كيف تواجه دول الخليج بدانتها المفرطة؟

مقالات رأي و تحليلات السبت ١٣/أغسطس/٢٠١٦ ٠٣:٠١ ص

لعلّكم تتذكرون خالد بن محسن الشاعري، السعودي الذي كان يزن 610 كيلوغرامات وكان يعجز عن التحرك فتم نقله من ولاية جزان جنوب المملكة العربية السعودية إلى العاصمة الرياض ليخضع إلى علاج عام 2013؛ وبعد العلاج، خفّض وزنه ليصل إلى 120 كيلوغراماً.

خالد ليس إلا مثالا واحدا من أصل الآلاف في المنطقة العربية وتحديداً في دول الخليج الذين يعانون من البدانة المفرطة التي تحوّلت إلى مشكلة صحية حقيقية ومرض مزمن يتربّص بالكبار والصغار على حد سواء.

ولكن لنبدأ بتعريف للبدانة المفرطة وتحديداً التعريف الذي اعتمدته منظمة الصحة العالمية التي اعتبرت أن زيادة الوزن والسمنة تراكم غير طبيعي أو مفرط للدهون قد يُلحق ضرراً بالصحة حيث إن مؤشر كتلة الجسم الذي يساوي 25 أو أكثر يعني زيادة الوزن ومتى تخطى الـ 30 أو أكثر يعني البدانة المفرطة. ولا بد من الإشارة إلى أن مؤشر كتلة الجسم هو مؤشر بسيط لقياس الوزن إلى الطول يشيع استخدامه لتصنيف زيادة الوزن والسمنة لدى البالغين. وهو يُعرَّف بأنه وزن الشخص بالكيلوغرام مقسوما على مربع طوله بالمتر (كغ/‏م).

أرقام وإحصائيات مقلقة

كثيرة هي الأرقام والدراسات حول البدانة المفرطة التي أجريت في السنوات الأخيرة لاسيما بسبب زيادة الوعي حول هذا المرض الذي يضر بصحة الملايين ويودي بحياة الآلاف. وبحسب بعض أرقام منظمة الصحة العالمية، ارتفعت البدانة المفرطة في العالم بأكثر من الضعف منذ عام 1980. فعام 2014، أكثر من 1،9 مليار بالغ كانوا زائدي الوزن وأكثر من 600 مليون منهم كانوا مصابين بالبدانة المفطرة. أما بالنسبة للأطفال، فكان 42 مليون طفل دون سن الخامسة زائدي الوزن أو مصابين بالسمنة عام 2013.

وإذا أردنا التركيز على دول مجلس التعاون الخليجي، كشف مؤشر أمن الغذاء العالمي لعام 2016 مقارنة بين عامي 2010 و2014 في هذه الدول حول زيادة معدل البدانة المفرطة فيها. فسجلت البحرين نسبة 35،1 % من البدانة عام 2014 مقارنة بـ 32،5 % عام 2010 والكويت 39،7 % عام 2014 مقارنة بـ 36،8 % عام 2010 وسلطنة عُمان 30،9 % مقارنة بـ 28،4 % وقطر 42،3 % مقارنة بـ 38،1 % في حين أن المملكة العربية السعودية سجلت 34،7 % عام 2014 مقارنة بـ 32 % عام 2010 فيما ازدادت النسبة في الإمارات العربية المتحدة من 34،5 % إلى 37،2 %.

