مسقط -
أصبحت إدارة المؤسسات في مختلف دول العالم تعتمد بشكل أكبر على الابتكار بمختلف أنواعه كالإداري والفكري والعلمي وغيره، في إشارة واضحة إلى ما يتضمنه الابتكار من معان ومضامين مهمة تناسب المسؤولين وصناع القرار من مختلف مستويات القيادة الإدارية وصولا إلى الابتكار في مفاهيم القيادة وأسس الإدارة عبر العديد من الطرق مثل دمج مفاهيم الابتكار في القيادة أثناء العمل، وتطبيق مفاتيح النجاح على التقسيمات الإدارية بما ينعكس على الأداء الوظيفي، والإيمان بالقدرات الابتكارية للأفراد والمؤسسات، والإثراء في الجانب المعرفي المهم في قيادة الابتكار على المستوى الإداري.
وتعتبر مفاهيم الابتكار المؤسسي أحد الحلول لمواكبة التغيرات الاقتصادية المختلفة في مختلف المؤسسات والارتكاز عليه كمنتج أمثل في عصرنا المتسم بالتغير السريع.
ويأتي شعار مجلس البحث العلمي بعنوان في صميم الابتكار، حيث لم يعد الابتكار بالمؤسسات سواء الخاصة منها أو العامة خيارا يمكن قبوله أو تجاهله، بل أصبح واقعا لا بد منه في ظل تنامي ثورة المعلومات وتكنولوجيا الاتصالات، وعمل مجلس البحث العلمي في الفترة الماضية على مشروع الاستراتيجية الوطنية للابتكار المحتوية على أربع ركائز مختلفة وهي رأس المال البشري، والتواصل المجتمعي والمؤسسي، والملكية الفكرية، والتنوع الاقتصادي وذلك عبر ثلاث مراحل لتمكين الابتكار بالسلطنة ابتداء من تقوية الاتصال المؤسسي لتفعيل المبادرات الحالية مرورا بتمكين الكيانات الفاعلة وصولا لمنظومة الابتكار الوطني الشاملة والفاعلة.
المؤسسات الناجحة هي من تواكب التطور الحاصل في العالم وتلبي تطلعات جمهورها، كما ان الاهتمام بالابتكار يحتاج إلى توفير بيئة تشجعه وتحفزه وتحوله إلى واقع ملموس فيها يلهم الآخرين للسير في هذا النهج ويحقق الأهداف والطموحات، ومفهوم الابتكار ليس بالضرورة أن يكون من أجل تقديم منتج جديد، حيث إن تطوير الخدمات الموجودة وابتكار آلية عمل سهلة ومريحة يجعل من المؤسسات ملبية بل ومتجاوزة لتطلعات جمهورها وكل ذلك من شأنه تحسين الأداء وزيادة الإنتاجية وينعكس إيجابا على الرضى الوظيفي وقوة الانتماء للمؤسسة المبدعة.
على المستوى المحلي هناك تجارب رائدة لعدد من المؤسسات التي استثمرت التكنولوجيا وأوجدت حلولا ابتكارية في تقديم الخدمات ووفرت الوقت والجهد، والبعض منها حصد جوائز عالمية في هذا الشأن، عبر ضبط البوصلة نحو بناء القدرات الابتكارية المحلية.
وفي هذا التقرير نستطلع آراء عدد من المسؤوليـــن في مشروع الاستراتيجية الوطنيـــة للابتكـــار عن أهمية الابتكار في إدارة المؤسسات.
تطبيقات الابتكار المؤسسي
ان الابتكار في إدارة المؤسسات يجعلها مؤسسات قادرة على أداء واجبها المناط بها على أكمل وجه وتحقيق أهدافها في جميع الظروف والتحديات، كما يؤكد ذلك الأمين العام المساعد لتنمية الابتكار بمجلس البحث العلمي ورئيس اللجنة الإشرافية بمشروع إعداد الاستراتيجية الوطنية للابتكار، صاحب السمو السيد د.فهد بن الجلندى آل سعيد، مشيرا الى أن أهم الطرق تقوم على تحفيز وتمكين الموظفين في مختلف الأقسام لإيجاد الحلول والمقترحات التي تسهم في تقديم وإنجاز المهام المطلوبة وإضافة كل ما من شأنه رفع مستوى الأداء والخدمة من خلال مبادرات مختلفة تحقق اهداف المؤسسة بطريقة جديدة وفاعلة.
