مسقط - يوسف محمد البلوشي
رغم كل الجهود التي تبذل لتطوير الاقتصاد واستقطاب المستثمرين للنهوض بخطط التنويع الاقتصادي، تبرز بعض المعوقات التي لا تزال تسهم في تأخير عملية التطوير، وتؤدي إلى «تنفير» المستثمرين، وعلى رأسها تأخر اعتماد المشاريع، والتضارب في صــلاحـــيات الإدارات، وفق ما يؤكد خبراء ومستثمرون.
وقال رئيس اللجنة الاقتصادية بمجلس الدولة ســـابقــا م.ســـالم بن ســعيد الغتامي إنه لوحظ منذ فترة طويلة وخاصة في الفترة الأخيرة التأخر في اعتماد المشاريع التي يتقدم لتنفيذها القطاع الخاص أو بعض الجهات الحكومية، والتي يتوقع في حالة تنفيــذها في وقتها مساهـــمتها في رفد الاقتصـــاد الوطني وزيادة الناتج المحلي وتوفير فرص عــمل للمواطنين، وهذا ما يهــدف إليه الجميع لمصلحة الوطن والمواطن.
وأضاف الغتامي، الذي يتولى منصب الرئيس التنفيذي لمكتب جبرين للاستشارات الهندسية، أن تأخير اعتماد المشاريع والموافقة عليها يؤدي إلى عزوف المستثمرين وهروب رؤوس الأموال إلى دول أخرى تعطي امتيازات وتسهيلات أفضل، مشيراً إلى أن السبب الرئيس في تأخر هذه الموافقات هو عدم وضوح اللوائح التنفيذية لبعض القوانين المعتمدة، وعدم وضوح اختصاصات الموظفين القائمين على مراجعة واعتماد الإجراءات، ممّا يؤدي إلى توجه المراجعين إلى أعلى سلطة في الجهات التنفيذية، الأمر الذي يستغرق وقتا طويلاً. وأفاد الغتامي في تصريح خاص لـ «الشبيبة» أنه لوحظ وجود تداخل في الاختصاصات بين بعض الجهات الحكومية مما يتسبب في عدم اتخاذ القرار النهائي حتى يستوفي ردود الجهات المختلفة.
مراجعة شاملة
وأكد الغتامي أن الوقت حان لمراجعة شاملة للقوانين والتشريعات المنظّمة ولوائحها التنفيذية وتعديلها وتطويرها وإيجاد أسس مشتركة بين هذه القوانين التي تشرف عليها أكثر من جهة، بما يجعلها تتوافق مع الخطط والبرامج والأهداف التي تصبو إليها الدولة وتهدف إلى تنويع مصادر الدخل وزيادة مساهمة المشاريع الإنتاجية في دعم الاقتصاد وفي الناتج المحلي.
وأكد الغتامي أنه يجب التخلص من المركزية الموجودة في بعض الجهات الحكومية وإيجاد الوسائل العملية للتنسيق بين مختلف التشريعات المنظمة للاستثمار، والتأكد من عدم ازدواجيتها وتضاربها مع الأخذ في الحسبان إمكان التنفيذ الفعلي لتلك التشريعات.
وأضاف أنه يجب على المعنيين في الجهات الحكومية وضع هيكلة معينة ضمن منظومة الدولة يكون أهم أهدافها السرعة في التنفيذ ومراجعة مقررات وبرامج خطط التنمية وجعلها تسير باتساق مع السياسة العامة للدولة. فالهدف الرئيس هو تنويع مصادر الدخل وعدم الاعتماد فقط على جهة حكومية في تطوير الدخل العام.
وأفاد الغتامي أن التنفيذ الفعلي لسرعة الإجراءات لن يأتي سريعا إلا بوجود الكوادر المؤهلة ذات الخبرة والكفاءة مع إعطائها الصلاحيات اللازمة حسب الاختصاص وإقامة حلقات عمل بين الحين والآخر، تشترك فيها جميع الجهات المعنية للتأكد من عدم تكرار الموافقات بين الجهات وعدم تداخل الاختصاصات وتذليل الصعوبات التي تواجهها بعض الجهات الحكومية، بدلاً من إلقاء اللوم من طرف على آخر.
وبدوره، أكد نائب رئيس غرفة تجارة وصناعة عمان م.رضا بن جمعة آل صالح أن هناك شكاوى عدة من المستثمرين المحليين والأجانب من التعقيدات الكبيرة في إجراءات الاستثمار بالسلطنة وطول الفترة الزمنية التي تتطلبها تراخيص الاستثمار، والتي تصل إلى أشهر عدة، في حين أن الدول المجاورة تستقبل المستثمرين من المطار وتنهي لهم إجراءاتهم كافة خلال أيام معدودة إن لم يكن خلال ساعات.
