
محمد بن سيف الرحبي
alrahby@gmail.com
www.facebook.com/msrahby
مع كل دورة من دورات السنين حيث تأتي إلينا بشهر يوليو، في عز الصيف، أستشعر تلك الحالة العُمانية التي بدأت كتابة قصتها ذات فجر في العام 1970، تستنطق حياة مختلفة على أرض البلاد، حيث «صوت للنهضة نادى» وحيث الشعار الوطني «هبوا جمعا وفرادى» ليتواءم ذلك مع وعد قائد النهضة بـ «فجر جديد سيشرق على عمان».. وكان شروقاً جميلاً وعظيماً، استحقته كل بقعة تراب على امتداد الأرض الطيبة.
كان جيلنا، ومن سبقنا، من مواليد السبعينيات وما قبلها، يدرك معنى يوليو، أكثر ممن ولد في فترات لاحقة، ويعرف قيمة التغيير الذي حدث، ويقرأ الواقع بلغة تختلف عن صياغة يجري بسطها حالياً حيث ذابت تلك المفاهيم التي يمكن التعويل عليها، كترداد القول أن النهضة العُمانية اختزلت الزمن، وأن ما حدث إنجاز وإعجاز، وتكرار كلمة أنّ كلما عنّ للخطاب الإعلامي التذكير بما كنّا فيه، وما أصبحنا عليه.
هذا الاستشعار لمرور يوليو أحسب أنه لا يجد صدى (فكيف بالصوت) في نفوس جيل تباعدت (الذكرى) عنه زمانيا وروحيا، وتضاعف الإحساس بأهمية ما حدث لأن الصياغة المكرورة لا تتماس مع جيل التقنية، وهو يبحث عن الغد (الملتبس) بعيداً عن الماضي الذي لا يشكل بالنسبة له علامة خارقة، وهو لا مبال حيالها، لأن العالم، من حولهم، يعيش عصر التنمية، مع تركيز أكثر على نقاط التعثر، كونها ليست إلا نقصاً في الرؤية، وعدم استجابة واعية للمتغيرات، والأزمة المالية أكبر دليل على فقدان البوصلة، أو عدم تحديد الاتجاهات بقوة.. الكلام عن 46 عاماً، وليس عن عقدين فقط، يزيدان قليلاً أو ينقصان كثيراً.
يمرّ يوليو بسياط شمسه، وحرارة طقسه، ولا ينظر إليه كما يستحق، حتى على صعيد الخطاب الإعلامي، ليس من باب ممارسة ذات الدور في تضخيم ما أنجز، إنما استجابة لأهمية الفاصل الزمني، وقراءة ما عبر بين زمن النهوض، وزمننا اليوم، مراجعة واعية، ومتأنية، لا تميل إلى وضع الهالات الفخمة، ولكنها أيضاً لا تقزّم ما صنعته السواعد عبر هذا العمر إيجابياً، بعيداً عن أصابع التخوين والاتهامات وشيوع ثقافة الانتقاص من منجز يفترض الافتخار به والبناء عليه، ليبقى متوهجا بعمان التي تستحق منا الأكثر.. والأكثر.
دعوت سابقاً، وما زلت مصراً، إلى تبني جلسات حوارية نقدية، والنقد ليس انتقاداً ولا انتقاصاً، بل قراءة واعية ودقيقة لمرحلة قطعتها النهضة العُمانية، وأخرى تنتظرها، وفي الاتجاهين الكثير مما يقال، عنهما وحولهما وفيهما، بواقعية تضع رؤيتها، بمشاركة جيل الشباب بما يملكه من رؤية تمثّل جيلهم، بدلاً من أن يفكر عنهم جيل يفصلهم عنهم أكثر من نصف قرن من العمر، جيل تعصره الحياة بظروفها وتحدياتها، ولا ينظر إلى الواقع من خلال نافذة مكتبه الوثير، ونافذة سيارته الفارهة، أو متمدداً على حوض سباحة فاخر في مزرعة فيها ما لذّّ وطاب.
ذلك ما أدعو إليه، وأجزم بأهميته، أن يشارك الشباب في قراءة حاضر البلاد ومستقبلها، بوجود أهل الخبرة.. حيث الجميع شركاء، وليس هناك من.. أوصياء.