وتتميز بيئات العمل في القرن الواحد والعشرين بسرعة التغيُّر، كما يشير عضو ركيزة التواصل المؤسسي والمجتمعي بمشروع الاستراتيجية الوطنية للابتكار، د.أحمد بن محسن الغساني، بسبب التغيرات الاقتصادية، والتقدم التقني، والعولمة، بالإضافة إلى تَشَكُّل بيئات عمل جديدة مثل البيئات الافتراضية، ويطرح العديد من الخبراء والمختصين مفهوم الابتكار كأحد أهم الحلول على مستوى المؤسسات والدول لتحسين الأداء وزيادة الإنتاجية، ورفع القدرة التنافسية.
أما مديرة ركيزة رأس المال البشري بمشروع الاستراتيجية الوطنية للابتكار حنت الهنائية فتعرّف الابتكار في إدارة المؤسسات بأنه السعي الحثيث المستمر للمسؤولين في المؤسسة على كل المستويات لتوفير العوامل الضرورية المطلوبة داخل المؤسسة لتمكين الابتكار في تأدية وإنجاز الأعمال باختلاف أنواعها.
والحديث عن المفهوم والتطبيق متشعب كما تحدثنا بذلك رئيسة فريق ركيزة الملكية الفكرية بمشروع الاستراتيجية الوطنية للابتكار فاطمة بنت عبدالله الغزالية، قائلة: ان الحديث عن إجابة هذا السؤال يستلزم الحديث عن أهمية الابتكار في المؤسسات الحكومية والمؤسسات الخاصة والابتكار كمفهوم جديد، وماهية الدور في الاستفادة من الثروات المعرفية الموجودة في البلد.
الاستفادة من تطبيقات الابتكار
إن تطبيقات الابتكار كثيرة كما يشير د.أحمد بن محسن الغساني وأهمها أن تبدأ المؤسسة بوضع آليات لتشجيع وتحفيز المبدعين على التقدم بأفكارهم ومقترحاتهم فعلى سبيل المثال توجد العديد من المؤسسات التي لديها أقسام خاصة باستقبال الافكار ودراستها للاستفادة منها وتأتي أهمية مثل هذا التوجه في أنه يفتح المجال لجميع العاملين في المؤسسة بل والمنتفعين من منتجاتها وخدماتها للمشاركة في تطوير وتنمية المؤسسة، مضيفا بأنه وللاستفادة من تطبيقات الابتكار يُنصح بأن تكون لدى المؤسسة وحدة معنية بشؤون الابتكار ليس فقط لاستقبال اقتراحات المنتفعين ودراستها بل لمتابعة ما يستجد في مجال تطبيقات الابتكار في المؤسسات الأخرى داخل البلد وخارجها وتحديد المناسب منها لاستخدامات المؤسسة.
ومن أهم ثمار تطبيق الابتكار في المؤسسة، كما تؤكد حنت الهنائية: الحصول على عاملين سعداء وراضين عن أنفسهم ومنجزاتهم، ما يقوي فيهم روح العطاء وبذل المزيد من الجهد لإنتاج أكثر، والتخلص من أكبر كمية ممكنة من الهدر وتوفير الموارد المالية والبشرية والوقت والجهد وإعادة توزيعها في جهات أكثر فاعلية وإنتاجية داخل المؤسسة، وإنجاز أكبر وإنتاج أكثر في وقت وموارد أقل، ونظام عمل سهل ويسير ومفهوم لدى جميع العاملين في كل المستويات ومريح نفسيا مما يقلل من ضغوطات العمل عن الموظفين، وتسجيل عدد أكبر من براءات الاختراع في حال تحول المنتج المبتكر إلى منتج خدمي.
كما يشير صاحب السمو السيد د. فهد بن الجلندى آل سعيد إلى أنه من الأهمية استغلال ابتكارات الموظفين وتطبيقاتها في المؤسسات ذات العلاقة بالموظف لا سيما إذا كان هذا الابتكار يطرح حلولا لصعوبات او يتصدى لعلاج قصور ما أو يضيف بعدا جديدا يعزز أداء المؤسسة، وان اهم فوائد التطبيق في الابتكار كما تقول فاطمة بنت عبدالله الغزالية هي غرس مفاهيم البحث العلمي والابتكار، والفرصة لبناء حضارة ذات اقتصاد معرفي، وتنويع الاقتصاد والاستفادة من الاقتصاد المعرفي، وأيضا تتعدد أنواع الاستفادة من تطبيقات الابتكار، وأن تكون أفضل من غيرك في تقديم خدمة معينة أو في انتاج منتج معين.
