03 اجتماعاً للبنوك المركزية تحدد مستقبل اقتصاد العالم

مؤشر الجمعة ٠٢/سبتمبر/٢٠١٦ ٢٢:٤٣ م
03  اجتماعاً للبنوك المركزية تحدد مستقبل اقتصاد العالم

مسقط -
أكد رئيس استراتيجيات الاقتصاد الماكرو، ساكسو بنك كريستوفر ديمبك، ان شهر سبتمبر سيكون شهراً مزدحماً بالنسبة للمستثمرين، حيث يكون هناك حوالي ثلاثين اجتماعاً مرتقباً للبنوك المركزية خلال هذا الشهر. مما سيكون لنتائجها تأثير كبير على اقتصاد العالم وقد كان المجموع الشهري للتسهيلات الكمية العالمية قد وصل إلى 200 بليون دولار منذ آخر إعلان خاص بالسياسة صدر عن البنك المركزي البريطاني. ولغرض المقارنة، فإن هذا المبلغ يساوي قيمة الناتج المحلي الكلي السنوي للبرتغال عام 2015. لقد أصبحت التسهيلات الكمية اللامحدودة حقيقة بعد أن طالت الشائعات والنقاشات حولها. وأوضاع التسهيلات الائتمانية العالمية هي الأكثر استرخاء على الإطلاق إذ يبلغ متوسط العائد على السندات الحكومية العالمية (شاملة كافة الآجال) حوالي 0.7%.

الحدث الأهم

ويعتبر اجتماع اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة الذي سينعقد في 20 و21 سبتمبر الحدث الأهم بالنسبة للسياسات المالية خلال ذلك الشهر. فهناك مؤشرات واضحة على زيادة سعر الفائدة إلا أن القرار النهائي للبنك المركزي سيعتمد على نشر أحدث البيانات لشهر أغسطس وخاصة تقرير الرواتب غير الزراعية والذي يمكن أن يؤكد الزخم الإيجابي الذي شهده سوق العمل الأمريكي. وبحسب ما ورد عن بلومبرج، يتوقع أكثر من 50% من المستثمرين زيادة سعر الفائدة قبل نهاية العام.

يزداد التباين

وإذا ما قررت اللجنة الفيدرالية رفع الأسعار، فسوف يزداد التباين في السياسة النقدية ما بين الدولار الأمريكي واليورو، مما قد يجذب المزيد من انتباه المستثمرين تجاه الدولار الأمريكي. وسوف تتوفر بيانات اقتصادية حديثة لدى البنك المركزي الأوروبي هذا الشهر ستؤكد على الأرجح أن هناك مخاطر سلبية لا تزال قائمة. وسوف تشجع البنك المركزي على تعديل برنامج شراء الأصول اثناء اجتماعه الذي سينعقد في 8 سبتمبر. والسيناريو الأساسي الذي نتوقعه هو أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بتمديد برنامجه لشراء الأصول لمدة ستة إلى تسعة أشهر وسيقوم برفع سقف الإصدارات الجديدة إلى 50%. فيما عدا البنك المركزي الروسي، من المتوقع أن تحتفظ البنوك المركزية الأخرى (بنك اليابان، بنك إنجلترا وبنك الاحتياطي الأسترالي ...إلخ) بسعر الفائدة لديهم ثابتاً حيث إنهم قاموا بتعديل سياساتهم المالية خلال الشهرين الفائتين.

