كاتب أردني: الأطفال العمانيون الباحثون عن المعرفة لديهم استعداد للدخول في حوار عميق حول أفكار فلسفية

مزاج الاثنين ١٩/مايو/٢٠٢٥ ١٥:٤٦ م
كاتب أردني: الأطفال العمانيون الباحثون عن المعرفة لديهم استعداد للدخول في حوار عميق حول أفكار فلسفية

الشبيبة - العمانية 

ةيرى الكاتب الأردني والمختص في أدب الأطفال واليافعين، محمد النابلسي، أن الطفل العُماني الباحث عن العلم والمعرفة، شغوف بالثقافة، يتسم بالهدوء ودائما يخفي بداخله نضجًا غير عادي. ومن خلال لقاءه الأخير بمجموعة من الأطفال خلال فترة معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ 29 2025، أشار النابلسي إلى أن الأطفال في سلطنة عُمان لديهم استعداد للدخول في حوار معمّق حول أفكار فلسفية بأسلوب بسيط، وأسئلة لم يسمعها من قبل في أي بلد آخر، ـ وفق تعبيره ـ وقال: وجدت أن التواصل مع الطفل العُماني يحتاج إلى صبر، لكنه يثمر كثيرًا من الفهم والنضج.

فالنابلسي الذي لديه العديد من المشاركات في مؤتمرات ثقافية ومتخصصة في مجال الكتب والمسرح يمتلك رصيدًا أدبيًّا خاصًّا بأدب الطفل واليافعين بما فيها "تمر ومسالا " ورواية "الحكي عن أيمن وفراشاته" و"نشارة الخشب" وغيرها من الإصدارات، كما حصل على جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال (القصة الخيالية) - المركز الأول عن سنة 2020 عن قصة "غول المكتبة"، كما أخرج مسرحيات "الليلة الكبيرة" و "رحلة حمودي البحرية".

وفي حديث خاص لوكالة الأنباء العُمانية يتحدث النابلسي عن شغفه بأدب الطفل وما أوقد روح البدايات والمحفزات لا تزال تؤكد ثبات واستمرارية هذا الشغف، وإسهام الخلفية الثقافية للمبدع والكاتب واستمراريته في أن يكون مبتكرًا فيما يود أن يقدمه من نتاج إبداعي مغاير ويقول: بدأت علاقتي بأدب الطفل من باب شخصي جدًا، شغفي بالقراءة كان المحفز الرئيس للكتابة، والفكرة دائمًا مرتكزها حول إضافة شيء جديد، وليس تكرار للآخر، قد أتقاطع مع الكثير من الكتّاب والأدباء في بعض الأفكار، لكن لكل منا لغته ورسالته وأسلوبه الخاص، المسألة مرتبطة بإثراء مشهد الكتابة للطفل.

ويضيف: من هنا بدأ الحلم، أن أكون كاتبًا يسهم في تشكيل ذاكرة جديدة للطفل العربي لا أن ينقل له ثقافة مستوردة فقط، ولا اجترار ثقافة مبنية على شعارات مفرغة من محتواها أو عنترية اللهجة، فالشغف لا يولد مرة واحدة، بل يتجدد كلما التقيت بطفل يروي لي ماذا فعلت به إحدى قصصي، أو معلم يستخدمها داخل الصف، أو أمّ تشكرني لأن كلمات بسيطة أثارت نقاشًا عائليًّا عميقًا، وما يؤكد هذا الثبات هو إدراكي أن هذه الرسالة أعمق من مجرد حكاية. الكتابة للطفل فعل ثقافي، وتربوي، وإنساني. وكوني عشت في بيئات مختلفة ومتعددة الثقافات – ما بين الكويت والأردن والإمارات وتجربتي الخليجية عامة – أضاف هذا لي أدوات لفهم الطفل العربي بتنوّعه الجغرافي واللغوي والاجتماعي. ويبيّن أن الخلفية الثقافية للكاتب ليست رفاهية، بل ضرورة، لأنها تمنحنا وعيًا نقديًّا يُغني التجربة، ويمنحنا القدرة على تقديم محتوى لا يكرر نفسه، بل يُبدع من رحم الاختلافات والبيئات.

ويتطرق النابلسي إلى تجربته الخاصة مع أدب الطفل في سلطنة عُمان، وهي المشاركة الأخيرة في معرض مسقط الدولي للكتاب في دورته الـ29 2025، وتقديمك لعدد من الحلقات العلمية والعملية، ويشير إلى علاقة التواصل مع الطفل العُماني، ورؤيته في تجارب مسرح الطفل في الوطن العربي وأوجه التقدم أو القصور فيها ويوضح: زيارتي الأخيرة لسلطنة عُمان تعد واحدة من أكثر التجارب ثراءً في مسيرتي الأدبية. لم تكن فقط زيارة لمعرض، بل رحلة لاكتشاف الطفل العُماني، بثقافته، وفضوله، وهدوئه الذي يخفي بداخله نضجًا غير عادي. قدّمتُ في تلك المشاركة حلقتين في ركن الضاد "فن كتابة الرسائل إلى المستقبل"، و" الكتابة الإبداعية لليافعين".

