مسقط - الشبيبة
أجرى الدكتور أحمد المطاعني - نائب العميد للدراسات العامة والبرنامج التأسيسي بالكلية الحديثة للتجارة و العلوم حوارا صحفيا حول تطوير المجلات العلمية في سلطنة عُمان وإلي نص الحوار..
س: ما الذي يمثله الملتقى الوطني الأول للمجلات العلمية المحكمة لمسار البحث العلمي في سلطنة عُمان؟
يمثل هذا الملتقى محطة وطنية مهمة في مسار تطوير منظومة البحث العلمي في السلطنة، إذ يجمع ولأول مرة مؤسسات التعليم العالي وهيئات التحرير ودور النشر الأكاديمية تحت مظلة واحدة لمناقشة واقع النشر العلمي وسبل الارتقاء به. ويأتي انعقاد الملتقى في وقتٍ يشهد فيه البحث العلمي نموًا متزايدًا؛ حيث أشار تقرير وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار لعام 2025 (Oman Whitepaper) إلى ارتفاع عدد المنشورات البحثية في مؤسسات التعليم العالي بنسبة 36.9% خلال عام 2024 مقارنة بالعام السابق، وهو مؤشر على تطور بيئة البحث في عُمان. و مثل هذا الملتقى يسهم في وضع أسس واضحة للجودة والتحكيم العلمي والشفافية التحريرية، بما يتماشى مع توجهات رؤية عمان 2040 التي تؤكد على بناء منظومة بحث وابتكار قادرة على دعم التنمية المستدامة والاقتصاد القائم على المعرفة
.
س: ما أبرز التحديات التي يواجهها الباحثون وهيئات التحرير في مجال النشر الأكاديمي؟
تواجه المجلات المحكمة والباحثون في سلطنة عُمان مجموعة من التحديات المتشابكة. أبرزها محدودية الفهرسة الدولية للمجلات المحلية، إذ لا تزال نسبة قليلة منها مدرجة في قواعد البيانات العالمية مثل سكوبس (Scopus) وويب أوف ساينس (Web of Science). كما يُعد نقص التدريب في مهارات الكتابة الأكاديمية والتحكيم من أبرز الصعوبات التي تواجه الباحثين الشباب، وهو ما أكدته الدراسات المنشورة التي أشارت إلى أن غياب التدريب المنتظم على الكتابة العلمية من بين الأسباب الرئيسة لانخفاض معدلات النشر الدولي. إضافة إلى ذلك، يبرز تحدي التحول الرقمي في النشر، إذ لا تزال بعض المجلات تعتمد على أنظمة تقليدية رغم أن النشر الإلكتروني المفتوح أصبح معيارًا عالميًا. كما تمثل الاستدامة المالية والإدارية عاملًا مهمًا في ضمان استمرارية المجلات ودوريتها وجودتها.
س: في رأيكم، ما مدى أهمية إدراج المجلات العُمانية في قواعد البيانات العالمية المرموقة؟
إدراج المجلات العُمانية في قواعد البيانات العالمية مثل سكوبس وويب أوف ساينس ليس مجرد إنجاز رمزي، بل هو انعكاس مباشر لجودة النشر والتحكيم الأكاديمي. فالفهرسة الدولية تتيح للأبحاث المنشورة في السلطنة الوصول إلى جمهور عالمي من الباحثين، وترفع من معدلات الاستشهاد بها، مما يعزز التصنيف الأكاديمي للمؤسسات التعليمية العُمانية. وبحسب بيانات Scimago لعام 2023، تأتي سلطنة عمان ضمن الدول العربية العشر الأولى من حيث معدل النمو في النشر العلمي خلال العقد الأخير، وهو مؤشر على أن البيئة البحثية الوطنية مؤهلة للتوسع في مجال النشر المفهرس دوليًا. ومع ذلك، و أن الفهرسة ليست هدفًا في حد ذاتها، بل نتيجة لمسار تطويري طويل يشمل الجودة التحريرية، ودورية الإصدار، والالتزام بالمعايير الأخلاقية والعلمية للنشر.
