عزيزة الحبسية
azizaalhabsi87@gmail.com
كنت أتمنى أن أقضي رمضان بروحانيته وجماله بعيدا عن الأخبار والقصص المزعجة التي تحملها وسائل التواصل الاجتماعي الحديث، فطبيعة الشهر الفضيل تدعو إلى الهدوء والراحة النفسية والبعد عن التوتر وعن القلق في أجواء من الألفة والتسامح.. لكن، هل تركت هذه الوسائل وبخاصة الواتس اب مجالا لذلك؟ فمن الصعب بالنسبة للمتلقي ولمستخدمي الواتساب تحديدا تقنين تواقيت استقبال الرسائل، لذا فالمتلقي مجبر أن يتلقى ويقرأ ويندهش ويتفاعل ويقلق ويخاف ويشارك أحيانا كونه عضوا في هذا (الهايدبارك الواسع).
يتبادل الناس عبر الواتس اب الكثير من المواضيع وتنظم مجموعات من خلال الواتساب تحت مسميات كثيرة منها عائلية ومنها ثقافية ومنها مهنية تجمعها أروقة الوظيفة والعمل ومنها ذات طابع يحمل اهتمامات مشتركة وتطرح مواضيع في الواتساب تبدأ من مقادير عمل (كيكة) إلى مواضيع تتعلق بالإرهاب وتنظيم داعش إلى حرب اليمن.
وهناك حقيقة لا يمكننا إنكارها هي أن وسائل التواصل الاجتماعي تجاوزت البعد الاجتماعي للتواصل وصارت وسائل للتواصل السياسي وأحيانا المهني والثقافي والاقتصادي.. لكن إلى حد ما يصدق على الواتس اب أنه وسيلة للتواصل الاجتماعي فغالبية المجموعات التي تكون من خلاله هي مجموعات عائلية أو مجموعات تجمعها روابط مهنية أو علاقات صداقة، وتسعى هذه المجموعات في الغالب للتواصل المفقود في الواقع عبر الفضاء الإلكتروني وقد نجحت نوعا ما في عمل التواصل المنشود.
إلى هنا فنحن نعيش في بيئة تكنولوجية بحتة، لكن، ما هي الأبعاد الفكرية والثقافية التي تنتج عن تواصل كهذا؟ حيث اتسعت مساحة التعبير والفضفضة كما كبر نطاق الجرأة المتداول عن نطاقه المعهود بشكل واسع ومفاجئ وكبير.
مع بداية رمضان تلقى مستخدمو الواتس اب خبر قرار الطيران العماني وقف تسيير رحلاته إلى مطار صحار لعدم وجود الجدوى الاقتصادية للتشغيل. وقدم التلفزيون حينها تقريرا يقول إن المطار في فترته التجريبية ثم طالعنا الواتس اب بخبر عن الفساد والواسطات كان قد نشر في جريدة محلية وتزايدت حدة التفاعل مع الخبر فور نشره عبر وسائل التواصل الاجتماعي ووصل إلى أيدينا من خلال الواتس اب.
ولا يمكن لمخلوق طبيعي أن يتلقى من خلال هاتفه المحمول خبرا عن هطول أمطار في ازكي بنفس الحالة المزاجية التي يتلقى بها خبرا عن اتهامات بالفساد، وبالتأكيد لن تستقر معنوياتك كمتلق وستتأرجح صعودا وهبوطا بحسب حالة الخبر وفجاعته لتظل مسألة فلترة الأخبار وانتقائها مسألة صعبة وربما مستحيلة فالحالة الجمعية أصبحت تتشارك في نفس النقاشات وتتداول نفس الأخبار وتطرح نفس الموضوعات وتتبادل نفس الأحاديث ويبقى من لديه المعلومة الموثوقة هو القادر على النأي بنفسه عن هبوب وفتنة الواتس اب وتأثيراته النفسية السلبية.
ورغم فاعليته فإنه في أحيان كثيرة أصبح كالهايدبارك في مجتمعنا العماني.. الكل يلقي كلمته وفكرته ويذهب غير عابئ بالأثر الذي يمكن أن تتركه هذه الفكرة أو هذه الكلمة. ولا بأس إذا كان صاحب الفكرة أو الكلمة هو المنتج، لكن الكارثة الكبيرة إذا كان المتلقي يعيد إرسال كل ما يتلقاه دون تفكر ودون تدبر ودون توقف وأحيانا يتبنى وجهة نظر لا تمثله أبدا ولا تعنيه حيث الوجود داخل هذا الهايدبارك مغر وجذاب، ومع تباين المستويات العلمية والفكرية لمستخدمي الواتس اب يصبح البعض ضحية وقناة لتمرير أفكار ووجهات نظر لا تخدمه وليس طرفا فيها نتيجة لغياب التحليل العلمي وغياب التفكير النقدي عند الكثيرين ممن يستخدمون وسائل التواصل الحديث.
عزيزة الحبسية
azizaalhabsi87@gmail.com