ما لفت نظري هو مدى الاستعداد الذي أبداه الأطفال للدخول في حوار معمّق حول أفكار فلسفية بأسلوب بسيط. أسئلة لم أسمعها من قبل في أي بلد آخر. وجدت أن التواصل مع الطفل العُماني يحتاج إلى صبر، لكنه يثمر كثيرًا من الفهم والنضج.

التجربة جعلتني أقتنع أكثر أن الطفل العربي ليس جوهرًا واحدًا كما يدعي الكثير، ولكنه تنوّع ثري، وعلى الكاتب أن يتحرك بهذا الوعي. وأرى أن المؤسسات الثقافية العُمانية تملك بنية تنظيمية رصينة، تدعم مشاركة الكتّاب العرب، وهناك حاجة لتعزيز حضور أدب الطفل في تفاصيل المعرض، عبر جلسات حوارية أكبر، ومشاركات نقدية أكثر، وعقد بعض الملتقيات والفعاليات التي تهم صنّاع كتب الطفل ضمن البرنامج الثقافي للمعرض.

ولأن سلطنة عُمان تمتاز بتنوع ثقافي وحضاري يتقاطع مع الجانب الاجتماعي، ما يُشكّل ثروة حقيقية لإيجاد صوت أدبي مغاير، هنا يشير "النابلسي" إلى الكيفية التي يمكن من خلالها توظيف هذا التنوع في صياغة أدب طفل يُعبّر عن الواقع العُماني بخصوصيته، وأن يكون قادرًا على العبور نحو الفضاءات الثقافية العربية بطرق ذات نطاق شمولي ويقول: سلطنة عُمان تمتاز بثقافة متعددة الطبقات: تاريخ غني، تنوع جغرافي من الجبل إلى البحر، ولهجات محلية ذات إيقاع شعري، وعلاقات اجتماعية مبنية على المروءة والكرم والهوية المجتمعية المتماسكة. كل هذه العناصر تُشكل خامات ثمينة لأدب الطفل، ولكي نعبر بهذه الخصوصية إلى فضاء عربي أوسع، نحتاج إلى "الأدب المُتشبّع محليًا، المنفتح عالميًا". على الكاتب أن يستثمر في التفاصيل العُمانية – من حكايات الجدات، إلى البيئة البحرية، إلى الأزياء والاحتفالات – ولكن أن يُعيد صياغتها ضمن حبكة تصلح لأي قارئ عربي. هذا هو سر الأدب الذي يُصدّر ثقافته دون أن يُغلق أبوابه، فأدب الطفل العُماني قادر على أن يكون جسرًا ثقافيًا، متى ما تم توظيف عناصره بخيال حر ووعي عميق.

وينتقل "النابلسي" إلى مسرح الطفل والإخراج المسرحي، والعلاقة بين النص الأدبي للطفل والمسرح الموجَّه له اليوم، ليوضح التحديات التي تواجه الإخراج، وخاصة الأعمال الموجَّهة للأطفال مقارنةً بمسرح الكبار ويقول: من وجهة نظري، مسرح الطفل هو أحد أكثر الأدوات التربوية تأثيرًا في وعي أجيال سابقة، لكنه لم يحصل على مكانته بعد في ذهنية هذا الجيل من الأطفال، لأنه للأسف يُدار في الغالب من باب الترفيه لا التربية. النصوص المسرحية المقدمة للأطفال في الوطن العربي غالبًا ما تقع في فخ التبسيط المفرط، أو العظة المباشرة، أو التكرار. بينما في تجارب مسرحية في دول مثل تونس والمغرب، نرى اتجاهات جديدة تجمع بين الفن والتربية والمعالجة النفسية بطريقة احترافية.

ويبيّن: من التحديات التي تواجه الإخراج المسرحي الموجّه للأطفال: الميزانيات الضعيفة، غياب التدريب المتخصص، وأحيانًا النظرة الدونية لفن الطفل من قبل بعض صنّاع المسرح الكبار. يعتقد البعض أن إخراج عمل مسرحي للطفل أسهل من عمل للكبار، بينما الحقيقة هي العكس تمامًا. الطفل لا يُجامل، ولا ينتظر "ذروة الأحداث"، بل يحتاج لشد انتباهه منذ الدقيقة الأولى. أرى أن العلاقة بين النص المسرحي الموجّه للطفل والإخراج بحاجة إلى إعادة بناء. كثير من النصوص لا تُكتب بروح المسرح بل بروح الكتاب المقروء، وهذا يُعيق المخرج في تحويله إلى مشهد بصري حي. الكتابة للمسرح يجب أن تُراعي الحركة، الصوت، الإيقاع، والحوار الداخلي والخارجي للشخصيات.

