القدس المحتلة – زكي خليل
يصادف اليوم الأحد ، الحادي والعشرين من اغسطس ، الذكرى الــ47 لإحراق المسجد الأقصى المبارك، عام 1969.
ففي ذلك اليوم الأليم، أقدم اليهودي الأسترالي الجنسية مايكل دينيس على إشعال النار عمدا في المسجد الأقصى المبارك القبلة الأولى للمسلمين ومسرى الرسول محمد صلى الله عليه وسلم، التي التهمت أجزاءً مهمة منه.
وتسببت هذه الجريمة بإحراق منبر نور الدين محمود الذي صنعه ليضعه بالمسجد بعد تحريره، لكنه مات قبل ذلك ووضعه صلاح الدين الأيوبي، الذي كان يعتبر رمزا للتحرير والنصر على الصليبيين.
وبلغت المساحة المحترقة من المسجد الأقصى أكثر من ثلث مساحته الإجمالية، حيث احترق ما يزيد على 1500متر مربع من المساحة الأصلية البالغة 4400 متر مربع ، وأحدثت النيران ضررا كبيرا في بناء المسجد وأعمدته وأقواسه وزخرفته القديمة، وسقط سقف المسجد على الأرض نتيجة الاحتراق، وسقط عمودان رئيسان مع القوس الحامل للقبة، كما تضررت أجزاء من القبة الداخلية المزخرفة والمحراب والجدران الجنوبية، وتحطم 48 شباكًا من شبابيك المسجد المصنوعة من الجبس والزجاج الملون، واحترق السجاد وكثير من الزخارف والآيات القرآنية.
وألقت إسرائيل القبض على الجاني، ونقلته سلطات الاحتلال إلى مستشفى للأمراض النفسية في المزرعة بالقرب من عكا وبعد فترة ليست طويلة تم ترحيله إلى أستراليا، وروج في حينه خرافة قال فيها: إنه" قام بفعلته بأمر من الله".
عمل اجرامي
وكان لهذا العمل الإجرامي ردة فعل كبيرة في العالم الإسلامي، وانطلقت المظاهرات الغاضبة في كل مكان، وكان من تداعيات هذه الجريمة إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي (منظمة التعاون الإسلامي حاليا) التي تضم في عضويتها جميع الدول الإسلامية، وكان الملك السعودي الراحل فيصل بن عبد العزيز صاحب الفكرة، إلا أن المنظمة لم تستطع وقف أعمال التخريب وتدنيس الأقصى حتى هذا اليوم.
كما أثارت ردود فعل عالمية ودولية نددت به، ودعا مجلس الأمن الدولي إلى إصدار قراره رقم (271)، والذي أدان الاحتلال لتدنيسه المسجد، ودعا إسرائيل إلى إلغاء جميع التدابير التي من شأنها المساس بوضعية المدينة المقدسة.
وعبر القرار عن 'حزن مجلس الأمن للضرر الفادح الذي ألحقه الحريق بالمسجد في ظل الاحتلال الإسرائيلي، الذي دعاه إلى التقيد بنصوص اتفاقيات جنيف والقانون الدولي الذي ينظم الاحتلال العسكري، والامتناع عن إعاقة عمل المجلس الإسلامي في المدينة المعني بصيانة وإصلاح وترميم الأماكن المقدسة الإسلامية'.
وقبل حرق الأقصى وحتى يومنا هذا، تحاول السلطات الإسرائيلية بشتى الوسائل والطرق المس بالمسجد من خلال أعمال حفرية تحته، إلى بناء الأنفاق المتواصلة بعضها بعضا والتي أدت إلى تقويض أساسات المسجد في الحرم القدسي.
كما نشرت بعض الصحف العبرية قبل يومين مخططات لجمعيات الهيكل المزعوم قالت فيها إن العمل جارٍ لهدم المسجد الأقصى في فترة تتراوح ما بين 3-5 سنوات، لغرض إقامة الهيكل مكانه.
وما زالت سلطات الاحتلال تعمل جاهدة من أجل تهويد القدس العربية، وتحاول دائما إخفاء صورة قبة الصخرة التي تعتبر رمز القدس العربية أمام العالم، في محاولة بائسة لإقناع العالم أن القدس ليست عربية وإنما يهودية، كما أنها ما زالت تواصل التحريض على المسلمين ولا أحد يستبعد قيام متطرف آخر من اليهود بحرق المسجد مرة أخرى، في ظل حملة التحريض والتدنيس المستمرة والتي تتم برعاية وتحريض من أعضاء كنيست وحاخامات، وحتى وزراء في حكومة بنيامين نتنياهو.
وقال أ.غازي عيسى مدير جمعية الاقصى لرعاية الاوقاف الاسلامية ل "الشبيبة" ان السؤال الذي يطرح نفسه ويطرحه العديد من الشباب والشيوخ والنساء هو: ماذا علينا ان نفعل تجاه الأقصى حتى لا يتجدد الحريق في هذا المسجد الذي كان قبلة المسلمين قبل البيت العتيق؟ فنقول كما قال الدكتور عبد الله معروف في كتابة المدخل إلى دراسة المسجد الأقصى المبارك: "الأقصى ... إن لم تعرفه لن تستطيع أن تحبه".
