عمّان - العمانية
في كتابه الجديد "أسفار هيكل سليمان بن داوود"، يتحرر الباحث الأردني د.سليمان الطراونة من سطوة الأفكار المسبقة، والمسلمات الموروثة، ويُسلِم نفسه للعقل ومنجزه الأصيل- العلم، بما يشبه الحفر في طبقات الأرض للوصول إلى الحقيقة التي ترضي العقل، رغم أنها قد تكون صادمة للوجدان. وقد صدر الكتاب عن "الآن ناشرون وموزعون" في مجلدين؛ حمل الأول عنوان: " هيكل العبران وكعبة العربان.. يهودية المسيحية والإسلام"، والثاني: "هيكل العائلة المالكة بمنظور العهد القديم والقرآن الكريم". ويشتمل كل مجلد على قسمين، الأول خصّصه الباحث لمقالات تتضمّن سرديته حول الموضوع، بلغة أدبية ميّزت أسلوبه في أعماله الأدبية السابقة، إذ يمزج بين تقديم الفكرة والبلاغة العربية بصورتها التقليدية، أما القسم الثاني فيمثّل محاورة لآراء الكتّاب والمؤرخين والباحثين الذين تناولوا الموضوعات نفسها. ويُقْدم الطراونة على هذا البحث الجريء من باب "المسؤولية الإنسانية تجاه الصراعات التي عاشتها منطقتنا على مدى قرون على أسس طائفية ومذهبية متعددة". لذلك يهدي كتابه إلى الإنسان المتحرر من التعصب الديني الأعمى. ويوجه الباحث نقداً لكثير من المسلّمات التي تستمد جذورها من الأساطير المغرقة في القدم، مخلصاً للعقل والبحث العلمي ومتخلّياً عن أي انحياز مسبق، بهدف جلاء الحقائق التي اختلطت بالأساطير، ليصل إلى نتيجة أن الديانات السماوية ذات جذر واحد، وأنه لم يحدث هناك قطع مطلق ما بين الديانة الإسلامية والديانة اليهودية، بل بقيت هناك عوالق كثيرة بين الديانتين، حتى على مستوى المذاهب. وينفي الطراونة أيّ استنتاج متسرع يمكن أن يصل إليه القارئ بأن الكتاب يسعى إلى التطبيع السياسي مثلاً، مؤكداً أنه يهدف إلى" استكشاف المخفيّ أو المُتخفّي من المشتركات التاريخية، والأسطورية، والإنثروبولوجية، والثقافية، والروحية، والفكرية الأعمق والأرسخ من العصبيات المتشدّدة أحادية الرؤية، الصادرة عن العقول المغلقة أو الملتهبة من الأطراف كافة". ويفسِّر الباحث ظهور الأساطير ذات الأصل الإسرائيلي في التراث الإسلامي، إلى أن المنطقة برمتها كانت مثقلة بالأساطير الدينية قبل مجيء الإسلام بقرون عديدة، وبالتالي كان لا بد من تأثرها بها. ويقلب الباحث النظريات المختلفة على رؤوس أصحابها؛ إذ يكشف أن معظمها مستعارة من خصومهم، فمثلاً يصر بنو إسرائيل على تسمية القدس باسمها الكنعاني " أورشليم"، فهم كنعانيون دون أن يدروا، أما العرب المسلمون فيسمونها "القدس"، وهو اسم الباحة الوسطى في الهيكل، ويسمونها "بيت المقدس"، وهو حرفياً -كما يرى الباحث- "اسم الهيكل نفسه، ومكنون صفاته". وبشأن قدسيّة القدس، يوضح الباحث أن التقديس قديم، بدأ عند الكنعانيين، وانتقل إلى العبرانيين الذين هم قبيلة كنعانية، مؤكداً أن هذه القداسة الممتدة عبر القرون ارتبطت باليهودية، ووصلت إلى الإسلام مروراً بالمسيحية. وهو يرى أنه لو أُزيل بنو إسرائيل ودينهم الأسطوري من تاريخ فلسطين، ولو أُزيلت نصوصهم من تاريخها، ما تقدّست فلسطين، وما تقدّست مدينة القدس وهضبة الهيكل (الحرم القدسي)، ولا الهيكل (المسجد الأقصى القرآني). الكتاب يعرّي الكثير من المتناقضات، ويكشف الزيف عن الكثير من المغالطات، ويكشف معرفياً ما علق بالديانات من أساطير وخرافات أوصلتنا إلى ما نحن فيه من تعصّب أعمى لا يمت للدين بصلة. يُذكر أن د.سليمان الطراونه حصل على شهادة الدكتوراه في الهندسة المدنية، وعمل في التّدريس بجامعة مؤتة، وفي الجامعة الأردنية، ثم خبيراً للسدود في سلطنة عُمان (2009/2010)، وخبيرَ سدودٍ واستشارياً في سلطة منطقة العقبة الاقتصادية الخاصة. صدر له في الرواية: "مقامات المحال" (1991)، و"البتراء.. الأم العذراء" (1994)، وفي القصة: "مقامات التحولات" (1992)، و"مقام الأختام في زمن السلام" (2002)، وفي النصوص الأدبية "ابتهالات ثقافية" (1994)، وفي الدراسات: دراسة نصّية أدبية في القصة القرآنية (1992)، و"الإعجاز العلمي في القرآن الكريم- الكون والماء" (2000).