إلى مستويات أعلى

هناك العديد من اجتماعات البنوك المركزية التي ستنعقد خلال هذا الشهر والتي قد تدفع بتقلبات الأسواق المالية إلى مستويات أعلى. وقد أدت الإجراءات السريعة التي اتخذتها البنوك المركزية في أعقاب التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي إلى تفادي انتشار الذعر هذا الصيف. فمنذ آخر إعلان عن سياسات بنك إنجلترا، وصلت القيمة الكلية الشهرية للتسهيلات الكمية العالمية حوالي 200 بليون دولار أمريكي، ويساوي هذا المبلغ – على سبيل المقارنة – إجمالي الناتج المحلي السنوي للبرتغال لعام 2015. ونتيجة لذلك، فإن التسهيلات الائتمانية العالمية في أكثر حالاتها استرخاء على الإطلاق إذ يبلغ متوسط العائد على السندات الحكومية العالمية (شاملة كافة الآجال) حوالي 0.7% وهو معدل أقل بكثير من معدل العشر سنوات البالغ 2.30%. ومن الأرجح أن يستمر هذا الانخفاض لبضعة سنوات قادمة بالنظر إلى أن الابتعاد عن السياسات المالية التي تتسم بالليونة هو تحدٍّ صعب بالنسبة للبنوك المركزية. فقد أعلن كل من رئيس بنك اليابان كورودا ورئيس البنك المركزي الأوروبي كويور أنهما لن يترددا باتخاذ إجراءات حاسمة مجدداً إذا ما لزم الأمر في إشارة واضحة إلى أن هناك إجراءات جديدة ستصدر قريباً. إلا أنه لا ينبغي علينا تفسير تصريحاتهما بشكل خاطئ. فالبنوك المركزية العالمية تُقر بأن السياسات المالية لن تبقى هي صاحبة الكلمة الأخيرة، وبالتالي فهم يدفعون باتجاه تمرير عصا السياسة إلى المال.

لا وقت للراحة في غرب أوروبا

البنك المركزي الآخر الذي يتصدر قائمة أعمال سبتمبر هو البنك المركزي الأوروبي. وقد ألمح محافظ البنك ماريو دراجي إلى أن البنك المركزي الأوروبي سيقوم بعمل مراجعة لأثر السياسة النقدية هذا الشهر بناء على بيانات اقتصادية جديدة. وستركز هذه المراجعة بالطبع على أثر برنامج شراء سندات الشركات الذي تم إطلاقه في يونيو الفائت وقد لاقى نجاحاً كبيراً حتى الآن. وتصل المشتريات إلى 7 بلايين يورو في الشهر (ومعظمها في الشركات المصنفة بدرجة BBB1 وما دونها) وهو أمر مذهل نظراً لحالة الخمول التي تصاحب الصيف. إلا أن خطر التراجع لا زال قائماً حيث إننا نعتقد بأن هناك فرصة بنسبة 100% بأن هذه المراجعة ستفتح الباب أمام مزيد من التسهيلات. والسيناريو الأرجح هو أن يقوم البنك المركزي الأوروبي بتمديد التسهيلات الكمية بحلول مارس 2017 لمدة ستة أو تسعة أشهر، وهو أمر شبه مؤكد، وأن يضح حد الإصدار عند 50% بدلاً من 33%. وقد يسمح هذا للبنك المركزي الأوروبي شراء المزيد من السندات الألمانية وسيكون ذلك قراراً سليماً بالنظر إلى التمديد المحتمل لمشتريات الأصول. ولا يمكننا أن نستبعد المزيد من تخفيضات الأسعار إلا أن هذه تعتبر سياسة مالية خطرة ولا بد من استخدامها بحذر شديد كما ورد في تقرير موظفي صندوق النقد الدولي الأخير عن منطقة اليورو، والتي قد تُحدث ضرراً بالغاً لأرباح القطاع المالي.

