الاتجاه وأعلنت التمويل الأخضر «ضرورة استراتيجية». وتواجه الصين تحديا كبير، فهي تحتاج إلى إلى تريليون دولار على مدى السنوات الخمس المقبلة للقيام باستثمارات في المباني الصديقة للبيئة والنقل منخفض الكربون والطاقة النظيفة في مدنها، ولكن الحكومة لا تستطيع توفير سوى 15 % من هذا المبلغ فقط، بحسب تقرير صدر مؤخرا عن معهد بولسون الذي أرأسه، بجانب مؤسسة بلومبرج الخيرية ولجنة المالية الخضراء التابعة للجمعية الصينية للدراسات المصرفية والمالية.
ووفقا لذلك فقد بدأت الصين مؤخرا مبادرة لجمع رأسمال خاص من خلال بيع سندات خضراء. وبعد ستة أشهر فقط، تمثل هذه السندات الآن نسبة 40 % من السوق العالمي. وتوضح المبادئ التوجيهية الأخيرة الصادرة عن الحكومة خارطة طريق طموحة لإنشاء إقراض أخضر واختبارات تحمل بيئية ومقاييس لضمان مصداقية الاستثمارات الخضراء، ومتطلبات للإفصاح وشراكات مبتكرة مع القطاع الخاص. على سبيل المثال،
إن تمويل تحول العالم إلى الاقتصاد منخفض الكربون سيكون مكلفا، ولكننا لا نستطيع تحمل تبعة عدم القيام به، ومن المهم أن نشير إلى أنه «مجدٍ». نحن لدينا الأفكار والنماذج ورأس المال لكي يحدث هذا التحول، ولكن ما نحتاج إليه الآن هو قيادة من جانب واضعي السياسات العالمية لإعطاء أولوية لنظام مالي عالمي أخضر.

رئيس معهد بولسون ووزير الخزانة الأمريكية سابقاً والرئيس التنفيذي لبنك جولدمان ساكس.