ماجد المرزوقي: علاقتي مع الغناء أسرية متوارثة

مزاج الأربعاء ٠١/يونيو/٢٠١٦ ٠٠:٣١ ص
ماجد المرزوقي: 
علاقتي مع الغناء أسرية متوارثة

مسقط- سعيد الهنداسي
عشق الفنان ماجد المرزوقي الفن والطرب منذ نعومة أظفاره، فهو من أسرة فنية، والده الفنان علي بن محمد المرزوقي، موسيقي تخصص في آلة الكمان، لذلك لم يواجه معاناة في حب الفن والغناء بسبب تشجيع الأهل والأقارب والأصدقاء له.
المرزوقي فتح قلبه لـ"الشبيبة" فكان هذا الحوار الفني معه والذي من خلاله تعرفنا على مراحل مهمة في مسيرته الفنية وتأثير تواجده في مدينة صور العريقة على إبداعاته ومستقبل الأغنية العمانية.

-من أين جاء حبك للغناء ومن الذي قدمك في البدايات؟
علاقتي مع الغناء هي علاقة أسرية متوارثة، حيث أنني نشأت في أسرة فنية تهتم بشأن الموسيقى، ولها حضورها الإعلامي، لقد كان والدي الفنان علي محمد المرزوقي قد درس الموسيقى في سويسرا وكان تخصصه في آلة الكمان وله العديد من المشاركات العالمية، وعند عودته للسلطنة أشرف على معهد تعليم الموسيقى وتخرج على يديه مجموعة من الفنانين العمانيين أمثال "حكم عايل" و"حمدان الوطني" وهناك أيضاً الفنان "عبدالله مبارك المرزوقي" وهو من أشهر فناني السلطنة وله العديد من الأعمال الغنائية الرائعة ومن خلال كل ما ذكرته أعتقد بأن الغناء والفن تعرفت عليهم كأحد أفراد أسرتي.

-كيف تغلبت على صعوبة البدايات؟
في حقيقة الأمر لم أواجه تلك الصعوبات التي تذكر، حيث أن حجم الميراث الذي اكتسبته جعل من الأقارب والمحبين أن يقفوا معي في كل ما يخدم انطلاقتي، مما حقق لي الأولوية في كثير من الأحيان، ناهيك عن أنني كنت مجتهداً في غالب الأحيان لتقديم كل ما هو مميز ولافت للانتباه في مجال الغناء والتلحين، حيث كانت الانطلاقة الرسمية من خلال الواجهات الإعلامية في عام 1989م من خلال لقاء تلفزيوني بعنوان لقاء الخميس، بعد ذلك تقدمت للمشاركة في مهرجان الأغنية العمانية الأول وكانت مشاركة مميزة بحد ذاتها، وتوالت بعدها المشاركات والمساهمات الفنية التي كان لها أثر إيجابي إلى حدٍ ما.

- ما تأثير وجودك في صور على موهبتك؟
إذا ما ذكرتُ صور العفيّة، لابد أن يُذكر الفن والفنانين، وسرعان ما أذهب في عالم جميل لا يضاهيه عالم، حيث الأشرعة، وارتطام الأمواج الصغيرة بالسفن الراسية في "الخور"، ورائحة البحر التي تروي قصص الأولين، نحن في صور، نستذكِرُ عاشق العفية، وآخر الفينيقين، الشاعر الأديب ناصر بن علي البلال، لما له من دور بارز في استنهاض الجمال والتركيز على معاني الفن من خلال لوحاته الشعرية الرائعة، وإذا ما أتينا للغوص في أعماق الموسيقى الممارسة في هذه المدينة الحالمة، سنجد أنها تنام على آلاف الجمل اللحنية الموروثة، مما يساهم في إثراء المهتم بهذا الجانب الثقافي الجميل.