س: كيف ترون العلاقة بين المجلات العلمية المحكمة ورؤية عمان 2040 في مجالات الابتكار والتنمية المستدامة؟
العلاقة بين المجلات المحكمة ورؤية عمان 2040 علاقة تكاملية وأساسية في آنٍ واحد. فالرؤية تضع التعليم والبحث والابتكار في صميم التنمية الوطنية، والمجلات المحكمة هي الأداة التي تحوّل نتائج الأبحاث إلى معرفة موثوقة يمكن البناء عليها في صياغة السياسات العامة وخطط التنمية. وتشير تقارير الوزارة إلى أن المشاريع البحثية ذات الطابع التطبيقي شهدت زيادة تقدر بنحو 20% خلال السنوات الخمس الأخيرة، وهو ما يعكس التوجه نحو ربط البحث العلمي بالقطاعات الاقتصادية الحيوية مثل الطاقة المتجددة، والصحة، والذكاء الاصطناعي، والأمن الغذائي. ويرى المطاعني أن المجلات المحكمة تمثل الوعاء الذي يُترجم فيه هذا الجهد البحثي إلى إنتاج معرفي يخدم أولويات الدولة، ويعزز التكامل بين الجامعات والقطاعين العام والخاص في دعم الابتكار والتنمية المستدامة.
س: من وجهة نظركم كباحثين، ما الخطوات العملية التي يجب التركيز عليها لتطوير بيئة النشر العلمي في عُمان؟
تطوير بيئة النشر العلمي في السلطنة يتطلب تكامل الجهود المؤسسية ووضع سياسات واضحة تضمن الجودة والاستدامة. أولًا، يجب إنشاء منصة وطنية موحدة للمجلات العُمانية المحكمة تحت إشراف وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، تُعنى بتوحيد المعايير والإجراءات التحريرية. ثانيًا، ينبغي إطلاق برامج تدريب وطنية دورية للمحررين والمحكمين والباحثين في مجالات الكتابة الأكاديمية والتحكيم العلمي والتحول الرقمي. ثالثًا، لابد من تبنّي التحول الرقمي الكامل في عمليات النشر، باستخدام معرفات رقمية مثل DOI وORCID، لضمان التوثيق والشفافية. إضافة إلى ذلك، يرى المطاعني أن تعزيز الشراكات الإقليمية والدولية مع دور النشر والجامعات المرموقة، وتشجيع النشر باللغتين العربية والإنجليزية، سيمنح المجلات العُمانية حضورًا أوسع ويزيد من فرصها في الفهرسة والاعتراف الدولي. و بالتأكيد على أن المجلات المحكمة هي الركيزة الأساسية لمنظومة البحث العلمي في عُمان، وأن تطويرها المستمر هو مفتاح تعزيز مكانة السلطنة في المشهد الأكاديمي العربي والدولي.
وفي السياق نفسه أجرت الدكتورة عائشة العريمية – مساعدة الرئيس – قسم الاقتصاد وإدارة الأعمال – وحدة البرامج العربية بالكلية الحديثة للتجارة والعلوم حوارا صحفيا ايضا حول تطوير المجلات العلمية في سلطنة عُمان وإلى نص الحوار..
س: كيف ترون دور المجلات العلمية المحكمة في تعزيز جودة البحث العلمي وضمان مصداقيته؟
إن المجلات العلمية المحكمة تمثل الركيزة الأساسية لبناء منظومة بحثية رصينة ومؤثرة، فهي الأداة التي تضمن جودة النشر ومصداقية النتائج العلمية من خلال التحكيم المزدوج والالتزام بمعايير النزاهة الأكاديمية. هذه المجلات ليست مجرد وسيلة للنشر، بل هي مساحة لتبادل المعرفة بين الباحثين، وإطار لضبط المعايير الأخلاقية والمنهجية في البحث العلمي. فكلما ارتقت المجلات بمعاييرها التحريرية والتحكيمية، ارتفع مستوى البحث العلمي في مؤسساتنا، وانعكس ذلك على تصنيفها وسمعتها الأكاديمية.
ان سلطنة عُمان تشهد نموًا في عدد المجلات المحكمة الصادرة عن الجامعات والكليات، إلا أن عدد المجلات المفهرسة دوليًا لا يزال محدودًا، مما يتطلب جهودًا مؤسسية لتعزيز جودة النشر والتحكيم وفق المعايير العالمية. لذلكز فان دعم هذا القطاع وتطويره يمثل خطوة أساسية نحو تعزيز الثقة في الإنتاج البحثي الوطني على المستويين الإقليمي والدولي.
