جيفري فرانكل
في الأشهر الأخيرة، دأبت هيلاري كلينتون على تكرار ادعاء مفاده أن الاقتصاد الأمريكي يصبح في حال أفضل كثيرا عندما يسكن البيت الأبيض رئيس ديمقراطي. ولعل هذا الادعاء يبدو من قبيل الاحتيال السياسي لأنه صادر عن مرشحة رئاسية ديمقراطية محتملة. ولكن الحقيقة هي أنها على حق تماما.
لا شك أن الرئيس ليس سوى واحد من عوامل كثيرة تشكل الاقتصاد، ومن المؤكد أن بعض الرؤساء كانوا أوفر حظا من غيرهم. ولكن هذا لا يعني أن ادعاء كلينتون «نصف صحيح» فقط، كما تؤكد بعض كيانات استقصاء الحقائق في وسائل الإعلام (بما في ذلك مشروع بوليتي فاكت الحاصل على جائزة بوليتزر). إن الفارق في الأداء الاقتصادي في ظل الرؤساء الديمقراطيين والجمهوريين ثابت وكبير، وتأتي الاختلافات أعلى من عتبة الدلالة الإحصائية بوضوح.
يؤكد الاقتصاديان ألان بليندر ومارك واطسون من جامعة برينستون على هذا العائد الديمقراطي في دراسة حديثة. وتتلخص نقطة البداية التي ينطلقان منها في ملاحظة مفادها أن متوسط نمو الناتج المحلي الإجمالي في فترة ما بعد الحرب العالمية الثانية (من هاري ترومان إلى باراك أوباما) كان 4.3 % في عهد الإدارات الديمقراطية، مقارنة بنحو 2.5 % في عهد الجمهوريين. وإذا عدنا إلى الوراء مسافة أبعد في الزمن، لكي نضيف هربرت هوفر وفرانكلين روزفلت، يصبح التفاوت أكبر. وتتماثل النتائج حتى ولو أسندنا المسؤولية عن الأشهر الثلاثة الأولى -أو الأرباع القليلة الأولى- من ولاية أي رئيس إلى الرئيس السابق له.
ولكن هذا ليس كل شيء. فعلى مدار 256 ربعا في 16 سنة من الفترات الرئاسية التي تلت الحرب مباشرة، كان اقتصاد الولايات المتحدة راكدا بمتوسط 1.1 ربعا خلال الرئاسات الديمقراطية ومتوسط 4.6 ربعا خلال الرئاسات الجمهورية. والواقع أن احتمالات أن يكون مثل هذا الفارق الضخم نتيجة للمصادفة المحضة لا تتجاوز واحد إلى 100. ولا يقتصر هذا الاتجاه على الناتج المحلي الإجمالي. فمنذ العام 1945، انخفض معدل البطالة بنحو 0.8 من النقطة المئوية في المتوسط في عهد الديمقراطيين، وارتفع بنسبة 1.1 نقطة مئوية في عهد الجمهوريين وهو فارق ضخم (1.9 نقطة مئوية).
كما كان العجز البنيوي في الميزانية أصغر في عهد الرؤساء الديمقراطيين (1.5 % من الناتج المحلي الإجمالي المحتمل) مما كان عليه في عهد الجمهوريين (2.2 %)، وإن كان هذا لم يمنع الجمهوريين من انتقاد الديمقراطيين لإفراطهم في الإنفاق. وحتى العائدات على أسهم شركات ستاندرد آند بورز 500 كانت أعلى كثيرا في عهد الديمقراطيين ــ 8.4% في مقابل 2.7%. (وإن كان هذا الفارق لا يمثل أهمية إحصائية كبيرة، لأن أسعار الأسهم متقلبة للغاية).
الواقع أن احتمال أن يكون الحظ وحده هو المسؤول عن مثل هذه الفوارق الكبيرة الثابتة في الأداء الاقتصادي منخفض للغاية وهي النقطة التي يمكن توضيحها حتى من دون قياسات اقتصادية بارعة. ولنتأمل هنا سجل الركود. إذا كانت فُرَص بدء الركود أثناء ولاية رئيس ديمقراطي أو جمهوري متساوية، فإن احتمالات تعاقب أربع فترات ركود متوالية ابتداء من عهد الجمهوريين تصبح 16 إلى واحد وهي نفس احتمالات استقرار العملة ووجهها لأعلى في أربع من أربع مرات نقذف بها إلى الهواء. وهو ليس بالأمر المرجح بشكل خاص، ورغم ذلك فهذا هو ما حدث بالضبط في السنوات الـ35 الفائتة.
