جيم ماكريري
ربما لم يتوافق مرشحا الرئاسة الأمريكية هيلاري كلينتون ودونالد ترامب على قضية جوهرية سوى موقفهما المعارض بشدة للتحالف التجاري الشامل بين الولايات المتحدة و11 دولة أخرى عبر المحيط الهادئ. ومن الضروري أن يسارع الرئيس أوباما والكونجرس الى المصادقة على الاتفاق قبل انتهاء ولاية الإدارة الحالية، وإلا فلن يكتب لهذه الفرصة النجاح. يأتي ذلك في وقت حساس في العملية السياسية الداخلية في الولايات المتحدة وكذا في وقت أكثر حساسية للعالم، وتحديدا آسيا. ويبدو أن مصير الاتفاق المقترح يمكن أن يغير ميزان القوى في المنطقة.
فالصين، القوة الرائدة في آسيا، تشهد تعثرا في الأشهر الأخيرة، حيث خسرت نزاعا قانونيا مريرا حول مزاعمها في بحر الصين الجنوبي في المحكمة الدولية، بينما تعاني أيضا تباطوء اقتصاديا. ويبدو أن بكين عازمة أكثر من أي وقت سابق على تأكيد وجودها في جميع أنحاء المنطقة - اقتصاديا وعسكريا على حد سواء.
ومع أن النظام الدولي بقيادة الولايات المتحدة يبدو أمرا واقعا منذ فترة طويلة، بيد أن الفشل الأمريكي في التصرف في لحظة محورية مثل هذه لن يمر مرور الكرام في آسيا. ووفقا لخدمة أبحاث الكونجرس فإن فشل الولايات المتحدة في وضع اللمسات الأخيرة على اتفاق التجارة الذي وقعناه سيكون مؤشرا على تراجع اهتمامنا باقتصاد واستراتيجية حلفائنا وشركائنا التجاريين في آسيا. ومن المتوقع ألا تفوت الصين الفرصة.
ويقدم اتفاق الشراكة عبر الهادئ للولايات المتحدة الفرصة لمواصلة كتابة قواعد التجارة الدولية والأمن لسنوات قادمة. وسواء أحببنا ذلك أم لا، فالتكامل الاقتصادي الدولي والعولمة في آسيا سوف يستمر معنا أو بدوننا. ومع تأثير موجات من المعلومات الخاطئة وكراهية الأجانب في دفع الاتحاد الأوروبي وبريطانيا للتراجع عن العولمة، تبدو آسيا وكأنها تتحرك في الاتجاه المعاكس.
واتفاق الشراكة عبر الهادئ هو نتاج سنوات من المفاوضات ومئات من الاتفاقايات الأصغر بين 12 دولة مختلفة، ومن ثم فالتخلي عن هذا الإنجاز الدبلوماسي الرائع من شأنه أن يقوض قدرة أميركا في التفاوض بشأن الاتفاقات التجارية سواء المتعددة أو الثنائية الأطراف في المستقبل، ما يؤثر بالسلب على قوتنا الناعمة وموقفنا كأهم اقتصاد في العالم. وقد استغرق الأمر عشر سنوات من الجهد للوصول إلى هذا الاتفاق، وإذا ضاعت الفرصة من المرجح أن يشهد العقد المقبل اتفاقات تجارة لن تكون الولايات المتحدة طرفا فيها.
وقد عكفت الصين مؤخرا على عقد اجتماعات مع 15 دولة أخرى للتوصل الى اتفاق للتجارة الخاصة والشراكة الاقتصادية الاقليمية الشاملة، وذلك قبل نهاية هذا العام. وبالطبع فإن مصداقية الولايات المتحدة في آسيا ستتلقى ضربة موجعة إذا تم الانتهاء من الصيغة النهائية هذا العام، بينما ننقض نحن الوعد الذي قدمه الرئيس وننكص عن الاتفاق. والأهم من ذلك فإن إهدار هذه الفرصة للموافقة على الاتفاق سيعني التخلي عن قدرتنا على التأثير في القضايا التي تهم منتقدي الاتفاق، وأعني بها زيادة معايير القوى العاملة العالمية وحماية البيئة والإنترنت المجاني المفتوح والمنافسة العادلة واحترام الملكية الفكرية وحقوق الملكية.
كما أن عدم تمرير اتفاق الشراكة عبر الهادئ يعني خسارة الولايات المتحدة فوائد اقتصادية فورية وملموسة. وعلى سبيل المثال فالاتفاق ينهي 18 ألف ضريبة على البضائع الأمريكية المصدرة، بما في ذلك العديد من الحواجز التي تأخذ شكل لوائح في عدد من أكبر وأسرع الاقتصادات، ومن شأن هذه التغييرات أن تمنح الشركات الأمريكية الفرصة لتوسيع أعمالها التجارية في الولايات المتحدة وخارجها، ما يؤدي في نهاية المطاف إلى المزيد من الوظائف الأميركية والنمو والذي لن يتحقق بدونه.
فالشركات الأمريكية، الكبيرة والصغيرة، صدرت بضائع بما يربو على 622 بليون دولار الى الدول الأعضاء في الاتفاق في عام 2013 على الرغم من الحواجز القائمة. وتشير التقديرات إلى أنه بعد اعتماد الاتفاق ستشهد الدول الأعضاء فيه زيادة بمتوسط 1.1 في المائة في الناتج المحلي الإجمالي، وزيادة 11٪ في التجارة بحلول عام 2030. وهذه الأرقام الإقتصادية المشجعة تأتي إلى جانب لوائح غير مسبوقة لحماية حقوق الإنسان والبيئة والملكية الفكرية، ناهيك عن العلاقات الإيجابية بين الدول الشريكة التي تمثل أهمية استراتيجية.
وحتى الصين فقد أظهرت موافقة حذرة من مزايا الصفقة، وأبدت اهتماما يشير الى امكانية انضمامها الى الاتفاق التجاري في وقت لاحق. وفي حين تتطلع الولايات المتحدة الى تولي مقعد القيادة، فإن انضمام الصين قد يمثل خطوة رائعة لتحقيق الازدهار والاستقرار الدوليين. وعلى الولايات المتحدة أن تنحي الجدال السياسي الداخلي جانبا وتبادر بالتوقيع على الاتفاق.
عضو في مجلس النواب الأمريكي عن ولاية لويزيانا لحوالي 21 عاما