س: كيف يمكن للملتقى أن يساهم في وضع سلطنة عُمان على خارطة البحث العلمي العالمية؟
يأتي الملتقى الوطني الأول للمجلات العلمية المحكمة في وقت تشهد فيه السلطنة نموًا مستقرًا في الإنتاج البحثي المفهرس عالميًا، ويهدف إلى توحيد الجهود الوطنية بين الجامعات وهيئات التحرير ودور النشر لرفع جودة المجلات وتأهيلها للانضمام إلى قواعد البيانات العالمية.
ويسعى الملتقى إلى وضع خارطة طريق وطنية لتطوير المجلات العلمية العُمانية، من خلال رفع كفاءة التحكيم العلمي، واعتماد النشر المفتوح، والتحول الرقمي في إدارة المجلات. وبنسجم هذا الجهد مع رؤية عُمان 2040 التي تضع البحث العلمي والابتكار ضمن ركائزها الأساسية، بالاضافة الى ذلك، فان تطوير منظومة النشر الأكاديمي في السلطنة سيكون له أثر مباشر في رفع تصنيف مؤسسات التعليم العالي وتعزيز مكانة عُمان في مؤشرات البحث الإقليمي والدولي.
س: ما الدور الذي يمكن أن يلعبه هذا الملتقى في دعم الباحثين الشباب وطلبة الدراسات العليا؟
من أبرز أهداف الملتقى دعم وتمكين الباحثين الشباب وطلبة الدراسات العليا، من خلال توفير فرص تدريب وتوجيه علمي في مجالات النشر والتحكيم الأكاديمي. فسيوفر الملتقى ورش عمل تطبيقية ومنصات حوارية تساعد الباحثين على فهم عملية النشر العلمي من إعداد الورقة البحثية وحتى القبول للنشر، مع التركيز على تجنب الأخطاء المنهجية والالتزام بأخلاقيات البحث.
و ستسهم هذه الجهود في تعزيز مهارات الباحثين الشباب وبناء ثقتهم العلمية، مما يمكّنهم من المشاركة الفاعلة في الإنتاج البحثي الدولي. ان بناء قدرات الجيل الجديد من الباحثين هو استثمار حقيقي في رأس المال البشري الوطني، ويتماشى مع توجهات السلطنة نحو اقتصاد قائم على المعرفة والابتكار.
س: ما الذي يميز هذا الملتقى عن غيره من الفعاليات الأكاديمية على المستوى المحلي والإقليمي؟
ما يميز هذا الملتقى هو شموليته وتكامله، فهو الأول من نوعه في السلطنة المخصص بالكامل للمجلات العلمية المحكمة، ويُنظَّم بالشراكة بين الكلية الحديثة للتجارة والعلوم ووزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار.
فالملتقى لا يقتصر على النقاشات النظرية، بل يقدم حلولًا عملية ومخرجات تطبيقية في مجالات مثل التحول الرقمي في النشر الأكاديمي، وضمان الجودة، والحوكمة التحريرية، واستدامة المجلات المحلية. كما يضم الملتقى معرضًا للمجلات العُمانية وورش عمل متخصصة يقدمها خبراء من داخل السلطنة وخارجها، مما يمنحه طابعًا تطبيقيًا مميزًا يسهم في ترسيخ مكانة عُمان كبيئة حاضنة للنشر الأكاديمي الموثوق ومركزًا إقليميًا للنشر العلمي المسؤول.
س: ما رسالتكم للمجتمع الأكاديمي والمشاركين في هذا الملتقى حول المستقبل الذي نطمح إليه للمجلات العلمية المحكمة في السلطنة؟
إن مستقبل المجلات العلمية المحكمة في سلطنة عُمان واعد ومشرق، إذا ما استمرت الجهود التعاونية بين مؤسسات التعليم العالي والجهات الإشرافية المعنية. فنحن اليوم بحاجة إلى الانتقال من الكم إلى النوع، ومن المحلية إلى الإقليمية والعالمية، عبر بناء منظومة حوكمة واضحة تضمن الاستدامة والجودة.
إن الطموح الوطني يتمثل في مضاعفة عدد المجلات العُمانية المفهرسة دوليًا خلال السنوات الخمس القادمة، وأن ترى السلطنة بعض مجلاتها ضمن أفضل المجلات العربية، مدعومةً بكفاءات تحريرية وطنية وأنظمة تحكيم إلكترونية متقدمة.
وآخراً وليس اخيرا، فإن المجلات المحكمة هي المرآة التي تعكس نضج البحث العلمي في السلطنة، والارتقاء بها مسؤولية وطنية تسهم في ترسيخ مكانة عُمان العلمية والبحثية في الإقليم والعالم.