بنك إنجلترا سينتهج سياسة الانتظار

وعلى النقيض من البنك المركزي الأوروبي، فإن بنك إنجلترا سينتهج سياسة الانتظار في اجتماعه الذي سينعقد في 15 سبتمبر حيث يبدو البنك المركزي أكثر تشكيكاً تجاه التسهيلات الكمية إلا أنه كان مجبراً على الإعلان عن مثل هذه التركيبة من الإجراءات الشهر الفائت وإن كان ذلك حرصاً على سمعته أكثر مما هو من أجل الفوائد الاقتصادية. وكان التأثير المباشر على السوق لهذه الإجراءات هو خفض عوائد سندات الحكومة التي تتجه نحو الصفر. فقد تراجع عائد سندات الحكومة البريطانية لمدة عشر سنوات إلى 0.55% مقابل 1.38% قبل التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. ويمكن استخلاص نتيجتين من السياسات المالية الأخيرة التي اتخذها بنك إنجلترا: 1) الخروج من التسهيلات الكمية أصعب بكثير مما هو متوقع، على الأقل بالنسبة لغالبية البنوك المركزية: 2) لقد قام بنك إنجلترا بتحضير السوق لانخفاض جديد في أسعار الفائدة بحلول نهاية العام. أما في الوقت الحالي، فإن الأسعار السلبية ليست خياراً متاحاً وبالتالي، يمكننا أن نتوقع تراجع معدل الفائدة إلى 0.10% أو 0.05% خلال الأشهر المقبلة. وقد استعد السوق لهذه الحركة. فالهدف الرئيسي الذي يسعى بنك إنجلترا إلى تحقيقه على المدى القريب هو خفض سعر صرف الجنيه الإسترليني من أجل مساعدة الاقتصاد على تخطي خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. إلا أن ما تحتاجه المملكة المتحدة بالفعل هو «وقفة هاموند». والأولوية هي تقديم خطة إنعاش مالي يمكن أن يقوم بها فيليب هاموند، وزير الضرائب والإيرادات، بحلول فصل الخريف. وستكون بمثابة إشارة إلى انفصال جوهري عن الماضي وعن خطط التوحيد المالي التي قدمها سابقه جورج أوزبورن.

آسيا تقدم المزيد من التسهيلات

في آسيا و المحيط الهادي هذا الشهر، سيكون التركيز بشكل رئيسي على اليابان وأستراليا. والشعار الجديد الذي سيتردد في اليابان سيكون «انتظر وبادر بالدعاء». فالإجراءات الخجولة التي تم الإعلان عنها في شهر يوليو تثبت أن البنك المركزي لم يعد لديه مجال كبير للتحرك ضمن إطار السياسة النقدية الحالية. فقد ارتفعت ميزانية بنك اليابان منذ الأول من يناير 2015، بنسبة 58% وارتفع الين بنسبة 14% مقابل الدولار. وبات من الواضح أن السياسة النقدية اليابانية لا تؤتي الثمار التي كانت مرجوة منها: فهي لم تُخرج البلاد من الركود كما أنها لم تنجح في خفض قيمة الين الياباني، الذي هو الأثر الأكبر والأكثر مباشرة للسياسات المالية الليّنة. وفي هذا السياق، فإن الخطوة التالية لبنك اليابان ستأتي عند تقديم التقرير عن أثر السياسة النقدية الحالية إلى الحكومة، الأمر الذي يفترض حدوثه في نهاية الشهر. وحتى ذلك الوقت، لا يُتوقع اتخاذ أي إجراءات جديدة من قبل بنك اليابان بمناسبة اجتماعه المقبل في 20 و21 سبتمبر. الكرة الآن في ملعب الحكومة ولا يمكن للسياسة المالية أن تفعل الكثير على هذا المستوى.

روسيا تنتظر انجلاء العاصفة

في منطقة أوروبا الوسطى والشرقية و روسيا، هناك توقعات واسعة بعدم إحداث أي تغييرات على أسعار الفائدة إلا في روسيا. وقد تدفع أرقام الاقتصاد الأخيرة البنك المركزي الروسي إلى خفض أسعار الفائدة بمقدار 25 نقطة أساسية على الأقل لتصل إلى 10.25% في اجتماعه المقبل الذي سينعقد في 16 سبتمبر. وقد تم الإعلان عن التضخم الكلي بمعدلات أقل من المتوقع في يوليو، حيث بلغت نسبته 7.2% مقارنة مع نفس الشهر من السنة الفائتة مقابل 7.5% خلال شهر يونيو مقارنة بنفس الشهر من السنة الفائتة وهو أقل مستوى له منذ مارس 2014. كما أن البيانات الأولية تشير إلى أن روسيا شهدت أصغر تقلص اقتصادي لها منذ عام 2014 (-0.6% في الفصل الثاني مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي). وكانت القوة الرئيسية التي دفعت هذا التحسن هي القطاع الصناعي الذي استفاد من سعر صرف الروبل الأقل، إلا أن هناك أيضاً بوادر انتعاش من حيث ثقة المستهلك ومبيعات السيارات. وفي هذا السياق، يمكن أن يتشجع البنك المركزي لخفض سعر الفائدة كي يضع الاقتصاد على طريق الانتعاش. وإذا لم ينجح ذلك في تحريك عجلة النمو، فهناك خطر كبير من تعثر الانتعاش وتراجع الاقتصاد مرة أخرى بعد ما حدث في نهاية عام 2015. وبالتالي، فإن هناك احتمالاً كبيراً بأن يبدأ البنك المركزي بدورة جديدة من تخفيضات أسعار الفائدة في شهر سبتمبر.