- تخرّج من صور العفيّة أسماء فنية على مدار التاريخ كيف يمكن الاستفادة من هذا الإرث الفني؟
الناظر في الأسماء الفنية الغنائية تحديداً أمثال الفنان الراحل حمد حليس السناني وهو عميد الفنانين وعرابهم والفنان الراحل سالم راشد الهاشمي الصوري وهو من قدّم الفكر التوثيقي للأغنية من خلال شركته التي أسسها في الهند بمسمى سالم فون والفنان الراحل حمد راشد الغيلاني الصوري وهو أحد أمهر عازفي العود في عصره والفنان الراحل علي محمد المرزوقي وهو الأكاديمي الوحيد والملقب بمطرب الحب والأحباب وكان أصغرهم حينها، هؤلاء هم الرعيل الأول وأتى بعدهم عدد كبير من الفنانين أمثال عبدالله المرزوقي وعوض حليس ومطر حارب ومحمد المقيمي وصالح الناحل وخميس السناني وعبدالله الصفراوي، وكان لهم حضورهم الإعلامي وساهموا في إحياء الحفلات الفنية التي كان لها الدور الأبرز في شحذ الهمة واللُحمة الوطنية إبان مطلع السبعينات، وقد ظهر من بعدهم أعداد مضاعفة من الفنانين الذين استفادوا من هذا الإرث الثقافي الكبير من ألحان وأغاني مثل الفنان محمد المخيني وسالم العريمي ومنذر الجنيبي وعبدالمنعم الفارسي.

-ماهو اول عمل غنائي قدمته وتم تصويره تلفزيونيا؟
أول أعمالي الغنائية المصورة تلفزيونياً كانت أغنية "عشيقة المجد" أو كما أحب الجمهور تسميتها "فينيق" وهي من كلمات الأديب الراحل ناصر بن علي البلال وكانت هي القصيدة الوحيدة التي تُغنّى في مجال الأغاني الفردية وأخرجها المخرج سعيد بن ناصر المالكي وتم تنفيذ هذا العمل في استوديو الأهرام في عام 1994 وكانت من توزيع الموسيقار أنور الحريري.

- إنتاج العمل الغنائي اليوم أصبح مكلفا حدثنا عن بعض هذه التكاليف التي يتكبدها الفنان.
ساضرب لك مثال عن تكاليف إنتاج أغنية عشيقة المجد في عام 1994 حيث بلغت تكلفة الأغنية حدود 3.250 ريال مع التصوير، وإذا ما قارنتها بأغنية "وحدة المصير" التي قدمتها كإهداء لشعب الإمارات الشقيق في احتفالاتهم بعيدهم الوطني عام 2014 فقد بلغت تكلفة الأغنية 29.000 ألف ريال مع التصوير، علماً بأنها أقصر من أغنية عشيقة المجد من حيث الزمن !! ، بعد هذا المثال أود أن أتحدث بمبدأ التأكيد، على أن تنفيذ الأغنية لا يعرف فنان في بداياته أو فنان مشهور، حيث أن الموزع الممتاز والفرقة الممتازة والأستوديو الذي يمتلك معدات ممتازة، جميعهم لهم أسعار عالية التكاليف، وهذا يعود إلى الجودة العالية التي وصلت إليها أجهزة التنفيذ والأفكار المساهمة في نجاح أي فنان، لذلك يجب أن يتم الالتفات من قبل الجهات المختصة وأخص بالذكر الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون بأن تراعي الفنان العماني من حيث تمييزه عن باقي الفنانين العرب الذين يقدمون أعمالهم للبث الإذاعي.

- المشاركة في المهرجانات الغنائية حلم كل فنان كيف كان حضورك فيها؟
لقد حظيت بالعديد من المشاركات الداخلية والخارجية، وكان من أبرزها المشاركة في أوبريت "الحلم العربي" الذي تناول القضية العربية مع الكيان الصهيوني الغاشم وتعديه على الحقوق والأعراف الدولية، وكان لهذه المشاركة الأثر الإيجابي الكبير الذي ساهم في انتشار إسمي نوعاً ما على المستوى العربي، وكانت لي عدة مشاركات في مهرجان الأغنية العربية الذي تنظمه جامعة الدول العربية متمثلة في الهيئة العامة لإتحاد إذاعات الدول العربية.

