القدس المحتلة – ش
يتفنن الاحتلال الإسرائيلي في ابتكار أساليب وأدوات لاقتلاع الشعب الفلسطيني من أرضهِ، بهدف إنهاء وجودهِ، واستبدالهُ بمهاجرين يهود، يستجلبهم من كافة أصقاع العالم.
وإذ كان الاستيطان، والنفي، والاعتقال، واستخدام القوة المسلحة، والضغط الاقتصادي، طرق تقليدية يتبعها الاحتلال، فإنه ما يزال يلجأ إلى سياسةٍ غير إنسانية، تقوم على تفريق شمل العائلة الفلسطينية جغرافيا.
تفريق عائلة دوابشة
قصصٌ ومآسٍ تسببت بها هذه السياسة الوحشية؛ فطفلٌ عمرهُ ثلاثُ سنوات ونصف، فرِّقَ عن والديه، يعيشُ عند عمِّهِ، هذه حكاية خالد دوابشة، الذي تربطهُ صلة قرابةٍ بعائلة دوابشة التي أحرقت في فلسطين على يد قطعان المستوطنين.
خالد، يكبرُ يوماً بعد آخر، والدهُ أسير في معتقلات الاحتلال، وأمهُ مبعدةٌ بتعسفٍ إلى قطاع غزة، ولأنهُ صغير فهو لا يدركُ لماذا تركهُ أبواه؟، وبحسب صحيفة هآرست العبرية، فإن خالد يعتقد أن أمهُ تخلت عنهُ، ورغم أنها تتصل بهِ يوميا، إلا أنه في الآونة الأخيرة لم يعد يتقبل الحديث معها، إلى أن أصبحَ يرفضُ محاولاتها المتكررة بالحديث معه.
مأساة خالد، يعيشها شقيقهُ جواد أيضاً، لكن مع فارق، أن الأخير أصغر سنًّا، وإدراكهُ ما يزال دون طرحِ التساؤل الملح: لماذا هجرتني أمي؟، وأين أبي؟.
لا يكترث الاحتلال كثيراً بالمشاعر الإنسانية، ولا يهمهُ النسيج المجتمعي، وعلى العكس من ذلك، فهو يسعى إلى تدمير الروابط الأسرية، وتنمية التفكك داخل المجتمع؛ لذا فإن خالد لم ير أباه منذ ثلاثة أشهر، باستثناء مرة واحدة، حين كان مكبلا بالقيود، داخل قاعة المحكمة العسكرية في قرية سالم، وهنا لن يستطيع خالد أن يجدَ إجابةً على ما رآه، لكن حين يكبر سيتغر وعيهُ حول ما حدث له ولشقيقه ووالداه.
قصة عائلة دوابشة هذه ليست استثناءاً في الحالة الفلسطينية، فبحسب منظمة "غيشاه" العبرية لحقوق الإنسان، فإن الانقطاع بين غزة والضفة الغربية شبه تام، والمآسي الإنسانية تتكاثر، فـ 26% من سكان قطاع غزة لهم أقرباء في الضفة الغربية، 7% منهم تعد صلة القربى من الدرجة الأولى، وذلك بحسب إحصاء لها في العام 2013.
وبسبب الاحتلال وسياساته، من حصار غزة، إلى تقطيع أوصال الضفة الغربية، وتوسعهُ استيطانيا، أصبحت هذه العائلات الفلسطينية تعيش في حالة تفريق بالقوة، دون أن تتمتع بحقها في عيشٍ مشتركٍ تحت سقف واحد.
مأساة نبيلة الهواني
وليس بعيداً عن مأساة عائلة الدوابشة، وعلى حاجز بيت حانون الإسرائيلي مزق الاحتلال عائلة عبد الباسط مكانيا وفرق العائلة وشتت أبنائها؛ فالأم في جهة والأب والأطفال في الجهة الأخرى؛ إنها قصة نبيلة الهواني المتزوجة من فلسطيني من قلقيلية هو ساهر عبد الباسط خرجوا برفقة أطفالهم الثلاثة إلى معبر بيت حانون وجهتهم قلقيلية لزيارة الأهل والأقارب إثر وعكت صحية ألمت بوالد زوجها ساهر فكانت المفاجأة أن رفض الاحتلال السماح لها بالعبور بينما واصل الزوج طريقه إلى قلقيلية.
ومنذ خمسة أشهر حرمت نبيلة من رؤية أطفالها "علي" ذات الأربع سنوات و"يزن" الأصغر بسنة و"وداد" ذات السنة التي ترقد في المستشفى تعاني من جفاف وشرخ في الرأس إثر تعرضها لحادث سير.
ولا يمكن لساهر وأبناءه العودة إلى غزة بحكم أنهم "ضفاويون" بينما لا تستطيع نبيلة الالتحاق بعائلتها فهي "غزاوية" ولم تشفع لها أمومتها بأن تكون مع وداد في محنتها فقررت أن تخوض إضرابا عن الطعام حتى تحل قضيتها.
وتقول نبال شقيقتها إن نبيلة ترقد في المشفى بعد أن أنهكها الإضراب المتواصل لمدة أربعة أيام بعد أن طرقت كل الأبواب التي يمكن أن تصلها بأبنائها مؤكدة أنها لم تحصل على أي مساعدة في هذا الصدد.
نورا تبكي
"بقيت 23 يومًا بعيدة عن أبنائي، تمكنت في الجمعة الأولى لشهر رمضان من الدخول بطريقة غير قانونية مع المصلين من الضفة الغربية، وها أنا حبيسة المنزل لا أستطيع الخروج حتى لا أُرحل إلى الضفة الغربية"، كلمات تحاول فيها نورا (53 عامًا) إجمال معاناتها المستمرة منذ ثماني سنوات، عندما اتخذت السلطات الإسرائيلية قرارًا بالتضييق عليها بوصفها مواطنة من الضفة الغربية، لا يحق لها الحصول على حق لم الشمل للإقامة مع زوجها وأبنائها الأربعة في القدس الشرقية.
نورا التي كانت تحصل على إقامة مؤقتة وتصريح يخول لها البقاء في القدس، ترى أن إسرائيل تُجند قواتها وقوانينها لتدمير حياتها الخاصة وأسرتها. تُوضح لنا أنه إذا مُنحت إقامة مُؤقتة، فإنها في المُقابل يُسحب منها تصريح التنقل بين القدس المحتلة ورام الله، لتكلفها مجرد زيارة لأمها المريضة – قبل أن تتوفى – البقاء في رام الله عدة شهور لأنه لم يُسمح لها بالعودة إلى القدس.
مع بداية شهر رمضان، كانت نورا في رام الله، إذ فرضت السلطات الإسرائيلية بقاءها في مسقط رأسها بعد أن سحبت منها التصريح الذي يخول لها التواجد مع أبنائها، لكنها عادت تهريبًا وهي منذ عودتها حبيسة المنزل، لا تستطيع الخروج لأن خروجها يعني اكتشاف أمرها وطردها إلى الضفة الغربية. لديها أربعة أبناء، أكبرهم فتاة في الـ15 من العمر وأصغرهم صبي في العاشرة من العمر.
تقول نورا: «قضيت الأيام الأولي من شهر رمضان أفطر وحدي، كان زوجي يأتي بالخضار كي أطهو الطعام وأنا في بيت أهلي ثم يأخذ ما طهوت إلى أبنائي في القدس»، تبكي ثم تقول: «اعتادوا أن أطهو لهم كل يوم، كان والدهم يقطع أكثر من 14 كليومترًا كي يحمل لهم طعامًا صنعته لهم».