الاقتصاد العالمي وقرارات العام الجديد

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/يناير/٢٠١٦ ٢٣:٥٥ م
الاقتصاد العالمي وقرارات العام الجديد

على مدار العام المنصرم، كان النمو العالمي هزيلا ــ والتوقعات لعام 2016 ليست أفضل كثيرا. ولابد من القيام بأي شيء لزيادة الدخول وتوسيع نطاق الفرص المتاحة للناس في كل مكان. وإليكم بعض القرارات الاقتصادية التي قد تفضي إلى جلب قدر كبير من الابتهاج والأمل في العام الجديد وما يليه.

ولنبدأ بأوروبا. على الرغم من تساهل السياسة النقدية التي ينتهجها البنك المركزي الأوروبي، وانخفاض قيمة اليورو بشكل حاد، وأسعار الفائدة السلبية للأجل القصير، يظل الاقتصاد الأوروبي في حالة ركود.

ويتعين على زعماء أوروبا في العام 2016 أن يكفوا عن توقع قدرة السياسة النقدية على حل مشاكلهم، بدلاً من ملاحقة حلول أسرع وأكثر حزماً للأزمات التي لا حصر لها التي يواجهونها، بدءاً بالأزمات المتشابكة المتعلقة بالنمو، والإدارة المصرفية، والعملة، والحوكمة، إلى أزمة اللاجئين المتفاقمة التي تهدد حرية التنقل عبر الحدود الداخلية. كما يتعين عليهم أن يلاحقوا إصلاحات جانب العرض، والإصلاحات المالية، والبنيوية، وإصلاحات سوق العمل، والإصلاحات التنظيمية، بالاستعانة بحلول تعتمد على الحس السليم للأزمات المالية التي تجتاح الاقتصادات المكافحة الواقعة على محيط الاتحاد الأوروبي ومحنة الديون المتوسطة الأمد التي تعاني منها الاقتصادات الأكثر قوة والتي تتصدر الأجندة.
وفي أمريكا اللاتينية، كانت المواقف أكثر تنوعا. فبعد عشر سنوات من التقدم (مع بعض الاستثناءات، وخاصة فنزويلا)، تواجه المنطقة تحديات خطيرة، تنبع جزئياً من الانخفاض الحاد في أسعار السلع الأساسية العالمية.
الواقع أن تراجع أسعار النفط ساعد في دفع أكبر اقتصاد في المنطقة، البرازيل، إلى أسوأ حالة ركود منذ عشرات السنين، في حين تسببت فضيحة الفساد الكبرى في شركة النفط المملوكة للدولة بتروبراس في دفع السياسة في البلاد إلى حالة من الفوضى، وتواجه الرئيسة ديلما روسيف الآن تهديد العزل. وهذا من شأنه أن يجعل ملاحقة الحلول المنقذة للاقتصاد أمراً بالغ الصعوبة. ومن المرجح أن يتسبب وزير المالية اليساري الجديد في زيادة الأمور سوءاً على سوء.
وتعمل حالة عدم الاستقرار السياسي على تقويض الآفاق الاقتصادية في أماكن أخرى أيضا. ففي الإكوادور، حيث ألغى الرئيس رافائيل كوريا الذي يبدو عازماً على محاكاة تشافيزية فنزويلا حدود فترات الولاية الرئاسية، يشكل التضخم المرتفع خطراً متناميا.
ولكن في ثاني وثالث أكبر اقتصادات أمريكا اللاتينية، تقدم الزعامات الجديدة سبباً للأمل. فسوف يساعد القرار الذي اتخذه الرئيس إنريكه بينيا نييتو بفتح مستودعات النفط في المياه العميقة في المكسيك لشركات الطاقة الدولية البلاد في التغلب على الإنتاج المتراجع، والتكنولوجيا المتأخرة، والفساد في بيميكس، شركة النفط الوطنية. كما يدرك نييتو ضرورة تحسين نظام التعليم في المكسيك، وهو بالتالي يواجه نقابة المعلمين القوية.
وفي الأرجنتين، يختلف الرئيس المنتخب حديثاً موريسيو ماكري تمام الاختلاف عن الرئيسة السابقة المعادية للأعمال والمناهضة لأميركا كريستينا كيرشنر، التي نهبت البنك المركزي، ووجهت الأموال نحو الحكومات المحلية المفضلة، بل إنها لفقت إحصاءات وطنية لحجب التضخم الذي ارتفع إلى عنان السماء. وبين القرارات التي اتخذها ماكري ما يتعلق بالإصلاحات الموجهة نحو السوق، وتطهير الألغام الاقتصادية العديدة التي زرعتها كيرشنر. والواقع أنه بدأ بداية طيبة عندما حرر البيزو من ربطه الرسمي، وخفض الضرائب، وتحرك باتجاه التجارة الحرة.
وفنزويلا أيضاً لديها سبب للأمل. ذلك أن المعارضة، بعد فوزها بالأغلبية المطلقة في البرلمان، وإلحاق الهزيمة بالحكام الاشتراكيين للمرة الأولى منذ سبعة عشر عاما، لابد أن تكون قادرة على الحد من الأضرار التي أحدثتها سياسات الرئيس نيكولاس مادورو، وريث هوجو شافيز. ولكن إذا كان لقوى المعارضة أن تتمكن من تحويل الاقتصاد، فيتعين عليها أن تفوز بالرئاسة في العام 2019.
وفي آسيا تتجه كل الأنظار صوب الصين، بؤرة تباطؤ النمو التي ترددت أصداؤها في مختلف أنحاء المنطقة (وخارجها). كانت طفرة النمو المذهلة التي دامت طيلة العقود الثلاثة الأخيرة سبباً في تدهور البيئة الطبيعية إلى حد كبير، كما أنتجت قدرة فائضة هائلة في صناعات أساسية مثل الأسمنت والفولاذ، وجعلت النظام المصرفي يئن تحت وطأة القروض الرديئة.
وقد تعهدت حكومة الصين بالإصلاح، ولكن جهودها متأخرة. وتظل عملية إعادة التوازن إلى اقتصادها من الصادرات إلى الطلب المحلي تشكل تحدياً كبيرا، خاصة وأن المستهلكين هناك لا يتعاونون بسرعة. كما تفرض الحكومة قدراً كبيراً من السيطرة على الشركات الكبرى، وحتى على بعضها من الشركات المدرجة في أسواق الأسهم العامة.
ولكي يتسنى لقادة الصين هندسة الهبوط الناعم الذي تحتاج إليه آسيا، فيتعين عليهم أن يضاعفوا جهودهم في مجال الإصلاح. ولابد أن يقضي أحد القرارات الرئيسية في هذا الصدد بتوزيع أرباح الشركات المملوكة للدولة بشكل مباشر على السكان، لاستهلاك العائدات أو الاستثمار في أماكن أخرى.

أستاذ الاقتصاد في جامعة ستانفورد