- كثير من الفنانين الرواد كان لهم عتب على مهرجان الأغنية العمانية،ماذا تقول عن هذا العتب؟
إن التجاهل يولد أكثر من العتب أحياناً، إلا أنني أنظر لهذا العتب النابع من المصلحة الوطنية، وهو يأتي في إطار "عتب المحب"، حيث أن مهرجان الأغنية العمانية بدء بانطلاقة مميزة سابقاً لعصره، ولكن كما يقال "يا فرحة ما تمت" فسرعان ما بدأ ذاك المهرجان (اكرر ذاك المهرجان) لغيابه المادي والمعنوي خلال العشر سنوات الأخيرة، حيث اضمحل من كونه تظاهرة غنائية رفيعة المستوى إلى مجرد برنامج، لذلك أرى أن النجاح الحقيقي لمثل هذه المهرجانات يأتي في تحقيق الهدف الأسمى، وهو وضع مشروع استراتيجية حقيقة لمسار الأغنية العمانية، من مغني وملحن وشاعر غنائي وموزع موسيقي ومهندس صوت وتكوين فرقة موسيقية مصاحبة للفنانين متى ما احتاج الأمر لذلك.

- هناك من يقول ان الفن موهبة أولا، وآخر يقول بل هو دراسة وصقل، ما رأيك؟
الفن في عمومه يبدأ كموهبة وإذا ما وجدت الاهتمام والتطوّر لدى صاحبها لا ضير من تتويجها بالدراسة، من خلال المعاهد المتخصصة التي ستساهم في تطوير ذاك الفنان، وهذا الامر ينطبق على مختلف المجالات الفنية، وبطبيعة الحال اذا أمعنّا النظر في مسيرة كبار الفنانين في المجال الموسيقي "الغناء" تحديداً سنجد أن الموهبة هي التي لازمت صاحبها وأظهرته وجعلت منه ذاك الرمز الذي تهفوا إليه القلوب والعواطف، وهناك العديد من الأمثلة منها، موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب، وهناك كوكب الشرق أم كلثوم فلم يذكر في تاريخها الحافل أنها درست الموسيقى، والأمثلة كثيرة، ولا يوجد فرق بين المواهب متى ما ظهرت ونبغت، إلا أن الاهتمام والصقل والممارسة هي المفتاح الرئيسي للنجاح والوصول إلى المستوى الأفضل، وهذا لا يعني بعدم أهمية الدراسة التخصصية، خصوصاً إذا ما كان من أهداف ذلك الفنان أن يقدم هذا العلم بشكله العلمي فقط ، دون الخوض في مجال الممارسة الفنية على أرض الواقع.

- هل أنت مع التخصص المهني للفنان الناجح؟
عملت في عدة مجالات وظيفية، منها ما ليس له علاقة بالمجال الغنائي كعملي في ما يسمى سابقاً بوزارة الكهرباء والمياه، وبعدها تشرفت بالالتحاق للفرقة السلطانية الأولى للموسيقى والفنون الشعبية، وبعدها انتقلت مشرفاً للنشاط الموسيقي في جامعة السلطان قابوس وكنت أول عماني يشغل هذا المنصب بعد مرور خمسة عشر عاماً على إفتتاح الجامعة، التخصص المهني بشكل عام هو ما يساهم في نجاح المؤسسة، وبالتالي سيعود بالنفع على البلاد والعباد.

-كيف تقرأ مستقبل الأغنية العمانية؟
إن مستقبل الأغنية العمانية مرتبط بظهورها المتواضع والتقوقع على نفسها، وهذا أمر مؤسف قياساَ لما تحقق في السنوات الفائتة، وبعد أن قدم قفزات شهد لها القاصي والداني، ويعود السبب الرئيسي في ذلك هو عودة المشهد المؤسسي إلى تحوير المسارات التي كان لها أن تستمر وترتقي إلى مزيداً من النجاحات، كذلك يعود إلى عدم الاحتفاظ بما تم إنجازه في المراحل السابقة من تطور واهتمام وضع الأغنية العمانية (مغني وملحن وشاعر غنائي) في المقدمة.