واشار الى ضرورة التواجد الدائم في المسجد الأقصى وتكثيف شد الرحال إليه ، وتحفيز وتشجيع من يشد الرحال إليه. مؤكدا ان الواجب الديني والوطني والقومي والإنساني يفرض علينا جميعا الالتزام بالتمسك بعروبة وإسلامية القدس ورفض المساعي الصهيونية في طمس الهوية الإسلامية والعربية وتهويد مدينة القدس ومحيط المسجد الاقصى المبارك.
وشدد على اهمية تكثيف القوافل التي تسير للمسجد الأقصى أسبوعياً حتى نشارك في حمايته والمحافظة عليه؛ وإعماره بالمصلين شيبا وشبانا كبارا وصغارا ذكورا وإناثا، وإقامة الفعاليات والدروس والأنشطة في المسجد الأقصى لضمانًا تواجد عدد كبير من المصلين في جميع الصلوات بشكل يومي ، لان هذا التواجد كفيل بان يمنع إشعال النيران من جديد في أولى القبلتين ومسرى رسول العالمين الذي أوصى به حتى آخر رمق من روحه الشريفة صلى الله عليه وسلم.
سفيرنا يزور الاقصى
من جهة اخرى دعا وزير شؤون القدس المحافظ عدنان الحسيني لدى استقباله صباح امس الاول ، في المدينة ، خميس محمد الفارسي سفير السلطنة لدى المملكة الاردنية الهاشمية والذي يزور فلسطين ، الى مضاعفة الجهد العربي من اجل انقاذ مدينة القدس ودرتها المسجد الاقصى المبارك من الاخطار التي تتهدده والذي بات يشكل اولوية لدي حكومة الاحتلال المتطرفة ، وحشد الطاقات العربية والاسلامية والتحرك العاجل على المستوى الدولي لانهاء الاحتلال الاسرائيلي .
واشارالى ضرورة وجود رؤية عربية اشمل وأعمق وأكثر شفافية للمشهد العربي الحالي والانتباه الى ما يحاك للامة العربية من مؤامرات استعمارية جديدة ، تأتي في اولوياتها استهداف المسجد الاقصى المبارك ومدينة القدس على وجه الخصوص والقضية الفلسطينية على وجه العموم وسلب مقدرات الامة لافراغها من مضمونها الحضاري والثقافي واقتحامها من اوسع ابوابها الاستعمارية الحديثة .
واطلع الحسيني السفير العماني على صورة الاوضاع في مدينة القدس ، وما يكابده أهلها من معاناة جراء الممارسات الاسرائيلية اللانسانية والانتهاكات المتكررة لحرمات الاماكن المقدسة واقتحامات المستوطنين المتطرفين للمسجد الاقصى المبارك والمدعومين من الحكومة الاسرائيلية ، وتوسيع رقعة الاستيطان بكافة أشكاله وعدم الكف عن الحفريات اسفل البلدة القديمة والاقصى والعمل على تغيير معالم المدينة المقدسة في محاولة مكشوفة لتزوير التاريخ وقلب الحقائق وخلق وقائع جديدة تهدف الى قطع الطريق على إقامة دولة فلسطينية مستقلة ومترابطة وسلخ مدينة القدس عن محيطها الفلسطيني والعربي والاسلامي والدولي .
وأكد الحسيني ان استباحة المسجد الاقصى المبارك وتقسيم الارض الفلسطينية عبر المستوطنات وجدار الفصل العنصري وسياسة الاعتقالات وكسر معنويات الاسرى وهدم المنازل وتشريد الفلسطينين ، ما هو الا جزء من مخطط مدروس مرتبط بما يجري في الساحة العربية ، ما يدعو الى وقفة عربية جدية وجادة والاعداد الجيد لمقارعة الاحتلال ودحره عن الارض الفلسطينية وافشال المؤامرات الدولية الاستعمارية في المنطقة العربية ، موضحا ان الزيارات العربية المتكررة لفلسطين والقدس تحديدا جزء من هذا الاعداد الذي يؤدي الى الحفاظ على الوجود الفلسطيني شعبا وارضا .
بدوره قدم الشيخ عمر الكسواني مدير المسجد الاقصى ، شرحا وافيا لكافة مرافق الحرم القدسي الشريف مفندا الادعاءات الاسرائيلية الزائفة ومؤكدا على احقية المسلمين وحدهم في هذا المكان المقدس ، لافتا الى المخاطر التي يتعرض لها والاراضي الفلسطينية كافة ، مستعرضا الدور الذي تقوم به دائرة الاوقاف الاسلامية التابعة لوزارة الاوقاف والشؤون الدينية في المملكة الاردنية الهاشمية في الحفاظ على قدسية الاقصى والرعاية الهاشمية واهتمام العاهل الاردني الملك عبد الله الثاني بالقبلة الاولى للمسلمين والمحاولات الحثيثة التي يقوم بها لمنع اقتحامات المستوطنين الى باحاته ورفض كافة الممارسات التي يقومون بها وتقديم ما يلزم لاعمال الصيانة .