علي بن راشد المطاعني
يقال أن الاهتمام بالمستقبل الاقتصادي والإنمائي للأمم يبدأ من مقاعد الدراسة، ونقول أن ثقافة تحمل المسؤولية في ختلف القطاعات تبدأ من الطريقة التي يتحمل بها أولياء الأمور تجاه ابنائهم.
يروي أحد المعلمين قصصا أغرب من الخيال، يروي عن إهمال بعض الأهالي أبناءهم وعدم متابعتهم في تعليمهم ، تخيلت وأنا أسمع الحديث أنني أعيش في عالم آخر عن الواقع المؤلم الذي يرويه بكل غرابة، اولياء أمور، لا يعرفون مواعيد تسجيل أبنائهم في المدراس في الصف الأول رغم أن وزارة التربية والتعليم تبادر إلى الإعلان عنه مع بداية العام الدراسي عبر كل الوسائل الإعلانية المتاحة ويظل التسجيل مفتوحا إلى قبل نهاية العام، وبعض أولياء الأمور نائمون في العسل عن متابعة مواعيد تسجيل فلذات أكبادهم في الصف الأول بل إن بعضهم يبلغ بهم الصلف أن يتأخروا في تسجيل أبنائهم سنة أو سنتين للأسف ويأتون للمدارس بعد ذلك يصرون على تسجيل أبنائهم بعد أن تجاوز أبناؤهم العمر القانوني للصف الأول ويكونون أكبر من زملائهم في نفس الصف، فهل يعقل هذا الإهمال دون رادع يعيد لأولياء الأمور الوعي بأهمية الاهتمام بأبنائهم ومتابعة تعليمهم.
فهل يتخيل الفرد أن أبا يخرج من غرفة إنعاش الإهمال الأبوي ويأتي بعد بدء العام الدراسي بأسبوعين وأكثر ويطلب انضمام ابنه لقافلة التعليم، بعد إلحاح الابن برغبته في الذهاب للمدرسة، لأن زميله في الحارة يذهب للمدرسة، فيتنبه الأب الحنون، ويذهب متثاقلا الى المدرسة،وما أن يصل المدرسة حتى ينهال بالاتهامات أن المعلمين لم يُعْلموه بمواعيد التسجيل في المدرسة، وكأن المدرسة عليها أن تعين له منسّقة لتغطي عجزه في أداء دوره كأب يتابع مسار تعليم أبنائه من رياض الأطفال إلى ما بعد الشهادة الجامعية.
ونتساءل هنا ماذا حل بنا؟ إذا كانت في المجتمع نماذج كهذه من أولياء الأمور، متغافلين عن تسجيل أبنائهم في المدارس، بل لا يعلم الواحد ما إذا كان ابنه في سن التعليم أم لا، مرتكبا جريمة ينبغي أن يعاقب عليها القانون، مثل قانون حقوق الطفل، ألا يمكن إحالة مثل هذه النماذج للادعاء العام، ثم إلى المحكمة لتكون عبرة لغيرها وتردع كالمجرمين، ففي الكثير من الدول وخاصة المتقدمة هناك عقوبات رادعة ليس على عدم تسجيل الطلاب في المدارس من جانب أولياء الأمور فقط، وإنما حتى إذا غاب الطالب عن المدرسة بدون مبرر مقنع، يعاقب الأب بعقوبة إهمال ابنه، ويدفع غرامة بحكم المحكمة بستين باوند عن كل حالة غياب في الأسبوع، حتى إذا جرح الطفل أو حدث له مكروه في المنزل نتيجة إهمال الأبوين، وفي حالة التكرار أكثر من مرة يسحب الأطفال من الأسرة، ويحال للمحكمة بتهمة الإهمال. فهل نحن بحاجة لمثل هذه القوانين وتفعيل الموجود منها كقانون حقوق الطفل في ظل إهمال الأهالي أبناءهم، وإنشاء دوائر للادعاء العام التربوي، ومحاكم وعقوبات لضبط إيقاع الأبوة والأمومة في المجتمع.
