
سألتُ أحد الزملاء من سكان الخوض بمحافظة مسقط ويعمل في جهة ما بمرتفعات المطار عن مقدار الوقت الذي يقضيه في الشارع السريع ليصل إلى مقر عمله والعودة إلى منزله كل يوم. أجاب: "أكثر من 4 ساعات في أوقات الذروة".
في الواقع، فاجأتني إجابته فعُدتُ أسأله مجدداً: "ذلك أنك تقضي نصف ساعات العمل في الشارع، أليس كذلك؟" فعقَّب قائلاً: إنه عند خروجه من المنزل في السابعة صباحاً يصل إلى مقر العمل في التاسعة، وعند خروجه في حدود الرابعة يصل إلى المنزل في السادسة والنصف تقريباً، وهكذا دواليك. وأضاف: "أما يوم الخميس فحدث ولا حرج، فالكل والجميع عائدون إلى ديارهم في المحافظات، والطريق السريع يتحول إلى ساحة لزحف السلاحف الحديدية، والتشبيه بالسلاحف يكفي ويشير إلى المعنى المقصود".
هنا فإن الأمر يتطلب البحث عن حلول تقنية سريعة لتسهيل الحركة المرورية في أوقات الذروة صباحاً إلى مسقط في اتجاه واحد بدلاً من اتجاهين، عبر إقامة بوابات تُقام على المداخل وإشارات مرور في التقاطعات، إضافةً إلى تنبيهات تحضُّ الراغبين في الخروج من مسقط بالتَّوجه إلى طريق السلطان قابوس باتجاهين كالمعتاد؛ لأنَّ الحركة المرورية في الصباح والمساء في الشارع السريع تكاد لا تُطاق أبداً.
وهذا كحل مؤقت إلى أن تَفرجَ الأمور بتنفيذ توسعة الطريق؛ الأمر الذي يتطلب من الجهات الحكومية المختصة دراسة مثل هذه المقترحات والاستفادة من التجارب الدولية في هذا الشأن؛ ذلك أن الواقع الآن لم يعد يحتمل، وأصبح الوصول إلى مقارِّ العمل والعودة إلى المنازل معضلة حقيقية، وتضاعفت أوقات الدوام بعد احتساب ساعات البقاء في الشوارع المكتظة، وذلك يمثل إضاعةً لجهد العاملين تؤثر سلباً وحتماً على مستوى حضورهم الذهني في العمل، وما يعنيه ذلك من تراجع مستوى فاعلية العامل.
وحقيقةً أنَّ الاختناقات المرورية التي يَموج بها شارع مسقط السريع في ساعات الذروة، تتطلب استحضار حلول تكنولوجية وهندسية وعلى وجه السرعة ليتم تبنيها والعمل بها تماماً كما يحدث في كل المدن الكبرى حول العالم، والتي تنظِّم الازدحامات المرورية بإقامة بوابات تُغلِق الطرق في أحد الاتجاهات لجعل الحركة أكثر انسيابية على المسارين وفي اتجاه واحد. فالمسارات العكسية تقوم على فلسفة تطويع الاتجاهات بما يتناسب مع نبض وحيوية الحركة المرورية.
فبدلاً من أن تظل نصف مسارات الطريق السريع شبه خالية من المركبات في اتجاه الخروج من مسقط، بينما يختنق الاتجاه المقابل الداخل إليها بآلاف السيارات، هنا فإنَّ تطويع هندسة المرور الذكية لإعادة توجيه المسارات مؤقتاً لصالح الاتجاه الأكثر كثافة هو الخيارُ الأولُ بالإتباع. وبالتالي يمكن إيجاد حلولٍ لساعات الذروة التي تسهم في إضاعة أوقات الموظفين وأصحاب الأعمال في الشوارع، خاصةً في أوقات الذروة التي أصبحت مشكلة مزمنة يعاني منها الكل ويُحسب لها ألف حساب.
إن تطبيق هذا النظام في مسقط، وتحديداً في المسافة الفاصلة بين المعبيلة والقرم، يتطلب تجاوز النظرة التقليدية لتخطيط الطرق نحو آفاق الرقمنة المرورية. فالحل إذن يكمن في منظومة متكاملة من البوابات واللوحات الإرشادية الضوئية والحواجز الآلية التي تعمل بتناغم مع غرف التحكم، لتوجيه السائقين بوضوح وأمان تام.
وهناك تجارب كثيرة في دول مثل أستراليا ونيوزيلندا وكندا، تم اعتماد أنظمة المسارات العكسية المزوَّدة ببوابات تنظيم الدخول (Traffic Gates) كحل عملي لزيادة سعة الطرق دون توسعات إنشائية، حيث تُستخدم بوابات إلكترونية وإشارات رقمية فوقية للتحكم بفتح أو إغلاق مسارات محددة وتوجيه المركبات خلال ساعات الذروة، مثل جسر ميناء سيدني (Sydney Harbour Bridge) وجسر أوكلاند في نيوزيلندا، حيث تتحول المسارات المركزية تلقائياً عبر بوابات تُدار من غرفة تحكم مركزية. كما طبَّقت الولايات المتحدة الأمريكية النموذجَ ذاته في جسور وطرق مثل جسر البوابة الذهبية (Golden Gate Bridge)، حيث تُفتَح أو تُغلَق المسارات وفق الطلب المروري وتدعمها حواجز متحركة لضمان السلامة.
فهذه التجارب تُعدُّ الأقرب لنموذج "البوابات" للطريق السريع لحلحلة الحركة المرورية في أوقات الذروة، لكونها تعتمد على فلسفة توجيه انسياب الحركة إلى أن تتم توسعة الطريق أو الاكتفاء بهذه التقنيات. ومن شأن هذه الخطوة أن تساهم في اختصار الوقت الضائع، وإيجاد حلول كثيرة وسريعة ليكون الشارع أكثر انسيابية وأماناً ليتماشى مع ذروة الحركة الصباحية والمسائية، من خلال استثمار التكنولوجيا في إدارة تنظيم الدخول والخروج من مسقط في ساعات الذروة.
نأمل من الجهات المختصة أن تبادر إلى معالجة المعضلات المزمنة لهذا الشارع الذي أصاب الناس بالضِّيق، وإنهاء معاناة الناس وكتابة النهاية لآلامهم وأوجاعهم التي يعانون منها صباحَ وعصرَ كل يوم جديد.
علي بن راشد المطاعني