وإذا كان لنا أن نعود إلى الوراء لعشر من دورات الأعمال على افتراض تساوي فرص بدء الركود في عهد رئيس ديمقراطي أو جمهوري، فإن الاحتمالات تصبح أكبر. والاحتمال 100 إلى واحد فقط أن تكون تسع فترات ركود من أصل عشر بدأت في عهد رؤساء جمهوريين. ولكن هذا هو ما حدث بالفعل، كما أكدت لجنة تأريخ دورات الأعمال التابعة للمكتب الوطني للبحوث الاقتصادية.
وتنشأ حقيقة أخرى أكثر إذهالا من استعراض لآخر ثماني مرات أتى فيها رئيس من أحد الحزبين خلفا لرئيس من الحزب الآخر. في الانتقالات الأربعة عندما تولى جمهوري للمنصب، تباطأ نمو الناتج المحلي الإجمالي؛ وفي الانتقالات الأربعة الأخرى، عندما تولى ديمقراطي المنصب، ارتفع معدل النمو. وهذا بعيد الاحتمال كبعد احتمالات استقرار العملة ووجها لأعلى في كل مرة من ثماني مرات نقذف فيها العملة في الهواء ــ باحتمال واحد إلى 256. لم ينجح الديمقراطيون إذن بالحظ وحده. (الواقع أن بليندر وواطسون لاحظا أيضا أن أداء الاقتصاد الأميركي يتحسن عندما يسيطر الديمقراطيون على الكونجرس أو يكون رئيس بنك الاحتياطي الفيدرالي المعين من اختيارهم، وإن كان المحدد الرئيسي يظل الحزب الذي يتبع له الرئيس). ما الذي يفسر هذه الفجوة في الأداء الحزبي إذا؟
يشيير بليندر وواطسون إلى خمسة عوامل -صدمات النفط، ونمو الإنتاجية، والإنفاق الدفاعي، والنمو الاقتصادي الأجنبي، وثقة المستهلك- ربما تفسر مجتمعة 56 % من فجوة النمو. ولكن من المستحيل أن نعرف مدى تأثر هذه العوامل بسياسات رئيس الولايات المتحدة. وما نعرفه أقل حتى عندما يتعلق الأمر بالعوامل المسؤولة عن بقية فجوة الأداء (44 %).
في تقييم تصريحات كلينتون حول هذا الموضوع، يبالغ فاحصو الحقائق في تقدير أهمية النتائج التي توصل إليها بليندر وواطسون، حتى أن السياسات المالية والنقدية، خلافا للافتراضات الواسعة النطاق، لا تصبح أكثر «دعما للنمو» أو أكثر توسعا في عهد الديمقراطيين مقارنة بحالها في عهد رؤساء جمهوريين، وهي بالتالي تعجز عن تفسير الفارق في الأداء. لكن الرؤساء يتخذون العديد من القرارات المتعلقة بالسياسات -في ما يتصل بالطاقة، والاحتكار، والتنظيم، والتجارة، والعمل، والسياسة الخارجية على سبيل المثال لا الحصر- وليس كم الحوافز المالية والنقدية التي ينبغي ملاحقتها فحسب. ومن المستحيل اختبار هذه السياسات التي لا حصر لها وقياسها اقتصاديا. هذا هو مكمن عدم اليقين الذي دفع فاحصو الحقائق إلى اعتبار تصريحات كلينتون «نصف صحيحة». ولكنها لم تحاول قَط تحديد سياسات بعينها تفسر فجوة الأداء. بل كان كل ما قالته إن أداء الاقتصاد الأميركي يكون أفضل في ظل رؤساء ديمقراطيين. وهذا صحيح بنسبة 100 %.
أستاذ تكوين رأس المال والنمو في جامعة هارفارد