ما الذي يجعل شخصاً بديناً؟

تعتبر أسباب البدانة المفرطة كثيرة ويبقى أبرزها اختلال التوازن بين السعرات الحرارية التي تدخل الجسم والسعرات الحرارية التي يحرقها إضافة إلى زيادة مدخول الأغذية الكثيفة الطاقة والغنية بالدهون وزيادة الخمول البدني بسبب عدم القيام بالحركة نتيجة لطبيعة العمل و وسائل النقل المتغيرة وارتفاع نسبة العمران الحضري.
كما يرى د. هوبرت بنينكس، أخصائي علم الغدد والسكري في المستشفى الأمريكي في دبي أنه «إذا كان أحد الوالدين بديناً، فإن خطر إصابة الأولاد مضاعف في حين أنه إذا كان الوالدان يعانيان من البدانة المفطرة فالخطر كبير جداً» مضيفاً أنه «لا شك أن العوامل الجينية تلعب أحياناً دوراً إلا أن أساليب الأكل لها دور مهم أيضاً».
ولا شك أن البدانة المفرطة قد ارتفعت بمعدلات مقلقة في العقدين الأخيرين لاسيما عند النساء. وقد تم تسجيل أعلى المعدلات في الدول التي تشهد تطوراً صناعياً؛ تطور مرتبط في دول الخليج بزيادة ملحوظة للدخل مما انعكس على تغيير أساليب العيش على غرار زيادة مطاعم الوجبات السريعة التي تتميّز بقيمة غذائية قليلة وسهولة الحصول على السيارات وارتفاع شعبية الأغذية المصنّعة إضافة إلى الاستهلاك المفرط لهذه المأكولات الغنية بالدهون والملح مقابل شبه غياب لممارسة الرياضة.
وتشكّل البدانة المفرطة عاملاً رئيسياً في الإصابة بالعديد من الأمراض كأمراض القلب والأوعية الدموية وداء السكري والاضطرابات العضلية الهيكلية وبعض أنواع مرض السرطان كسرطان الغشاء المبطن للرحم وسرطان الثدي وسرطان القولون. ويعاني الأطفال المصابون بالسمنة من صعوبات في التنفس وزيادة مخاطر إصابتهم بكسور وضغط الدم المرتفع إضافة إلى علامات مبكرة لأمراض القلب والأوعية الدموية ومقاومة الأنسولين والآثار النفسية.

الإمارات العربية المتحدة:

مثال حول خطوات مواجهة البدانة المفرطة

على الرغم من أن معدلات البدانة المفرطة ما زالت بارتفاع إلا أن الدول وتحديداً الدول الخليجية قد بدأت تدرك خطورة هذه الآفة التي تضرب مجتمعاتها وتسعى إلى اتخاذ الخطوات اللازمة من أجل الحد من تداعياتها.
ويخبرنا د. حسين عبد الرحمن الرند، وكيل وزارة الصحة المساعد لقطاع المراكز الصحية والعيادات أن وزارة الصحة في الإمارات طورّت مجموعة من البرامج لمواجهة عوامل البدانة. ويشرح قائلاً «أطلقنا حملة إعلامية واسعة بداية هذا العام بعنوان «صحتك تأتي أولاً» بهدف تثقيف الناس في المجتمع حول اعتماد نمط حياة صحي بفضل عادات غذائية صحية والانخراط في النشاط البدني والتوقف عن التدخين». ويتابع قائلاً «مبادرة المطعم الصحي تمّ إطلاقها للترويج لبيئة صحية حيث شاركت المطاعم بهذه المبادرة والتزمت بمعايير حددتها الوزارة فيما يتعلق بتوفير خيارات وجبات صحية بمتناول اليد مقابل أن تنال هذه المطاعم الاعتماد بأنها صحية من قبل الوزارة».
أما فيما يتعلق بالبدانة المفرطة لدى الأطفال، فيشير د. الرند إلى أن الوزارة طوّرت مجموعة واسعة من المشاريع من بينها إطلاق حل ابتكاري هو تطبيق على الهواتف المحمولة الذكية «أبطال الصحة» الذي سيروّج لأسلوب حياة صحي لدى الأطفال من خلال عدد من الألعاب التفاعلية والتثقيفية.
كما يخبرنا د.الرند أنه، عام 2015، تم افتتاح مركزين للرعاية الصحية في الفجيرة والذيد في الشارقة من أجل معالجة البدانة المفرطة في الرعاية الصحية الأولية حيث يقوم فريق من المرشدين الصحيين وأخصائيي التغذية بتشجيع الأفراد الذين يعانون من وزن زائد أو بدانة مفرطة في اعتماد نمط حياة صحي.

