مسجد الجامع.. قلب أدم النابض

مزاج السبت ١١/يونيو/٢٠١٦ ٢٠:٥٩ م
مسجد الجامع.. قلب أدم النابض

أدم - علي بن سعود البوسعيدي
انتهج العمانيون في بناء المساجد نهج البساطة الشديدة وهي بساطة لا تعكس الذين بنوا المساجد أو الذين بنيت من أجلهم فحسب بل انها تعكس كذلك البيئة المادية والانسانية الخاصة التي تنتمي اليها هذا المساجد، فقد خلت معظم المساجد الأثرية العمانية من القباب والمآذن ولكن تميزت في الوقت نفسه بالبومة وهي فتحة في ركن المسجد يتوصل عن طريقها إلى سقفه.
وتنقسم المساجد العمانية إلى ستة أنواع هي:
المساجد الجامعة التي تؤدى فيها الصلوات الخمس وصلاة الجمعة، ومساجد الفروض، ومساجد العباد ومساجد الحصون، ومصليات العيد، إضافة إلى مصليات النساء.
ويعد مسجد الجامع في ولاية أدم بمحافظة الداخلية واحدا من المساجد الجامعة، حيث جاءت تسمية المسجد من أن الجامع اسم من أسماء الله الحسنى، وقد جرت العادة ان تسمى المساجد التي تقام فيها صلاة الجمعة بالمساجد الجامعة أو أن هذا الإسم جاء نسبة إلى حارة الجامع التي يقع فيها المسجد، حيث يقع في الجهة الغربية الشمالية من الحارة ويتم الوصول إليه عن طريق بوابة الصباح، وقد جاء بناءه في طرف الحارة كي لا يدخل الغرباء اليها.
ويحيط بالمسجد فناء مسور بجدار ارتفاعه 70 سم تقريبا، تقام فيه الصلاة في أوقات هبوب رياح الكوس أو عندما يمتلئ رواق المسجد إضافة إلى أن الفناء يحمي أرضية المسجد المنخفضة من دخول المياه فيها.
ويتكون المسجد من أربع بائكات تتكون كل بائكة من خمس بلاطات اسطوانية تحمل أقواسا مدببة ويوجد بالجدار الشمالي والجنوبي للمسجد خمس نوافذ مستطيلة الشكل، فوقها طاقات صغيرة ذات عقود مدببة وبها زخارف هندسية ويوجد في الجدار الشرقي أربع طاقات مزخرفة بزخارف جصية، اما واجهة المسجد فهي تخلو من أي زخارف أو نصوص تأسيس، وبها بابين بينهما محراب صغير، أما محراب المسجد المبني من الجص وهو مستطيل الشكل يرتفع حتى يقارب السقف به ثلاثة اطارات مستطيلة الشكل تحيط به أختام واشكال مزخرفة هندسية ونباتية حفرت بالسكين تتضمن الشهادتين اللتين نقشتا بالخط الكوفي وسطرين من الكتابة النسخية متشابكة الحروف، جاء فيها القائم على عمارة هذا المحراب المبارك الشيخ الأجل محمد بن نوح الأزدي وهو من أعلام أدم، عاش في نهاية القرن السابع والنصف الأول من القرن الثامن الهجريين، أما صانع المحراب فهو عيسى بن عبدالله بن مسعود البهلاني وكان ذلك في شهر جمادى الاولى سنة 941هجرية على صاحبها أفضل الصلاة والسلام على أرجح الروايات، والملاحظ أن تلف أصاب بعض الكلمات والحروف والأرقام ولعل التشابه الملحوظ في زخرفة محراب مسجد الجامع في أدم من جهة أسلوبها وتركيبها والنقوش المكتوبة وكذلك تشابه الأسم الأول لصانع المحراب فيه مع محراب المسجد الكبير في منح ومسجد الشواذنة في حارة العقر في نزوى، وقد اختلفت الروايات حول التاريخ الصحيح لبناء مسجد الجامع ولعل الأرجح أنه بنى في عام 717 هجرية.
ومن الناحية العلمية فقد بنى هذا الجامع الشيخ محمد بن نوح في عصر الدولة النبهانية، وقد أنفق عليه الأموال الطائلة ليكون مدرسة علمية، كان لها أثرها من بعد، ولكن أزهى عصوره العلمية على الإطلاق كان زمن الشيخ العلامة سالم بن عبدالله بن خلف البوسعيدي في النصف الثاني من القرن الحادي عشر الهجري، حيث أقام مدرسة علمية ومكتبة ضخمة توافد إليها الطلاب من جميع عمان وقد خصص لها مساكن خاصة، وأنجبت العديد من العلماء وعلى رأسهم الشيخ عمر بن مسعود بن ساعد المنذري صاحب كتاب كشف الأسرار المخفية في علم الأجرام السماوية، وقد ظل الجامع بمثابة مدرسة تدرس فيه مختلف العلوم الدينية كعلوم القرآن الكريم وعلوم اللغة العربية وعلوم الحديث الشريف والفقه والأدب وممن تولى التدريس فيه في آخر العهد محمد بن سالم بن سعيد البوسعيدي.
أما من الناحية الاجتماعية فقد كانت تقام بالمسجد في فترة من الفترات مناسبات اجتماعية كالزواج مثلا لعدم وجود مجلس عام في الحارة، ويقام فيه العزاء أيضا وهناك مناسبات أخرى مثل عيد المسجد حيث يجتمع جميع سكان الحارة ويتناولون الغداء و يوزّع على البيوت.
لقد كان هذا المسجد بمثابة القلب النابض في حياة الحارة الإجتماعية فكل شيء يتم فيه، فيتم تبادل الأخبار بعد الصلاة في فنائه الخارجي أو في الصباح وحين يكون عند أحد أبناء الحارة عمل يستدعي المصلين بعد الصلاة لمساعدته، والحقيقة أن أدوار المسجد كانت أوسع من هذا بكثير ولكن هذا القليل من الكثير، فمسجد الجامع من أقدم مساجد أدم وأوسعها وأعرقها تاريخيا وعلميا وعمرانيا.