«مواصلات».. تجربة تستحق الدعم

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٦/يوليو/٢٠١٦ ٠٩:٢٣ ص
«مواصلات».. تجربة تستحق الدعم

ناصر بن سلطان العموري

تؤكد الدراسات المتخصصة في مجال النقل «ﺃﻫﻤﻴﺔ تطوير قطاع ﺍﻟﻨﻘل ﺍﻟﻌﺎﻡ وتنظيمه خصوصاً أنه يعكس التطور ﺍﻟﺤﻀﺎﺭﻱ والعمراني لأي دولة، حيث يؤدي ﻗﻁﺎﻉ ﺍﻟﻨﻘل ﺩﻭﺭﺍً حيوياً وأساسياً ﻓﻲ مختلف جوانب ﺍﻟﺤﻴﺎﺓ ﺍﻟﺤﺩﻴﺜﺔ وذلك نتيجة ﺍﻋﺘﻤﺎﺩ ﺍﻟﺴﻜﺎﻥ بصورة متزايدة ﻋﻠﻰ ﺍﻟﺘﻁﻭﺭ ﻓﻲ خدمات ﺍﻟﻨﻘل. وهو بلا شك لا غنى عنه في مختلف الجوانب المتعلقة بالأنشطة البشرية المختلفة مثل التعليم والتجارة والترفيه والسياحة وانعكس ذلك بدوره على الحراك الاقتصادي والاجتماعي اللذين تتسم بهما الحياة العصرية».

واستشعر أغلب المواطنين والمقيمين تلك الطفرة في قطاع النقل العام في السلطنة من خلال حافلات النقل الوطني (مواصلات) التي بدأت تجوب الشوارع مؤخرا بمظهرها الجميل وألوانها الزاهية الجذابة في مشهد غير مألوف بشوارع العاصمة مسقط.

وحقيقة راقت لي تلكم الحافلات لدرجة أنني قررت تجربتها حين اصطحبت ابنيّ لمرافقتي لعلهما يعتادان استخدام النقل العام مستقبلا حين يشتد الزحام ويكون التحرك بعدها بالسيارة الخاصة صعباً. وكانت تجربة جميلة ومشوقة وأنا أجلس في حافلة النقل العام ذات اللون الأحمر البراق وهي تختال في سيرها هادئة في مشيتها معقولة في أسعارها، وكان مشوارنا من ولاية العامرات إلى منطقة روي التجارية وصولاً إلى الوادي الكبير. وكم كانت فرحة أولادي كبيرة وهم على ظهر الحافلة والابتسامة تعلو محياهم ولعلهم يقولون في قرارة أنفسهم: شتان بينها وبين حافلات المدارس المكتظة بأجساد الطلبة.

وبحق كان كل شيء جميلا ومنظماً في الحافلة ابتداء من الالتزام بمواعيد الوصول والمغادرة إلى عملية قص التذاكر مرورا بالهدوء الذي كان يسود الحافلة. وقتها كان الوافدون بالطبع هم الأكثرية باستثنائنا نحن من العمانيين، وتساءلت في نفسي: متى ستنتشر ثقافة ركوب الحافلات لدينا للذهاب أقله للاماكن المزدحمة أو البعيدة توفيرا للوقود الذي بدأت أسعاره في الارتفاع او توفيرا للجهد؟ ونحن نجد أن المواطنين لدينا لم يعتدوا على ركوب الحافلات إلا القلة القليلة وكأنها ثقافة غير دارجة في مجتمعنا الصغير التعداد، وفي المقابل نجد أن دولاً اخرى تعتبر الحافلة من وسائل النقل النشطة والمحببة لديهم وعلى مستوى جميع الشرائح السكانية.

بالفعل، بدأت مواصلات تحقيق خطوات نجاح ملموسة من خلال العدد الكبير من الركاب الذي استخدم حافلات مواصلات وبلغ 18 ألف راكب في أول أيام عيد الفطر وبمجموع أكثر من 72 ألف راكب خلال أيام العيد وهو رقم يستحق الوقوف معه خصوصاً إذا علمنا أن المواطنين العمانيين شكلوا ما نسبته 20 % من الركاب وهو ما يدل على بدء زيادة الوعي بعض الشيء في استخدام حافلات مواصلات بالنسبة للمواطنين، وهذه بادرة إيجابية وإن كنت أجزم أن العدد سيزيد مستقبلا خصوصا إذا واصل سعر الوقود المحلي ارتفاعه الفلكي. وكما علمت فإن هناك نية لإضافة خطوط جديدة لبعض المناطق بالعاصمة مسقط وهذا بحد ذاته شيء جميل كونه سيزيد من رقعة تغطية حافلات مواصلات وتأدية خدماتها لعدد أكبر من الركاب. والخبر المفرح أيضا هو تغطية مواصلات لخط صلالة وبأسعار تنافسية مذهلة لا تتعدى 10 ريالات ذهاباً وإياباً ومن خلال حافلات فاخرة. وهذه بحد ذاتها «ضربة معلم» من الشركة لاسيما في فصل الخريف السياحي بانتظار تغطية محافظة ظفار مستقبلا.

بقيت بعض الملاحظات الطفيفة التي لاحظتها أثناء استخدامي لحافلة مواصلات وهي عدم وجود أماكن انتظار مظللة في المناطق التي تغطيها مواصلات حاليا. وكلنا يعرف حرارة الجو وتقلباته. كما لا تتوفر أماكن مخصصة للقمامة. ولا أدري هل كانت هذه حالة فردية للحافلة التي ركبتها فقط أم أن الوضع عام لكل الحافلات كون النظافة جانبا مهما خصوصا في شركة مواصلات عامة تستقطب عددا كبيرا ومتنوعا من الركاب.

كما لفت انتباهي عدم وجود لوحة تحوي رقم هاتف أو إيميل الشركة للتواصل معها فيما يخص الملاحظات والاقتراحات، ولم لا تكون للشكاوى أيضا في حال حدوثها بالنسبة لمستخدمي مواصلات. وهذا سيساعدهم على معرفة أوجه القصور ومعالجتها وتقديم الأفضل والاجود مستقبلاً. كما يجب من جانب شركة مواصلات التشديد على قائدي الحافلات فيما يتعلق بجوانب السلامة المرورية والحفاظ على أرواح الركاب حتى لو أدى ذلك إلى تركيب كاميرات في كل حافلة لمراقبة أداء قائدي الحافلات لاسيما في المسافات الطويلة وإعطائهم دورات مستفيضة قبل تمكينهم من قيادة الحافلات كما أنه من الضروري التفكير في توفير خدمات ﺃﻓﻀل ﻟﺫﻭﻱ الاحتياجات الخاصة وفئة ﺫﻭﻱ الدخل ﺍﻟﻤﺤﺩﻭﺩ والحرص على تطبيق الاشتراطات البيئية في الحافلات المستخدمة.
«مواصلات» باكورة مشروع وطني ناجح ينتظر فقط الدعم من المواطنين الذين لا بد أن يدركوا أن استخدام حافلات مواصلات ضرورة لا بد منها في تخفيف الأزمات والاختناقات المرورية إن لم يكن اليوم ففي المستقبل القريب.