مسقط - فريد قمر
أيام قليلة فقط تفصلنا عن اجتماع الجزائر الذي يناقش فيه منتجو النفط داخل أوبك مسألة تجميد حجم الإنتاج، أيام قليلة تفصلنا عن معرفة مصير الاقتصاد العالمي الذي بدأ يفقد قوته منذ هوت أسعار النفط بشكل دراماتيكي لتصل إلى حدود تقل عن ثلاثين دولارا.
ولم تعد أسعار النفط مشكلة تواجه الاقتصادات النفطية، ومن بينها السلطنة، فحسب، بل باتت نتائجها تصل إلى كبرى الاقتصادات العالمية مع تكاثر خطط تقليص الإنفاق وتزامن أزمة النفط مع أزمات أخرى ضربت اقتصاد البرازيل والصين وأوروبا، حتى بلغ النمو مستويات دنيا لم نعرفها منذ العام 2008 عندما عصفت بالعالم أزمة الرهن العقاري.
لكن الخبر السار، أن الأمل بالوصول إلى اتفاق بات أكبر من أي وقت مضى، فقد ساهمت الضغوط التي مارستها بعض الأطراف، ومن بينها السلطنة عندما أعلنت مقاطعتها للاجتماع، إلى بث الحركة من جديد في الحوارات التي توقفت، مدفوعة بحركة قادتها فنزويلا التي تعد من أكثر الدول تضرراً من انخفاض الأسعار إذ وصل التضخم فيها إلى معدلات لم تعرفها في تاريخها فضلاً عن أزمة كبيرة في توفير السلع والمواد الأولية.
وبالفعل نجحت حركة فنزويلا في كسر الجمود، واستطاعت أن تبث الأمل من جديد بعد مجموعة من التصريحات كان أولها لإيران التي أعلنت عبر وزارة النفط أنها مستعدة لدعم أي اتفاق نفطي، من دون الدخول في تفاصيل إضافية حول كيفية الدعم أو إذا كانت ستلتزم بتجميد الإنتاج، لاسيما أنها أصبحت على مقربة من حدود إنتاجها الذي كانت عليه قبل فرض عقوبات اقتصادية ضدها ساهمت في تخفيض حجم إنتاجها إلى النصف.
وبدوره قال وزير الطاقة الجزائري «إن أي اجتماع غير عادي لمنظمة أوبك من أجل مناقشة أسعار النفط قد يعقد قبل نوفمبر وإن إمكانية تثبيت الإنتاج ستكون محل نقاش خلال اجتماع غير رسمي لمنتجي النفط».
وبحسب ما نقلت وكالة رويترز قال الوزير نور الدين بوطرفة «إن أي خطوة تأخذها أوبك لتثبيت الإنتاج ستساعد في استقرار أسواق النفط لستة أشهر على الأقل» وهذا مطلب يحلم به جميع المنتجين للنفط.
وفي خطوة بدت مفاجئة عرضت السعودية تقليص إنتاجها من النفط إذا وافقت إيران على تثبيت إنتاجها هذا العام عند المستوى الحالي البالغ 3.6 مليون برميل يومياً، وهو عرض يعتبر مغرياً لجميع الأطراف لأنه يتحدث عن تقليص الإنتاج السعودي لا عن تجميده فحسب، في مقابل تثبيت إيران إنتاجها عند المستوى الحالي بدلاً من مستوى يناير كما كان مطروحاً في اجتماع الدوحة، ما يمنح فرصة حقيقية للوصول إلى اتفاق نفطي.
وبمجرد الإعلان عن إمكانية التوصل إلى اتفاق ارتفعت أسعار النفط العالمية ولو بشكل طفيف، غير أن الآمال بتحسن السوق ارتفعت بدورها، إذ قال مستثمر النفط ت. بون بيكنز «إنه يعتقد أن سعر الخام سيرتفع إلى نطاق 55 إلى 60 دولارا للبرميل بنهاية العام».
ورغم تأكيد أنه لا يتوقع ارتفاع الخام إلى 100 دولار للبرميل نظرا لحجم الاحتياطيات الأمريكية، فإن أرقاماً بين 50 و60 دولاراً لبرميل النفط، كان مجرد أحلام قبل أسابيع». وثمة عقبتان تتحكمان في مصير الاتفاق النفطي المتوقع، الأولى تتمثل في عدم معرفة قرار منتجين كبار للنفط حيال الاتفاق، وإذا كانت تلك الدول ستلتزم بقرارات تجميد الإنتاج عند حدود معينة أو تقليصه. ومن بين هذه الدول روسيا التي تعد من أكبر منتجي النفط عالمياً، والعراق الذي وصل بإنتاجه إلى حدود قياسية، فضلاً عن دول تسعى إلى تحقيق حجم مرتفع من الإنتاج بعد انخفاض حصتها السوقية نتيجة أحداث داخلية ومن هذه الدول ليبيا ونيجيريا وغيرهما. وكذلك يبقى موقف الولايات المتحدة غير واضح في هذا الاتفاق، فرغم أنها تعد المستهلك الأول للنفط في العالم، فإن لحجم مخزونات النفط الأمريكي تأثيراً كبيراً على الأسعار، وإذا عادت الأسعار إلى ارتفاع من المتوقع أن تزداد عدد منصات وحفارات النفط المتوقفة إلى العمل، وبالتالي توسيع الفجوة من جديد بين العرض والطلب.
أما المشكلة الثانية فهي أن أسواق النفط بدأت تكتسب مناعة تجاه الأخبار المتعلقة باتفاقيات خفض الإنتاج، ما جعل حركة الأسعار مقيدة أكثر من أي وقت مضى لاسيما أن وفرة الإنتاج في السوق وصلت إلى نحو 10 في المئة بزيادة عن الطلب نتيجة لزيادة جميع المنتجين الكبار معدلات إنتاجهم لتعويض الفارق في الأسعار، فضلاً عن أن تجربة محادثات الدوحة، التي أدت إلى فشل الوصول إلى اتفاق في اللحظات الأخيرة، قلّص من حجم التوقعات.
لذلك نرى أن الأسواق لم تتفاعل بشكل كبير مع المفاوضات السابقة للاجتماع، وبقيت أسعار النفط عند حدود 45 دولاراً ما يشكل تفاعلاً حذراً وغير مستقر بالنسبة لجميع الدول المنتجة من بينها السلطنة. لاسيما أن حركة الأسعار ترتبط بمجموعة من المعلومات المتضاربة حول إمدادات النفط، مما يجعلها غير قابلة للتوقع. ففي حين أعلن الولايات المتحدة عن انخفاض مخزون النفط الخام لديها عادت الموانئ الليبية إلى تصدير النفط من جديد بعد توقف طويل، وبدأت ناقلات نفط عملاقة تنقل شحنات النفط الليبي من ميناء رأس لانوف إلى إيطاليا. لذلك لا أمل باستقرار أسعار النفط من دون التوصل إلى اتفاق يحد من كمية الإنتاج ويعيد الثقة بين كبار المنتجين. وبناءً على هذه المعطيات، تبقى الأنظار شاخصة نحو اجتماع الجزائر في 28 سبتمبر الجاري، وعلى المحادثات الجانبية التي ترافقه، لمعرفة ما إذا كان الرخاء سيعود إلى الاقتصاد العالمي، أم أن الأزمة ستستمر.