بولي توينبي
في واحدة من صور إخفاقات السوق يعاني الاقتصاد البريطاني من نقص في سائقي الشاحنات الثقيلة في بلد يعتمد اقتصاده الى حد كبير على نقل جبال من البضائع الثقيلة بصورة يومية. وتشكو شركات النقل البري بمرارة أنها لا تستطيع توفير العدد الكاف من السائقسن في ظل نقص كبير في عددهم. ورغما عن أن هناك أعداد كبيرة غير ماهرة وبخاصة من الشباب الذين يحتاجون إلى التدريب للحصول على وظيفة أو ترقية الى درجة أعلى إلا أن الفجوة ما تزال قائمة وفقا لتقرير صدر قبل أيام من لجنة النقل بمجلس العموم.
ربما تكون تلك صورة أخرى لفشل الصناعة البريطانية في معالجة مشاكلها الخاصة في ظل حكومة غير مكترثة. وفي بلد يعاني ضعف الإنتاجية وإنخفاض المهارات واتحادات عمال غير فاعلة وركود مستويات المعيشة، تقدم صناعة النقل البري مثالا محبطا لحالة الجمود الصناعي في ظل اصرار الحكومة على نهج عدم التدخل.
يقول اتحاد النقل البري أنه يعاني عجز 60 ألف سائق إضافة الى 40 ألف على وشك التقاعد بحلول العام المقبل. والملاحظ أن أصحاب الأعمال يبحثون عن سائقين جاهزين مدربين بصورة تامة مع سنوات عديدة من الخبرة، ومن ثم فقد تحول العديد منهم الى الخارج حيث تم توظيف 60 ألف معظمهم من أوروبا الشرقية، إلا أن ذلك لم يسد العجز.
والواقع أن الفشل في تدريب الموظفين يمثل مرضا في الصناعة في المملكة المتحدة، ورغما عن قرار الحكومة فرض ضريبة على الشركات الكبيرة لدفع ثمن التدريب الصناعي إلا أن ذلك لا ينسحب على النقل البري، حيث تطلب الحكومة من الأفراد الراغبين في الحصول على ترخيص دفع 3 آلاف استرليني لبرنامج التأهيل الى جانب 230 استرليني رسوم اختبار صارم غالبا ما يحتاج الى عدة محاولات لإجتيازه، ناهيك عن الانتظار لفترات طويلة للقيام بذلك نظرا لعدم وجود ممتحنين لدى الحكومة.
والمنطق الإقتصادي يقول أن نقص الأيدي العاملة يجب أن يؤدي إلى ارتفاع الأجور حتى يتم جذب العاملين إلى الوظائف الشاغرة، إلا أن ذلك لا يحدث في ظل حالة من التآمر الداخلي في الصناعة للحفاظ على تدني الأجور على الرغم من النقص. وتلجأ كثير من الشركات الى التعاقد من الباطن وربما التعاقد مع متعاقدين من الباطن لسد الحاجة من سائقي الشاحنات حتى يتم انجاز مهام العامل في النهاية بأجور منخفضة للغاية.
ومع تراجع هامش الربح تبرز أهمية تدخل الحكومة لوقف حالة التراجع التي تشهدها الصناعة وتحديد معدلات الأجور الوطنية والحد من قيام الشركات بإضعاف بعضها البعض من خلال إنشاء "مجلس الأجور" الذي ألغي من قبل تيد هيث ومارجريت تاتشر. وكان استطلاع لجمعية النقل البري قد وجد أن أغلب الأعضاء قد صوتوا لصالح خروج بريطانيا من الاتحاد الاوروبي لخشية صغار المشغلين من المنافسين في الاتحاد الاوروبي وكذا مشاركة ناقلات الديزل الأقل تكلفة في دائرة نشاط أعمالهم. إلا أن العديد منهم يتعاقدون مع سائقين من شرق أوروبا للمحافظة على تدني الأجور. ويخشى اتحاد الصناعة أن الشركات ستعمل على الاستفادة من الخروج من الاتحاد الاوروبي لإسقاط العمل باللوائح الأوروبية مثل لائحة العمل لمدة 48 ساعة. وعلى جانب آخر فقد أعطى عدد كبير من السائقين صوتهم لتأييد الخروج من الاتحاد الاوروبي أملا في تفادي شرط الحصول على شهادة الكفاءة المهنية، وهو برنامج سنوي مدته 7 ساعات.
والواقع أن قصة النقل البري تتكرر مرارا وتكرارا في الصناعة البريطانية، مع إخفاق أصحاب الأعمال في العمل التعاوني وضعف النقابات وعدم قدرتها على فرض شروط جيدة للأجور وظروف العمل في ظل عدم تدخل الحكومة.
كاتبة مقال رأي في صحيفة الجارديان