ستزداد الأمور سوءاً بالنسبة للنرويج

في منطقة دول الشمال سيكون التركيز على النرويج حيث تم الإجماع على توقع قيام البنك المركزي في النرويج بخفض سعر الفائدة مجدداً في 22 سبتمبر إلا أن هذا الخيار آخذ بالتلاشي شيئاً فشيئاً في ظل ارتفاع التضخم. وكان البنك المركزي النرويجي قد اختار ولمدة طويلة عدم الانتباه كثيراً إلى تطور التضخم من أجل التركيز على النمو الاقتصادي. فمن الواضح أن تقبّل تضخم بمعدل 3.7% (يونيو) على الرغم من أن المعدل المستهدف كان 2.5% هو أمر يتطلب الكثير من الشجاعة. ويُعد النرويج حالة استثنائية في عالم تنخفض فيه معدلات التضخم. فمع أن التاريخ يوضح نجاح البنوك المركزية في محاربة ارتفاع التضخم، إلا أن البنك المركزي في النرويج يبدو كمن يلعب بالنار لفترة طويلة. فمنذ مارس، هناك تسارع ملحوظ في أسعار السكن (+11.14% في يوليو مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي). وقد أخطأ البنك المركزي خطأ كبيراً حيث توقع أن الأسعار لن تزداد سوى بمعدل 4% مقارنة بنفس الشهر من العام الماضي. والمشكلة هي أن ارتفاع أسعار العقارات يصحبه ارتفاع في مديونية الأُسر هو أيضاً أعلى مما افترضه البنك المركزي الربيع الفائت. وفي هذا السياق، فإن إجراء خفض جديد لسعر الفائدة قد يشكك في مصداقية البنك المركزي وفي رغبته في الحفاظ على استقرار الأسعار. والحل الأمثل هو انتظار انجلاء هذه العاصفة على أمل عدم انفجار فقاعة سعر السكن قبل أوانها.

فصل ثالث صعب بالنسبة لتركيا

لقد تحققت أسوأ مخاوفنا بالنسبة لتركيا. فقد تعرض الاقتصاد لضربة شديدة إثر محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة. فقد انهار مؤشر مناخ الأعمال بمقدار 24 نقطة في شهر أغسطس وتراجعت المبيعات بنسبة 33% في شهر يوليو مقارنة بالأشهر السابقة. وكما هو متوقع، فقد قام البنك المركزي التركي بخفض سعر الفائدة للشهر السادس على التوالي في أغسطس إلى 8.5%. ومن غير المرجح أن يتمكن البنك المركزي من الوفاء بالتزامه بالحفاظ على ارتفاع سعر الفائدة لاحتواء التضخم حيث أن الضغط السياسي تجاه المزيد من تخفيضات سعر الفائدة سيزداد بهدف دعم الطلب المحلي. ولم يكن خفض جديد لسعر الفائدة هو ما تصورناه بالنسبة لاجتماع البنك المركزي في 22 سبتمبر. فهناك احتمال كبير بأن يستمر الوضع كما هو عليه هذا الشهر. إلا أننا نتوقع المزيد من التسهيلات في الأشهر المقبلة وبأن أسعار الإقراض في تركيا سوف يتم خفضها تدريجياً لتصل إلى 8 على الأقل بحلول نهاية العام.