محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
وصلتني رسالة معبرة عن محتواها من الأخ خليل الحنشي، محتواها لا يحتاج إلى تعليق فقد شرحت نفسها:
«أكتب لك ما أكتب بعد قراءة مقالك مع فنجان قهوة صباح جميل في إحدى جامعات بريطانيا، هنا حيث حط المسار بي من أجل المعرفة.. هنا حيث صدمني طفل التاسعة وهو يفتح كتاب هاري بوتر بعد خروجه من المدرسة ليقرأه في وسيلة نقل عامة.. مكتبات هذا الشعب في بيته، يأخذونها معهم لمكتبة الحي البسيطة جداً من أجل القراءة الجماعية.. هنا فاجأني ابني ذو السبع سنوات بعد تسعة أشهر من دخوله المدرسة، وهو لا يفقه سوى كلمات بسيطـة من اللغة الانجليزية، فاجأني برسالة كتبها لرائد فضاء. فاجأني معلمه بأنه يعرف أصدقاء ابني، ويعرف ما يحبه، بل إن عيني تجللت بالدمع عندما أرســل المدرس رسالة نصية قبل بدء دوامه ليقول إن اليوم سيكون حاراً، لا تنس قبعة الشمس لابنك.. يحيّي المدرس طلابه فرداً فرداً كل صباح، يناديهم بأسمائهم.. لم أكد أصدق أن راتب المدرس البريطاني لا يتجاوز 1500 ريال عُماني في بلد غلاء معيشته أضعاف ما لدينا.
هنا جاءت إلى بيتي إحدى موظفات القطاع التعليمي بحقيبة مليئة بالقصص، وإرشادات القراءة مع طفلي، بعد أن أكمل شهره الأول، وقالت إنها ستعود بعد أن يكمل عامه الأول.. هنا يتفاضل الناس بالمعرفة ولا يسألونك قبل أن يقرؤوا».
انتهت رسالة الأخ خليل، ولم تنته أسئلتي وأنا أتحدث دوماً عن المعرفة والثقافة كمؤسس حقيقي لحضارة الشعوب، إنما يا أخي خليل، دعني أصارحك، وأتجرأ بهذه المصارحة: بدلاً من أن نعمل من أجل الدفع بالمعرفة والثقافة كما ينبغي، بالتوسع في ترسيخ حضورهما في أركان البلاد، اندفعنا لتوسيع عدد الشيوخ والرشداء وأصحاب المعالي والسعادة والمكرمين، وما يجده التلاميذ النجباء في مدارسنا من جوائز شاهد على تخاذلنا تجاه كل ما هو إبداعي في بلادنا، يستوي في ذلك المسؤول الحكومي المتنفذ أو المعلم، أو ولي الأمر.
هل تعرف يا أخي الكريم أنني سمعتها عدة مرات من معلمين بأنهم لا يتابعون، ولا يقرؤون حتى الصحف اليومية بحجّة أن صحفنا خاوية، مع أن أولئك لا يعرفون الفرق بين الجريدة والمجلة!!
انشغل الدارسون بحرف الدال فنسوا العلم، وأصبح - والأمر ليس تعميماً - من لم ينل منصباً بمرســوم فإنه لا يتحدث إلا عن الإحباط وحقوقه المهضومة، فبات الحديث عن خدمة الوطن ومن فيه منّة كبرى تتردد في المجالس وفضاءات الكلام، يستوي في ذلك من يتسلم ما يستحقه من راتب تجاه عمله ومن لا يستحق حتى مقداراً ضئيلاً منه لأنه يرهق نفسه في الحديث عن العمل.. لا العمل!!
فارق هائل بين من يعيشون حياة من المعرفة، يندفع من أجلها الجميع باعتبارها الحياة الحقيقية، وبين ثقافة عيش مختلفة ليس من بينها مفردة ثقافة تفرّق ما يستحق العيش عمّا لا يستحق.. الأهم أن «الراتب ينزل آخر الشهر»!