يضيف محدثي اأن هناك قصصاً أخرى، أقل وطأة ولكنها تشكل ظواهر خطيرة تحتاج إلى محاكمة أولياء الأمور، وضبط إهمالهم على عدم متابعة أبنائهم في الحضور للمدارس، فظاهرة الغياب تشكل قلقا في المجتمع المدرسي، وتزيد الفاقد في التربية والتعليم التي تكلف الدولة أكثر من مليار ريال سنويا، لو قسمتها على عدد الطلاب، لوجدت أن تكلفة الطالب في المدارس العامة أكثر من تكلفته في المدارس الخاصة. وعلى الرغم من أن عقوبات غياب الطالب تحرمه من نصف درجاته، ولكن ما ذنب الطالب الذي لم يصل مرحلة الوعي بالعقوبة، إذا لم يكن وراءه أب أو أم متابعين لتحصيله الدراسي، ومواظبته لحضور المدرسة من عدمه، فهما ينبغي أن يعاقبا، إذا تكرر غياب الأبناء أكثر من يوم في الشهر على سبيل المثال.
وأضاف: ندعو أولياء الأمور لحضور المدرسة للوقوف على تحصيل أبنائهم، وتقييم مستوياتهم العلمية وكيفية معالجة القصور بالرسائل مع الطلاب، ومن خلال الاتصال وصل الأمر إلى إبلاغ الشيوخ، ولكن لا جدوى من ذلك، فلا أحد يحضر إلا ما ندر من أولياء الأمور وهذه ظاهرة غريبة في حد ذاتها، رغم أن الآباء والأمهات من أجيال النهضة تعلموا ووصل بعضهم لمستويات جامعية وبعضهم الآخر مسؤول في الدوائر لكن لا حياة لمن تنادي، حتى لمصلحة أبنائهم.
واستغربت منه ذلك، وقلت له إن الوضع مختلف في المدارس الخاصة تجد رجال أعمال ووزراء وكبار المسؤولين ينتظرون في القاعة، للاطلاع على مستويات أبنائهم كغيرهم من أولياء الأمور لأنهم يعرفون أن المستقبل المهني لأبنائهم يبدا من المدرسة، فمنهم من عطّل اجتماعا مهما في الحكومة، ومنهم من أخذ إجازة من العمل للوقوف على مستويات ابنه، ومنهم من أجّل السفر لكي يسأل عن ابنه، والكثير منهم طبعا غير مضطر للالتزام باليوم المحدد للمدرسة للاجتماع مع أولياء الأمور، فيمكن للمدرسة بكامل الهيئة التدريسية أن تذهب لصاحب السمو، وذاك الوزير في مكتبه أو بيته لتعطيه صورة متكاملة عن وضع ابنه، وفي الوقت الذي يناسبه.
فلماذا أولياء الأمور "الغلابه" على ما يقولون ليسوا حريصين على متابعة أبنائهم، فرد قائلا: تعرف لأن هولاء الذين تتحدث عنهم يدفعون مبالغ للمدارس الخاصة بآلاف الريالات، في حين الجانب الآخر لا يدفع فلسا، استغربت من هذه القناعة التي ينبغي أن تنمحي. لكن قال هذه الحقيقة التي ينبغي مواجهة المجتمع بها، فليس هناك وقت للانتظار أكثر، مضيفا أن الأمور تحتاج إلى حزم أكثر قد تكون عونا للتربية والتعليم للقيام بمسؤولياتها، ولا تقتصر على الدعوات والترجي لأولياء الامور فهذا أصبح في حكم الماضي.
طبعا ليس كل أولياء الأمور مهملين أبناءهم، وغير متابعين لمستوياتهم العلمية والانضباط في الدوام، لكن هناك نسبة كييرة تخلّ بأهم واجباتها مع أعز ما تملك وحان الوقت لضبطها بالقانون والعقاب، لكي تكتمل الأدوار وتتقاسم المسؤوليات في التربية والتعليم باعتبارها أساس بناء الفرد والمجتمع.
نأمل من وزارة التربية والتعليم التعاون مع الجهات الأخرى وأن تسن التشريعات التي تلزم الآباء بتربية أبنائهم ومتابعتهم في المدارس، وتسريع إنشاء محاكم ودوائر الادعاء لإحالة المخالفين لآداب الأبوة والأمومة، والمجرمين في حق الطفولة إلى السجون والعقوبات الرادعة، فهذه هي قوانين الحياة لكي تستقيم ويتحمل كل طرف مسؤولياته.
علي بن راشد المطاعني