كلمات عن عمان والخريف

مقالات رأي و تحليلات السبت ٠٢/يوليو/٢٠١٦ ٢١:٠٢ م
كلمات عن عمان والخريف

احمد المرشد

من لم يزر عمان لم ير العالم، هذه مقولتي التي أحرص علي نقلها لكل أصدقائي، وهذا أمر حقيقي، فمن لم ير عمان تلك البلاد الشاسعة بخضارها وربوعها وجبالها وخريف صلالة لم تحن الفرصه بعد كي يري بقعة من بقاع الأرض الجميلة، ليس هذا فحسب، هناك شعبها الطيب وقيادتها الرشيدة التي نأت بعمان بعيدا عن نوات وأزمات الشرق الأوسط والمنطقة، بل جعلت من مسقط ملتقي المفاوضات وحل الأزمات.
نتحدث بداية عن عمان، تلك الدولة التي توصف بالدولة الرشيدة، ولم لا؟..فهي وبعد 46 عاما من قيادة حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم - حفظه الله ورعاه، تواصل مسيرة النهضة وتحقيق غاياتها المنشودة وفي مقدمتها التنمية والازدهار، مسيرة تتميز بالتنمية والبناء، ليعيش العمانيون طفرة في حياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والتعليمية، فالدولة تشهد المزيد من تطوير المؤسسات العصرية ، لتفي بمتطلبات التقدم الاقتصادي والاجتماعي المتواصل ، وتتجاوب الحكومة العمانية مع تطلعات وطموحات المواطن العُماني في العقد الثاني من القرن الحادي والعشرين. الأمر الذي جعل السلطنة نموذجا فريدا يشار إليه على الصعيدين الداخلي والخارجي .
ومما يكتب للشعب العماني الشقيق، أن وقف بجانب قيادته التي رسمت له خارطة طريق أو كما يصفها العمانيون أنفسهم "خطة المستقبل" ، خطة شاملة تسير وفق نهج مدروس، اختارته عُمان لتنفيذ سياستها نحو تطبيق كامل للعملية الديموقراطية. وإذا تحدثنا عن الديمقراطية تحديدا، فليس من الصعب علي أي متابع للتطورات السياسية في عمان، أن يرصد جملة من الإنجازات التي حققتها السلطنة مع هذا النهج..منها تجربة الشورى العُمانية لإقامة بنيانها وإعلاء أركانها على قواعد ثابتة ودعائم راسخة تضمن لها التطور الطبيعي الذي يلبي متطلبات كل مرحلة من مراحل العمل الوطني . الأمر الذي يستجيب لحاجات المجتمع ويواكب تطلعاته إلى مزيد من الإسهام والمشاركة في صنع القرارات المناسبة التي تخدم المصلحة العليا للوطن والمواطنين ضمن رؤية مستقبلية واعية وخطوات تنفيذية واعدة.
"إن بناء الدولة العصرية التي تعهدنا بإقامتها منذ اللحظة الأولى لفجر النهضة المباركة قد اقتضى منا بذل جهود كبيرة في مجال إنشاء البنية الأساسية التي هي عماد التنمية الشاملة وركيزتها الأولى وتوفير هذه البنية في شتى ربوع السلطنة أتاح ولله الحمد فرصة كبرى للتطور العمراني في مختلف المدن والقرى على امتداد الساحة العُمانية، ومهد لإقامة مشروعات اقتصادية وتجارية وصناعية عديدة ومنشآت تعليمية وثقافية وصحية واجتماعية متنوعة".. هذا الكلام قاله السلطان قابوس في إحدي خطبه التي وجه فيها شعبه الي ما تم تحقيقه، وحقيقة لا يخفى على أي مراقب ومتابع لحركة الحياة في أرض عمان الطيبة بكل جوانبها المتعددة ، والحقيقي أيضا أن العُمانيين صناع حضارة منذ القدم، وليس غريبا أن يستلهموا حاضرهم ومستقبلهم من موروثهم التاريخي العظيم وانفتاحهم على الحضارات الأخرى عبر البحار والمحيطات وسعيهم إلى التواصل مع الآخرين وتبادل المنافع المشتركة معهم ما يؤهلهم ليكونوا قدوة ومثلا في مجال التطور المتسارع والتقدم المتنامي والقدرة على مواكبة العصر.. وقد مكنهم الحاضر والماضي من الأخذ بكل جديد مفيد وأفكار مستنيرة وعلوم نافعة وتقنيات متجددة مع التمسك دائما بالقيم والمبادئ الرفيعة التي يؤمنون بها والتقاليد والعادات الأصيلة التي نشأوا عليها.
ربما يعن لي الانتقال مباشرة الي الحديث عن الدبلوماسية العُمانية وما يميزها من حرص دائم سوءا في الحاضر والمستقبل، مد جسور الصداقة مع العالم وزرع العلاقات الحسنة والمتكافئة مع كل دولة تخطو خطوات ايجابية على طريق التعاون معها بشكل خاص ، والالتزام بالمواثيق الدولية ومبادىء الامم المتحدة في سبيل تحقيق التقدم والتطور وتثبيت دعائم الاستقرار العالمي .
