الأطفال في إرهاب داعش

مقالات رأي و تحليلات الأحد ١٨/سبتمبر/٢٠١٦ ٠٥:١٩ ص
الأطفال في إرهاب داعش

فريد أحمد حسن

مؤلم الحديث في مناسبة يحتفل فيها المسلمون في كل مكان بعيد الأضحى المبارك وبما من الله سبحانه وتعالى على من استطاع إلى الحج سبيلا بنعمة أداء مناسك الحج وبنعمة إحياء هذه الأيام المباركة لمن لم يكتب له سبحانه حج البيت ، مؤلم أن نتحدث فيها عن "تفخيخ الأطفال" ، لكن لعل هذا التوقيت يدفع نحو الاهتمام بهذا الملف حيث صار استخدام الأطفال للقيام بعمليات انتحارية في سوريا والعراق وأفغانستان على وجه الخصوص أمرا عاديا حتى أنه لم يعد يدرج ضمن الأخبار المهمة في الصحف . مثال ذلك استغلال براءة طفل قيل إنه في الثانية عشرة من عمره للقيام بعملية انتحارية في حفل عرس أودت بحياة أكثر من خمسين شخصا في تركيا الشهر الفائت . وفي الأخبار التي انتشرت أخيرا أنه تم اعتقال طفل مفخخ بحزام ناسف بالقرب من مكتب لوزارة الداخلية العراقية بشمال بغداد حيث "أحبطت قوة من شرطة محافظة كركوك محاولة تفجير انتحارية وسيطرت على الطفل الذي كان يرتدي حزاما ناسفا قبل أن يتمكن من تفجير نفسه" . وفيها أيضا أنه ارتفع معدل اعتماد تنظيم داعش على الأطفال لتنفيذ عمليات انتحارية في الثلاثة أشهر الأخيرة منها عملية نفذها طفل في الرابعة عشر من عمره وسط قوات البشمركة في العراق الشهر الماضي أيضا .
في الأخبار كذلك أن مصادر صحفية قدرت عدد الأطفال والمراهقين المقاتلين مع هذا التنظيم بثلاثة آلاف طفل أكثرهم من سوريا ، تتراواح أعمارهم بين الثامنة والثانية عشر في ولايات مختلفة في العراق وسوريا وليبيا حصلوا على دورات شرعية وعسكرية ثم تم القذف بهم في ساحات القتال وصار يستفاد منهم لاحقا في تنفيذ عمليات التفجير الانتحارية . ووفقاً لتقرير أصدره مركز محاربة الإرهاب التابع للجيش الأمريكي أخيرا فإن عدد الأطفال الذين أعلن عنهم التنظيم رسمياً وقاموا بتنفيذ عمليات انتحارية خلال العام الماضي يقدر بـ 39 طفلاً . أما الخبر الأكثر إيلاما فهو ما نقل عن مصادر أمنية عراقية من أن قوات الحشد الشعبي عثرت على طفل رضيع عمره أربعين يوما فقط تم دفن النصف السفلي من جسده في الأنقاض وظل نصفه العلوي ظاهراً وأنه تم تفخيخه بأكثر من كليوغرامين من المتفجرات لكنهم تمكنوا من إبطال مفعولها وإنقاذ حياة الرضيع .
ومع استبعاد بعض الأخبار والقصص التي ربما كان مبالغا فيها وتم نشرها لأسباب دعائية أو بغرض بث الخوف في النفوس أو الإساءة فإن الأكيد هو أن التنظيمات المتطرفة تستغل الأطفال ليكونوا وقودا لهذه الحروب التي ابتليت بها اليوم العديد من الدول العربية والإسلامية ، والأكيد أن أطفالا قاموا بتنفيذ عمليات انتحارية عديدة سواء بإرادتهم – لو كانوا في سن يسمح لهم بإدراك ما يقومون به – أو من دون إرادتهم .
هذا الذي تقوم به المنظمات المتطرفة يعني أنها لا تعتبر هذا الفعل جريمة ، فالطفل وغير الطفل عندها واحد والمهم هو أن يتم تنفيذ العمليات المطلوبة حسب الخطط الموضوعة وبما يخدم أهدافها ومراميها .
بشاعة لم تدر في بال أحد ولم يتوقع أحد أن تحدث في أي بلاد من بلدان العالم ، ولو سمعها الناس قبل سنوات قليلة أو قرأوها في الروايات لاعتبروها من وحي الخيال ، ذلك أنه من غير المعقول أن يتم تفخيخ طفل لتفجير مجموعة من البشر يوفر قتلهم لمفخخ الطفل الإحساس بالانتصار .
هو التطرف إذن الذي أوصل إلى مثل هذه الحال ، ولولاه لما سمع أحد بمثل هذه الأخبار ، ولولاه لما تم انتهاك الطفولة بهذا الشكل البشع . والمؤسف هو أن عمليات تفخيخ الأطفال مستمرة ويبدو أن هناك وفرة من الأطفال الجاهزين للتفخيخ لدى العديد من التنظيمات الإرهابية خصوصا في تلك البلدان التي يجبر فيها الأهالي على تسليم أطفالهم لإلحاقهم بدورات عسكرية أو يسهل اختطافهم لإدخالهم في تلك الدورات حسب ما تتناقله الأخبار .
الأكثر إثارة من كل هذا هو أن المنظمات العالمية المعنية بالطفولة لم تفعل شيئا حتى الآن سوى إصدار البيانات الشاجبة والمستنكرة ، معلنة بذلك عن ضعفها وعدم قدرتها على فعل أي شيء ، ومن ثم عن فتح الباب لمزيد من عمليات تفخيخ الأطفال ، فطالما أمكن تفخيخ الأطفال فإن التنظيمات الإرهابية لن تتوقف عن القيام بهذه الجريمة البشعة .
نحن إذن أمام مسألة ينبغي عدم السماح بجعلها في الهامش وإعطائها بدلا عن ذلك الأولوية والاستفادة منها كمدخل لوضع نهاية لهذه الحروب المأساوية التي صارت تعاني منها العديد من الدول العربية والإسلامية ، ذلك أن السكوت عن هذه الجريمة البشعة يعتبر بشكل أو بآخر مشاركة فيها ودعما لفاعليها .
مؤلم تناول مثل هذا الموضوع في مناسبة العيد ، لكن أي عيد للمسلمين وهم يرون كيف يتم تفخيخ الأطفال ودفعهم ليكونوا وقود حرب لا يعرفون عنها شيئا ولا علاقة لهم بها ؟ وأي فرحة للمسلمين وهم يسمعون في كل يوم خبرا عن تفجير انتحاري "بطله" طفل وضحاياه من كل الأعمار ؟
اليوم تزداد مسئولية من بيده فعل شيء لوقف هذه الجرائم ، والمسئولية أكبر على الدول التي يعلق عليها العرب والمسلمون الأمل لإنقاذ هذه الأمة من هذا الشر المستطير وتخليص الأطفال من هذا الذي يحدث لهم ولا يليق بالإنسانية ، ولهذا فإن الأعناق تشرئب نحو سلطنة عمان التي يدرك الجميع أنها الأقدر على وضع حد لكل هذا الذي يحدث ولا يراد له أن ينتهي .

· كاتب بحريني