أهمية القدرات الابتكارية
وبصفتها رئيسة ركيزة الملكية الفكرية في مشروع الاستراتيجية الوطنية للابتكار فإن الملكية الفكرية تعتبر نوعا من أنواع الابتكار كما تتطرق الى ذلك فاطمة الغزالية، بالقول: الملكية الفكرية قيمة مضافة، وهي واسعة جدا من حيث الأدوات وبراءات الاختراع وهي من أغلى أصول الملكية الفكرية لأنك تبدع منتج فكري جديد ولا بد من حمايتها ولو حاول الغير التطوير فلا بد من شراء الأفكار والمعرفة الموجودة في المنتج للخروج بمنتج أفضل.
إن نجاح المؤسسات مرتبط بالأفراد وقدراتهم المختلفة على تحقيق اهداف المؤسسة التي ينتمون اليها بحسب تأكيد صاحب السمو السيد د. فهد بن الجلندى آل سعيد، وبالتالي فإن من الأهمية اتاحة المجال للأفراد وتحفيزهم لإظهار قدراتهم المختلفة في إيجاد الحلول والمبادرة بأفكار جديدة تسهم في تطور وارتقاء المؤسسات لتواكب متطلبات القطاعات التي تخدمها بشكل مرن وسريع.
وإن القدرات الابتكارية لدى الأفراد، والثقافة الابتكارية لدى المؤسسة يلعبان حجر الأساس في إيجاد مؤسسات قادرة على تقديم حلول ومنتجات جديدة ومبتكرة كما يصفه د.أحمد بن محسن الغساني، معللا بالقول وهذه القدرات الابتكارية يمكن تنميتها وتطويرها من خلال إكساب العاملين بالمؤسسة بعض المهارات التي تساعدهم على تحفيز الفكر لديهم، فهناك العديد من طرق توليد الأفكار التي يجب تدريب العاملين عليها مثل التفكير العكسي أو دمج بعض العمليات أو حذف بعضها لدراسة مدى تأثيرها على المنتج أو الخدمة، حيث أن بعض هذه الأفكار يمكن أن تساهم في إزالة الإجراءات الزائدة أو إلغاء التعقيدات في منظومة العمل.
تطوير الابتكار
الابتكار يحفز التفكير بطريقة مختلفة عن الطريقة المألوفة كما تذكر حنت الهنائية حيث تقول: هذا هو التميز في الابتكار، فالمبتكر يسعى دائما إلى إيجاد طريقة جديدة وأفضل وأسهل لتقديم خدمة أو منتج ما، لهذا فإن الابتكار يقع على رأس هرم الإجادة.
ولا يوجد إبداع بدون ابتكار، والعكس صحيح، فالاثنان وجهان لعملة واحدة، كما يؤكد صاحب السمو السيد د. فهد بن الجلندى آل سعيد، كما ان الإبداع يضم كل ما هو جديد من اختراعات أو أفكار، ويأتي دور الابتكار لتحويل هذه الاختراعات والأفكار إلى واقع بحسب قول د.أحمد بن محسن الغساني، فالإبداع هو القدرة على تكوين تصورات ومقترحات جديدة لتطوير شيء ما، في حين أن الابتكار يشمل عملية التغيير والتطوير ومن هذا المنطلق فإن الاختراعات والأفكار تظل عديمة الفائدة مالم تتم الاستفادة منها بأدوات وأساليب ابتكارية، وهنا يأتي دور الابتكار لتطوير بيئة العمل وتحسين المنتجات التي تقدمها المؤسسات المختلفة سواء كانت هذا المنتجات هي عبارة عن سلع أو خدمات.
ان التركيز على المورد البشري وتحفيز المبدعين وتمكين الابتكار من خلال إعادة هيكلة إدارة المؤسسات لجعلها مؤسسات ذات هوية وثقافة ابتكارية هو الحل الذي يقترحه د.أحمد بن محسن الغساني، للتعايش مع البيئة القائمة على اقتصاد مرتبط بمورد ناضب وهو النفط، لا سيما مع تقلبات أسعاره أو تراجع المخزون منه أو ظهور بدائل أخرى للطاقة، مؤكدا ان هذا لن يتأتى إلا من خلال تبني سياسات لدعم الابتكار، والتزام واضعي السياسات ومنفذيها بجعل الابتكار في قائمة أولوياتهم، مع تخصيص الموارد اللازمة.
والابتكار له أهمية عظمى في دفع عجلة التنمية والتطور في البلد ورفع مستوى المعيشة للأفراد وضع البلد في مصاف الدول المتقدمة كما تؤكد حنت الهنائية مضيفة بالقول: لا يخفى على أحد الجهود المبذولة من مختلف الجهات المشاركة في مشروع الاستراتيجية الوطنية للابتكار التي تعد انعكاس لشعور الجميع بهذه الأهمية وكيف أن الكل حريص على أن يقطف ثمار هذه الجهود ويرى النتائج المرجوة من هذا المشروع في أقرب وقت ممكن.