لجنة متخصصة
وطالب آل صالح في تصريح لـ»الشبيبة» القائمين على الجهات الاستثمارية والخدمية في الحكومة بضرورة تشكيل لجنة مختصة بتسهيل الاســتثمار، تكون على تواصل دائم مع غرفة تجارة وصــناعة عمان لتسهيل دخول الاســـتثمارات في الســـلطنة، خصوصاً مع الظروف المالية التي تمر بها السلطنة في المرحلة الحالية. وأضاف آل صالح: «يجب أن تكون الإجراءات الحكومية متسقة وتحت سقف واحد وأن لا تكون المحطة الواحدة مرحلة لتجميع المستندات فقط ثم يتوه المستثمر بين الوحدات الحكومية المختلفة».
وأوضح آل صالح «أن تراخيص القوى العاملة تعد من الإجراءات المعقــدة والمنفرة للمســتثمرين
، مشيراً إلى أن هناك شكاوى عـــدة من المســـتثمرين حول هذا الجانب، مؤكداً أن على الجهات تسهيل إقامة المشروع في السلطنة ثم إلزامه بالاشتراطات اللازمــة ومن بينها نسب التعمين.
وأفاد آل صالح أن النقاط التي على القائمين على الاستثمار التنبه لها هي ضروة ثبات القوانين وعدم تغييرها بين حين وآخر لأن المستثمر يريد أن يطمئن إلى مستقبل استثماراته وفق الخطة التي حددها عند بداية مشروعه، ووفقاً للقوانين الموجودة في السلطنة ولا يريد أن يتفاجأ بتغيّر هذه القوانين».
بيئة طاردة للأعمال
في السياق ذاته، قال رئيس الجمعية الاقتصادية د.سعيد الصقري إنه «لا يخفى على أحد وجود بيئة طاردة للأعمال في السلطنة وتقارير التنافسية في بيئة الأعمال والحريّة الاقتصادية تؤكد ذلك».
وأضاف الصقري «أن هناك تداخلاً كبيراً في الصلاحيات بين الجهات الحكومية المختلفة وأحيانا هناك تضارب بينها بحيث تعطيك إحدى الجهات موافقة في حين أن الجهة الأخرى لا تعتمدها وتعد نظام تصنيف آخر خاصا بها».
وبيّن الصقري في تصريح لـ«الشبيبة» أن هناك «شبه إجماع من المسؤولين في الحكومة والقطاع الخاص على ضرورة التخلص من البيروقراطية وتداخل الاختصاصات بين الجهات الحكومية»، مشيراً إلى أن «هناك جدية في تخطي هذه المرحلة وقد يكون برنامج تنفيذ وما تبلورت فيه من أفكار دافعاً نحو إيجاد بيئة تنافسية للأعمال بالسلطنة».
وأوضح الصقري «أن المستثمــر يجــــب أن يتوجه إلى نافـــذة واحـــدة فقــط في حيــن أن الجهات الحكومية هي من تنسق فيما بينها لإنجاز المعاملات وإعطاء التراخيص النهائية».
بيئة تنافسية
من جهته، قال رجل الأعمال عامر السليماني «إن الاستثمار يحتاج إلى بيئة تتنافــس فيها الجهات المختصــة على تقــديم الحوافز وليــس عرقلته عبر تعــدد محـطات التراخيص».
وأضاف السليماني لـ«الشبيبة» أن هناك جهات عدة تختص بتصـــاريح الاستثمار و»كل جهة لها إجراءاتها الخاصــــة بها وتحتاج إلى أوقات طويلة تصل للأشهر والسنوات لإنجـــاز المعاملات بها، في حين أن هنــاك دولا مجــاورة تعـــمل على تذليل كل الصـــعاب أمام المســتثمر الجاد وإعطائه كل ما يحتاج من تراخيص خلال ساعات معدودة».
واعتبر السليماني «أن الاستثمار في السلطنة لا يحتاج إلى ندوات ومؤتمرات وإنما إلى فتح السوق والقضاء على البيروقراطية المتغلغلة في بعض المؤسسات الحكومية»، مشيراً إلى أن الأصل هو تسهيل الإجراءات وليس التشديد على المستثمرين الجادين».
وأكد السليماني أن المستثمر سيهرول من تلقاء نفسه متى ما وجد سوقا جاذبة، في المقابل قد يوقف اســتثماره في أي وقت إذا وجد أن معاملاته تتنقل بين الجهات الحكومية.
وختم بالقول «إن الإجراءات كافة والوقت اللازم لها يجب أن تكون واضحة لدى المستثمر وكذلك الموظف الحكومي حتى لا تكون التراخيص والمعاملات رهينة اجتهاد الموظف العام».