ويذهب "النابلسي" إلى الممكنات التي تجعل من مسرح الطفل وسيلة تربوية وفكرية تُسهم في بناء وعي الأجيال في ظل الخيارات البصرية المتعددة المتاحة، والتي قد تُشكّل تحديًا حقيقيًّا لدى صنّاع العمل المسرحي على وجه التحديد، ويؤكد بقوله: في ظل وفرة الخيارات البصرية الحديثة تبدو مهمة المسرح أكثر صعوبة، لكنها ليست مستحيلة. ما يُميز المسرح هو حضوره الحي، واللقاء المباشر بين الطفل والفن، وهو ما لا تستطيع الوسائط الرقمية تحقيقه بنفس التأثير. التحدي هنا هو أن نُعيد صياغة المسرح ليكون مواكبًا للزمن لا مُجمدًا في قوالب تقليدية. أؤمن أن ممكنات مسرح الطفل التربوية تكمن في عناصر مثل التشاركية، والاندماج، والتعبير عن الذات. الطفل عندما يصبح جزءًا من التجربة، تتضاعف الاستفادة. علينا أيضًا أن نكسر فكرة المسرح الذي "يشرح" أو "يعظ"، ونبني عوضًا عنه مسرحًا "يُسائل" و "يُفكر". في هذا الإطار، من الممكن توظيف تقنيات الواقع المعزز أو المسرح التفاعلي، مع الحفاظ على البنية الإنسانية للمسرح كفن حي. لن ينافس المسرح الألعاب، لكنه يستطيع أن يقدم شيئًا لا تقدمه الألعاب: الإنسان.

وفيما يتعلق بالعولمة الثقافية والطفرة التكنولوجية، وما يمكن أن يقوم به المسرح ليحافظ على هويته ويظل قريبًا من واقع حياة الطفل، مرورًا باللغة التي لا يزال يتلقاها الطفل اليوم، التي ما إذا كانت صالحة، أم أن الوقت قد حان لتفكيكها وإعادة بنائها بما يُناسب المتغيرات الجديدة، يقول "النابلسي": قد أكون من المتحفظين على مصطلح العولمة في عالم كبير ومتعدد الثقافات، فالعالم دائمًا كان فيه هذا التعدد، والحفاظ على التراث كجزء من الهوية، يشترط أن يكون دون الوقوع في فخ "الحنين المزيف". مسرح الطفل في العالم العربي لا يجب أن يكون مسرحًا يعيد تدوير التراث فقط، ويفترض أن للهوية شكلًا واحدًا، والعولمة هو العدو الأكبر، بل عليه أن يُفسّر الحاضر ويستشرف المستقبل. اللغة التي نخاطب بها الطفل اليوم بحاجة فعلًا لإعادة تفكيك. لغة المسرح يجب أن تُجيد مخاطبة الحواس الخمس، أن تبتعد عن المباشرة، وتستخدم الصورة، الإشارة، الموسيقى، والإيقاع، والمزاج الذي يحمله الطفل ضمن المحفزات البصرية والذهنية المحيطة به. يجب أن تكون اللغة "حية"، لا جامدة، وأن تنتمي لعالم الطفل كما يراه لا كما نريد نحن أن يراه. نحتاج إلى كتاب مسرحيين يُجيدون لغة الشاشة كما يُجيدون لغة الركح. المسرح إن أراد البقاء، عليه أن يُخاطب الطفل بلغته، لا بلغة زمن آخر.

ويذهب النابلسي للحديث عن واقع الجوائز الأدبية كونه حاصلًا على "جائزة عبد الحميد شومان لأدب الأطفال"، ودورها في دعم الأديب على المستوى الفني والأدبي، وأهميتها بالنسبة له وما إذا حققت الجوائز الثقافية الغاية من وجودها وتوظيفها كمنصات لتحفيز الكتابة النوعية في أدب الطفل فيالعالمالعربي ويؤكد: حصولي على جائزة عبدالحميد شومان لأدب الأطفال (القصة الخيالية) لم يكن فقط تتويجًا لنصّ أدبي، بل اعترافًا بأن الحلم الذي حملته طويلًا يمكن أن يصبح واقعًا. الجوائز الأدبية لها أثر مضاعف: شخصي وفني. لقد منحتني ثقة، وفتحًا لأبواب النشر والتعاون، وفنيًا، حمّلتني مسؤولية أن أكون في مستوى التوقعات، وأن أواصل دون أن أكرر. ولكن أقول إن هناك كثيرًا من الجوائز تتحول إلى لحظة احتفالية فقط، دون متابعة الأثر أو دعم نشر النصوص الفائزة أو حتى المعايير الواضحة في التقييم. من المهم أن تتحول الجوائز إلى "منصات بناء" لا مجرد "منصات تتويج". يمكن أن تقدم منحًا، برامج إقامة، أو دعمًا لإنتاج النصوص مسرحيًّا أو بصريًّا. أؤمن بأن الكتابة للطفل عمل وطني، ثقافي، مستقبلي. هي ليست فقط حول متعة القراءة، بل هي صياغة وعي جديد، وصناعة أمل طويل المدى، تتكاتف بها كل الأطراف.

/العُمانية/ النشرة الثقافية

خميس