-الا ترى ان هذه الوصف فيه شيء من المبالغة مع وصف القادم بالسلبية واليأس؟
قد يعتبر البعض أنني أبالغ في حديثي هذا، ولنعتبر أن هذا الرأي المبالغ فيه أتى نتيجة للنظر من زاويتي الضيقة، ولنقم بتقييم ما يحدث الآن لخدمة الأغنية العمانية، سنجد بأن هناك الكثير من الأسباب التي تستدعي هذه النظرة المبالغة، ومن ضمنها على سبيل المثال لا الحصر هدم مسرح التراث وازالته، رغم انه كان متنفسا للفنانين لتقديم احتفالاتهم السنوية، وعدم تفعيل البرامج التلفزيونية التي تهتم باستضافة الفنانين العمانيين "المرموقين" ومد خطوط التواصل بينهم وبين الجمهور، وكذلك عدم اهتمام القائمين على البرامج التلفزيونية والإذاعية في تسجيل جلسات غنائية للفنانين العمانيين، الأمر الذي يقتل الذائقة لدى الجمهور، بالاضافة الى اتجاه ادارة مهرجان مسقط للبحث عن الارخص كلفة من الفنانين العمانيين وهم الاسماء الناشئة بحجة الموازنات المالية، والسعي الدائم لإحضار الاغلى كلفة من الفنانين العرب، رغم ان البعض منهم غير معروف ويعرّف من خلال عُمان.

-لك حضورك المميز في الجمعية العمانية لهواة العود كيف ترى مخرجات هذه الجمعية؟
إن الجمعية أتت لتهتم بآلة العود التي تمثل المعنى الحقيقي للموسيقى العربية، ونظراً للفكر الحكيم السامي لمولانا حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم -أبقاه الله-، في تأسيس قاعدة تثقيفية رصينة لمختلف المجالات الموسيقية، فهناك الموسيقى الشرقية والموسيقى الغربية والفنون التقليدية، وهذا الأمر يجعلنا فخورين ونتباهى بمقدراتنا الفنية التي ستساهم في خلق الأجواء الابداعية يوماً ما، مما سينعكس إيجاباً على الأجيال المقبلة؛ تعمل هذه الجمعية الفتية بكل جد واجتهاد، ودائماً ما تسعى لتقديم كل ما هو جديد في مجالها التخصصي، كما أنها حرصت على احتضان معظم المجالات الموسيقية وتقديم يد العون لهم من خلال إشراكهم في بعض الفعاليات التي تمت.

-هل أبناءك لديهم موهبة الغناء وما نصيحتك لهم وللشباب المبتدأ في الموسيقى؟
جميع أبنائي متذوقين للموسيقى ولديهم حس إدراكي حول تمييز الغث من السمين، ويوجد من بينهم عازف عود جيد وهو الأبن الأوسط راكان حيث لديه الإمكانيات المميزة التي ستجعل منه عازفاً مميزاً يوما ما، أما سلطان وهو الكبير فقد شاركني التصوير في أغانيي الوطنية وهو متذوق من الطراز الأول للموسيقى، إلا أن اتجاهه للعلوم الفيزيائية أكثر من الجانب الموسيقي، أصغرهم سعود ولديه خامة صوت رائعة جداً إلا أنني لم أوليه ذاك الاهتمام بعد، فربما يكون له حضور بشكل ما في المستقبل، نصيحتي لكل من لديهم مواهب وهم في سن مبكرة أن يهتموا بدراستهم أولاً، ولا ضرر في أن يتركوا العنان لمواهبهم أن تنطلق لما فيه الخير لبلدهم.

- أصبح الكثير من الفنانين ينتظرون جمعية تضمهم، هل هناك خطوات عملية؟
من هذا المنطلق، يجتمع الآن عدد كبير من الغنائيين يتجاوز عددهم 120 فنانا تحت مسمى ملتقى عمان للأغنية، وذلك من خلال موقع التواصل الاجتماعي، يلتقون من خلاله في مواضيع تختص بالشأن الغنائي فقط، وقد اتفقوا على بعض الأهداف التي ستساهم في الارتقاء بالأغنية العمانية وبمثلثها الفني المعروف، ومن أهم ما تم الاتفاق عليه هو المطالبة بإشهار جمعية تعنى بالأغنية العمانية، وحالياً يتم العمل على تحقيق هذا الهدف والوصول به إلى مرحلة الإشهار.