ومن هذا المبدأ المهم في العلاقات الدولية، تفاعلت السياسة الخارجية العُمانية تجاه كل الأحداث التي مرت وتمر بالمنطقة والعالم ، فقد اتسمت الدبلوماسية العمانية بالحكمة والعقل في التعامل مع كافة مشكلات وأزمات العالم، مما جعل سلطنة عُمان تحتل مكانة دولية مرموقة بوأتها مركز استقطاب اقليمي وعالمي مهم ، وتحظى السياسة الخارجية العُمانية منذ عام 1970م بتقدير العالم لما تقوم به من جهود فعالة ومساهمات على مختلف الاصعدة العالمية مثل ذلك الانفتاح على العالم والمساهمة بنشاط وبفعالية في أحداثه والمشاركة في مؤسساته ومنظماته السياسية وغير السياسية لهذا كله سارت مسيرة التنمية الاقتصادية جنبا إلى جنب مع مسيرة السياسة الخارجية النشطة .
وكنت قد أشرت في موضوع سابق الي نجاح الدبلوماسية العمانية في جذب كل الفرقاء علي مائدة مفاوضات واحدة، وكان لعمان نموذجها الرائع في مسألة البرنامج النووي الإيراني والأزمة اليمنية، كل هذا بفضل المكانة التي حققتها سلطنة عُمان نتيجة لسياستها مكّنتها من القيام بدور فعّال في معالجة كثير من القضايا ، وفي المساهمة في حل العديد من المشاكل على كافة الأصعدة بمصداقية مشهودة ، وبعد نظر في الرؤية السياسية وحكمة وجرأة في اتخاذ القرار نابع عن إيمان مطلق بنشر السلام من أجل استقرار والتعايش السلمي بين الجميع، هذا انطلاقا من مرتكزات سنتها لنفسها مؤسسة الدبلوماسية العماني، مما جعل سلطنة عُمان عنصرا فاعلا ومؤثرا في المنظومة الدولية ونراها دائما تؤكد على الثوابت والمبادىء الأساسية التي تقوم عليها السياسة الخارجية العُمانية التي تقف بجانب الحق وتناصره وتدعو إلى العمل المتواصل مع بقية الدول المحبة للسلام وعلى تسوية النزاعات الدولية بطرق الحوار والمفاوضات .
ومن السياسة الي صلالة، تلك المدينة التي يعشقها قلبي، فلي فيها ذكريات جميلة، من كثرة زياراتها وشدة محبتها، فصلالة ليس مجرد مدينة جميلة تحضتها سلطنة عمان، ولكن هي بمثابة بقعة سياسية تضئ عمان بالكامل وتضعها قوة علي خريطة السياحة العربية والعالمية، لما لها مميزات، حيث خلقت صلالة لنفسها موطىء قدم على الخارطة السياحية بسبب الاستثمار الجيد للمقومات الطبيعية التي تتميز وتتمتع بها المدينة.
كما نجح مهرجان خريف صلالة بكل فعالياته وأنشطته الثقافية والتراثية في جذب جميع الفئات العمرية حيث تجد فعاليات وانشطة للكبار والشباب والصغار فضلا عن إرضاء الأذواق كافة من خلال برنامج فني وثقافي متنوع يضم بين طياته الموسيقى والغناء والفنون الشعبية إضافة إلى الجانب التراثي الهام والذي يعتبر بمثابة جسر بين الماضي والحاضر بجانب المعارض الفنية المصاحبة للمهرجان وغيرها من الامور التي تسهم في تحويل المهرجان إلى حدث هام ينتظره الجميع سنويا ليس في صلالة فقط وإنما في العالم كله.
لقد حانت لي فرص عديدة لزيارة صلالة وقت المهرجان، مما يجعلني أقول وبصراحة ، أن المدينة تضاهي كبريات المدن السياحية العالمية، ليس فقط كما أشرت بسبب الفعاليات والأنشطة، ولكن يجب أن نشير هنا الي موقعها الجغراقي الرائع حيث وضعها هذا الموقع في اطلالة مباشرة على الساحل الجنوبي للسلطنة عمان ، ناهيك عما تتميز به من جو جميل وماطر مع جمال الطبيعة الخضراء.. فأجواء الخريف تجعل صلالة مدينة جميلة لتزدان بطبيعتها الخلابة والساحرة، لترسم لوحة طبيعية تبارك الخالق في خلقها ورسمها.
فعندما نذكر صلالة، نتذكر علي الفور الطبيعة الخلابة بجمالها الساحر الذي يحيط بالمكان ويعطي الزمان كل أبعاده حيث البيئة المتنوعة والمناظر الرائعة والجبال الخضراء البهية والطقس المعتدل على مدار العام، لا سيما في فصل الخريف و زخات المطر المستمرة والرياح الموسمية الواقية من لفحات الصيف الحارقة ، هذا الطبيعية التي تزدان بالأودية والعيون الجارية وشلالات المياة المتدفقه والشواطىء الممتدة برمالها الفضية الأخاذة والحياة المائية المتنوعة..فصلالة عبارة عن لوحة طبيعية تشيع التفاؤل في النفوس وتعطي كل صور الإستمتاع . فهي مدينة من عمر التاريخ، نبعت من جذور القدم لتقف الآثار القديمة والمزارات الدينية شاهدا عليه وتروي قصص رائعة لحضارات خالدة.
وإذا ذكرنا صلالة، نتذكر معها الشواطئ التي تتميز برمالها ناصعة البيضا، وتشتهر بكثرة أشجار النارجيل، وجبالها سمحان و إتين و القمر، وسهولها التي تحتل موقعا مناسبا لمحبي التخيم، وعيونها وأوديتها ، وآثار التاريخي التي تشهد على عمق تجذرها في التاريخ ومن أهم معالمها: منطقة البليد الأثرية وموقع أوبار بشصر و مدينة سمهرم إلى جانب العديد من الأضرحة والمزارات.

كاتب ومحلل سياسي بحريني