علّمني كيف أصطاد!

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٥:٢٣ ص
علّمني كيف أصطاد!

علي بن راشد المطاعني

المثل الصيني يقول: "لا تعطني سمكة، بل علّمني كيف أصطاد السمك" ‏لعل هذه هي الفلسفة التي بنى عليها مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة برنامج عمله كأول مركز من شركة عمانية خاصة، وهي مؤسسة الزبير، إذ تؤسس جهة تحتضن رواد الأعمال كأحد جوانب المسؤولية الاجتماعية ارتأت الاضطلاع بها في السلطنة، وكجزء من رد الجميل لهذا الوطن وأبنائه، رافدة بذلك الجهود الحكومية المتواصلة في تعزيز ريادة الأعمال، والنهوض بالمؤسسات الصغيرة والمتوسطة التي تشكل أكثر من 90 في المائة من الاقتصاد الوطني كغيره من اقتصاديات الدول النامية والمتقدمة.
هذه الفلسفة جاء بها تأسيس أول مركز خاص يعنى بريادة الأعمال، ويقلب المفاهيم في النهوض بأصحاب المؤسسات الصغيرة والمتوسطة، من طلب الدعم إلى تقديمه لغيرهم، ومن النظرة القصيرة في بدء مشروع يدرّ دخلا يكفي متطلبات الحياة اليومية، إلى ريادة تمتد إلى أعمال أخرى، وتتوسع شبكاتها إلى مجالات جديدة، وفتح آفاق أوسع في أذهان الشباب العماني وترسيخ مفاهيم جديدة لريادة الأعمال تجاوزت المفاهيم التقليدية.
فالمركز مؤسسة تأهيلية أكثر منها تمويلية، يعكس ما يشير إليه المثل الصيني الذي نفتقده في كثير من جوانب الدعم المقدمة بالدولة، وهو ما يدعو إلى الوقوف على هذه التجربة ليكون نموذجا لغيره في المجموعات الاقتصادية والشركات في البلاد، بل نموذجا للجهات الحكومية التي تقدم الدعم للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة، ويقدم خبرته المتواضعة التي لا تتجاوز أربع سنوات، إلا أنها على ما يبدو لي أفضل من 40 عاما في هذا المضمار، فالعبرة كما يقال ليس بكمّ المبالغ التي قُدمت لهذه المشروعات، بقدر مدى استمراريتها ونموها وتطورها، واستدامتها واستمراريتها والوعي بكيفية ممارسة الأعمال والنهوض بها.
عندما أدلفت إلى دهاليز هذه المؤسسة لتتكشف لي ماهيتها كمطّلع، تبين لي أنني بعيد عن هذه التجربة، وظهر قصورٌ مني في التعرف عن قرب على هذه النماذج الناجحة وتقديمها للمجتمع، والدعوة لها للاستفادة منها، إلا أنني صدمت بحجم العمل الذي تقوم به، أكثر من الدعم المباشر الذي يظنه البعض، دعيت لتدشين نسخته الرابعة التي يبلغ عدد المستفيدين المباشرين من هذا البرنامج منذ بدايته 40 شابا وشابة عمانية، اليوم أصبحوا يقودون أعمالهم من نجاح إلى آخر، يتسابقون للمواصلة نشاطا تلو الآخر، فتعرفت عن قرب على ما تقدمه من أعمال جليلة في تأهيل الشباب العماني في العديد من المسارات، وإيجاد كوادر عمانية قادرة على العمل الحر بمفردها، والنهوض بقدراتهم من خلال التدريب وصقل المهارات، وتعزيز أعمالهم من خلال الاستشارات الإدارية والمالية، والاستراتيجية لكيفية الولوج الى عالم الأعمال والاقتصاد، والشراكة مع مؤسسات وشركات من نفس مجموعة الزبير للقيام بأعمال جزئية تقدم لشركاتها المتعددة في الأنشطة التجارية، متنازلة عن فرع هنا، وقسم هناك لأبناء الوطن، ليقدموا خدمات تحتاجها كشركة، والمشاركة في البيع بالتجزئة لأحد منتجاتها وخدماتها، كانت هذه الأعمال وغيرها في السابق جزءا من المؤسسة الكبيرة التي تعد إحدى القلاع الاقتصادية في البلاد، ‏اليوم تمنح أبناءنا أعمالها شيئا فشيئا ليكونوا جزءا من منظومة العمل التي قامت عليها هذه المؤسسة وترعرعت إلى ماهي عليه اليوم، بل جزءا من فلسفة النجاح التي بنيت عليها هذه المجموعة التي بدأت العمل بقرض ووصلت إلى ماهي عليه اليوم كإحدى المجموعات الرائدة.
فمركز الزبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة بما يمتلكه من كفاءات عالية المستوى في التأهيل والتدريب وتقديم الاستشارات والخبرات، يقوم بعمل جبار في وضع مسار جديد للنهوض بريادة الأعمال، يبني شخصية رجل الأعمال القادم، ويغرس حب العمل الحر في نفوس الناشئة.
اليوم مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة وبلغة الأرقام، أسهم في بناء أكثر من 300 رائد أعمال في 4 سنوات بمعدل أكثر من 75 شخصا، يشقّون طريقهم في ريادة الأعمال إلى الأبد، ولم يغفل محافظة من محافظات السلطنة، إلا وكان له فيها بصمة تشعّ لأبناء المحافظة وتنير لهم طريق العمل الحر، وتفتح آفاقا أمام أبنائها للاستفادة مما يقدمه المركز، موزعا خدماته على كل القطاعات الاقتصادية الإنتاجية منها والخدمية ليكون نبراسا يهتدي إليه كل الراغبين من أبناء الوطن لممارسة نشاط اقتصادي يسهم في تحقيق الاكتفاء الذاتي من سلعة أو خدمة ويستوعب أكثر من مواطن.
بالطبع هذا المركز يمكن أن يتكرر في العديد من المجموعات الاقتصادية في البلاد، والشركات عليها مسؤوليات كبيرة في النهوض بالمسؤولية الاجتماعية في السلطنة كجزء من رد الجميل لهذا الوطن وأبنائه، فلوكان لنا لدينا عشرون مركزا مشابها، كم يكون عدد رواد الأعمال الذين ستحتضنهم مؤسساتنا.
التحديات ماثلة أمام الجميع، ولكن العزم والإصرار وتضافر الجهود في بناء رواد الأعمال في المجتمع هو السبيل لتحطيم صخور الصعوبات والعوائق التي تقف عائقا، أولها التأهيل والتدريب والاستدامة والخبرات التي يرتكز عليه مركز الزبير للمؤسسات الصغيرة والمتوسطة في تقديم دعمه اللامحدود لبناء أجيال من رواد الأعمال يكونون غدا رجال أعمال وما أدراك، وإن غدا لناظره لقريب.
نأمل أن تكلل مثل هذه المراكز بالنجاح والتوفيق في أعمالها الجليلة لبناء مؤسسات صغيرة في أحجامها، كبيرة في أحلامها، عظيمة في آفاقها المستقبلية، نواتها أبناء الوطن الطامحون إلى ريادة الأعمال التي تقوم على بناء الذات قبل طلب التمويل، و‏الاستفادة من الخبرات في التدريب قبل الاستباق لسوق دون دراية، ونأمل أيضا أن نرى أكثر من مركز لريادة الأعمال في شركاتنا التي حان الوقت أن تقدم شيئا ولو قليلا في هذا المضمار وسوف يكبر مع الأيام، ويعظم في نفوس وعيون العمانيين، وهكذا تتجسد المسؤولية الاجتماعية وخدمة المجتمع.