هل من حلول سحرية؟

يرى د. الرند أن «البدانة المفرطة ليس لها حل واحد لا بل إن الطريقة المثلى هي مواجهتها بفضل مقاربة متعددة الأوجه». ويعتبر أن أحد أبرز الحلول هو البعد التربوي حيث يجب تثقيف الأفراد حول البدانة المفرطة وأسبابها من خلال برامج وحملات إعلامية وغيرها. وهنا يرى د. بنينكس أنه «لا بد من تثقيف الأهل أولاً لاسيما إن كانوا يعانون من البدانة المفرطة بضرورة تغيير نمط حياتهم أي أن يأكلوا بشكل أقل وصحي. وبالتالي، يشكلون مثالاً يحتذي به أولادهم منذ صغرهم».
ويضيف د. بنينكس «يجدر بالمدارس أن تحظر كل المأكولات والمشروبات المضرة بالصحة أي أن لا تكون المشروبات الغازية متوفرة وأن لا يتم بيع رقائق البطاطا المقلية». مضيفاً «لا بد أن تدرج المدارس في منهجها دروساً وامتحانات إلزامية حول طبخ المأكولات المنخفضة السعرات الحرارية».
من جهته، يضيف د. الرند أن أحد الحلول تكمن أيضاً في «صياغة السياسات لتشجيع السلوكيات الصحية إضافة إلى إبرام الشراكات لتوفير مساحات آمنة للنشاطات الرياضية والوجبات الصحية في الأماكن العامة وتشجيع المدارس للمشاركة في الوقاية من بدانة الأطفال المفرطة».

ماذا بعد؟

لا شك أن كل طيّات المجتمع مسؤولة عن العمل للحد والوقاية من السمنة الفائضة التي تحوّلت إلى «مرض العصر» من الأهل إلى المدارس فالقطاع العام والخاص. وكانت منظمة الصحة العالمية قد صاغت مبادئ توجيهية وتوصيات حول سياسات لمواجهة البدانة على غرار حظر الحملات التسويقية للمأكولات والمشروبات غير الصحية للأطفال وتقليص معدل السكر في المشروبات المحلاة.
قد تكون أول الدول التي شرّعت قانوناً ضد البدانة الزائدة هي التشيلي التي بدأت تنفيذه في حزيران الماضي من أجل حظر مجموعة من المنتجات الغذائية الرائجة لدى صغار السن.
وعلى غرار الإمارات العربية المتحدة، تتجه العديد من الدول الخليجية لاعتماد استراتيجيات وإطلاق مبادرات من أجل مواجهة هذه الظاهرة الصحية. فأطلقت المملكة العربية السعودية، على سبيل المثال، مطلع هذا العام، ضمن مبادرة «يداً بيد نبني يومنا والغد» أضخم برنامج وطني صحي لعلاج السمنة بعنوان «السمنة الشبح الصامت» بغية علاج مرض السمنة ومساعدة المصابين بالوصول إلى وزن طبيعي آمن وتسليط الضوء على مدى التقدم الطبي والرياضي في المملكة وتوعية وتعريف المجتمع بالجهات المتخصصة بعلاج السمنة.
وكانت دول الخليج، قد اتّجهت مجتمعة نحو تعميم منع المشروبات الغازية والوجبات السريعة والحلويات في المستشفيات حتى أنها دعت إلى رفع الضريبة على المشروبات الغازية لـ 100% إضافة إلى تطوير برامج التدخل الغذائي، وتوحيد الجهود والأهداف وإطلاق برامج تعليمية بغية الارتقاء بالصحة الغذائية الخليجية.
دول الخليج والعالم دقّت ناقوس خطر البدانة المفرطة وبدأت العمل لمواجهة هذا المرض إلا أن الطريق ما زالت طويلة لخفض معدلات السمنة المفرطة، ولا بد من تكثيف الجهود واتخاذ خطوات جذرية لتتخلص دول الخليج من البدانة المفرطة.

* متخصصة في الثقافة والمواضيع الاجتماعية