علي المطاعني يكتب: التغيير يبدأ من الذات...

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ٢٠/مايو/٢٠٢٥ ١٥:٣٥ م
علي المطاعني يكتب: التغيير يبدأ من الذات...
علي بن راشد المطاعني
في الوقت الذي تشهد فيه سلطنة عُمان تحوّلات اقتصادية واجتماعية عميقة، ومرسومة في إطار رؤية "عُمان 2040"، وتتسارع الخطى في أجهزة الدولة نحو البناء والتشييد والتسابق والتطور نحو الأفضل في سباق مع الزمن، لا يزال البعض يتعامل مع هذه التحولات وكأنها لا تعنيه، أو كأنها لا تمسّ واقعه الشخصي، متشبثًا بمنطق القنوط القائل:
"انتظروا أن يتغير كل شيء من حولكم... دون أن تُغيّروا في أنفسكم شيئًا".
متناسين قول الله عز وجل في الآية الكريمة رقم 53 من سورة الأنفال (ذَلِكَ بِأَنَّ اللّهَ لَمْ يَكُ مُغَيِّرًا نِّعْمَةً أَنْعَمَهَا عَلَى قَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنفُسِهِمْ وَأَنَّ اللّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ).. صدق الله العظيم.
وباعتبار أن الآية الكريمة تعدّ الحدّ الفاصل ما بين ما هو موجود وقائم وبين أرتال الأماني والأمنيات القادمة رغدا من كل مكان.
 كما أنهم -وفي سباحتهم المخملية عكس تيار الواقع- يتناسون مع سبق الإصرار والترصد حقيقة أن التحولات عميقة الجذور في الأوطان والدول ولا تصنعها التشريعات والقوانين مهما كان مستوى تماسكها وكمالها البشري، بل يصنعها الأفراد الذين يوقنون ويؤمنون بحقيقة أن التغيير للأفضل يبدأ انطلاقا من استيعابهم لمفهوم ومدلول ومغزى الآية الكريمة أعلاه، وأن الوطن والأوطان لا يُبنى ولا تُبنى بالأمنيات الطيبة الحالمة، بل بالبذل والكفاح والمشقة، وبالفكر المتقد والمتوهج والميمّم وجهه شطر الشمس في كبد السماء.
فاليوم نحن نقف وجهًا لوجه أمام حقيقة أن نكون على رصيف المتغيرات ننظر ونبتسم ببلاهة ونراها أمام أعيننا تأتي كل يوم بجديد وعجيب وغريب، أو أن نكون جزءًا فاعلًا فيها نوجهها ونشارك في صناعتها من خلال تغيير ما بأنفسنا بادئ الأمر.
وبالتالي فإن التغيير الحقيقي لا يبدأ من الخارج محمولا على أجنحة الأحلام الوردية بل من الداخل ومن نخاع العظام، ويأتي من الفرد قبل الجماعة، من طريقة تفكيره، ومستوى رغبته الصادقة في التطور، واستعداده بكامل الإيمان للتخلي عن الأساليب القديمة التي لم تعد تتناسب مع عصر يتغير كل يوم، عصر المعلوماتية والقرية الكونية الصغيرة.
على ذلك من الخطأ الاعتقاد بأن الظروف ستتحسن من تلقاء نفسها، أو أن العالم من حولنا سيأتي إلينا ونحن نيام بمزايا إضافية أو فرص ذهبية أوفر وأكثر بريقا، ذلك لن يحدث ولن يكون أبدا، فكل المؤشرات الاقتصادية الإقليمية منها والعالمية تدل على أن القادم أكثر ضراوة وأمضى سيفًا وأشمل تحدّيًا، وأن من لا يتكيف مع الواقع سيتجاوزه الزمن ببساطة، وبعدها يكون الندم وعلى الوجنات تسيح دموعه الثقال.
العالم الآن وفي التو وفي اللحظة يعيد تشكيل نفسه بعد الأزمات المتلاحقة التي مرّ بها في العقد الأخير، وكما نرى فإن التقنيات تتغيّر بسرعة مذهلة، وسوق العمل يعيد ترتيب أولوياته من تلقاء ذاته، فارضًا جناحيه على واقعنا عبر جدلية صارمة وهي أن نكون أو لا نكون.
وإذا أردنا أن نضرب الأمثلة والنماذج نستنطقها على سبيل المثال، فلا جدوى من انتظار تحسن الوضع الاقتصادي من تلقاء ذاته بينما البعض لا يريد أن يخرج من دائرة الاعتماد على دخل واحد، ويرفض بناء عليه حتى فكرة المبادرة أو التدريب أو التحول إلى العمل الحر بكل تحدّياته وشراسته التي لا تعرف معنى الرحمة ثم كيف نطالب ببيئة عمل أكثر احترافية ونحن لا نلتزم بالأساسيات مثل الحضور بصرامة في الوقت المعلوم، أو إعلاء شأن معايير الجودة والتعلم الذاتي أملا في الحصول على مهارات جديدة تخطف الأبصار؟..
هذه ليست شعارات ذات ألوان جذابة كقوس قزح عندما يهلّ ويطلّ في كبد السّماء في الأيام الممطرة، بل هي حقائق دامغة أثبتتها تجارب الشعوب التي نهضت وسمقت ويشار إليها الآن بالبنان.
فماليزيا لم تكن لتنهض لولا تغيير طريقة تفكير المواطن الماليزي تجاه العمل والإنتاج، ولم تحقق رواندا المعجزة الاقتصادية إلا عندما قرر الناس هناك استهلال التغيير من أنفسهم، من قراهم ومدارسهم وأسلوبهم في الحياة.
أما نحن، فما زال بعضنا يظن ويعتقد بأن التغيير ينبغي أن يكلف نفسه عناء الوصول إلينا لسواد عيوننا وجمالها الأخاذ لا أن نسعى نحن إليه.
إن مواجهة المتغيرات لا تعني الخوف منها ومن ثم تفضيل الانغلاق والانكفاء، بل تعني أن نكون أكثر وعيًا بأننا جزء من هذا العالم المتحرك، وأننا إذا لم نتحرك معه، فسنتخلف عنه، وإن تخلفنا عنه فعلينا السلام.
ولنا أن ندرك أيضًا أن الوظيفة لم تعد مجرد كرسي ومكتب وراتب نتقاضاه آخر الشهر، بل هي مسؤولية، ومهارة، وتطوير ذاتي مستمر، وإيجاد قيمة مضافة حقيقية، وهذا لا يتحقق إلا حين نبدأ بالتغيير من أنفسنا، لا بانتظار ما تفعله الدولة أو المؤسسة أو السوق.
في الحقيقة، لا توجد دولة في العالم قادرة على تطوير كل شيء إنابة عن المواطن، فالدور مشترك، والمستقبل لن يصنعه المتردّدون الخائفون الوجلون، بل يصنعه أولئك الذين يؤمنون أن الوطن لا يُبنى بالأمنيات، بل بالجهد، وبالقرار الداخلي الذي يقول: "سأكون جزءًا من الحل... لا جزءًا من المشكلة".
نأمل بوعي متجدّد وإرادة صادقة، أن نكون ممن يبدأون بأنفسهم، فيسهمون بفاعلية في التغيير، ويسيرون بثقة على درب وركب التطور.