كان – عبدالستار ناجي
لعلهم قلة في العالم العربي الذين يعرفون السينما البرازيلية وصناعها ونجومها ومبدعيها وأيضا كل ما يتعلق بجديدها الذي يظل مقرونا بأسماء عدد من الرموز التي تترسخ وتتأكد تجربـــة بعد أخرى وفيلما بعــــد آخر. ومـــن بيــــن تلك الرموز المخرج كليبر ماندونكا فيلو، الذي يقدم أحدث أعماله بعنوان «اكواريوس» وهو عمله الروائي الثاني بعد فيلمه الأول «جيريتو» 2008.
وقبل الذهـــاب إلى الفيلم نتوقف عند اسم النجمة البرازيلية «سونيا براجا» التي تعد أهم نجمات السينما في أمريكا الجنوبية وإحدى المبدعات اللواتي نذرن حياتهن من أجل السينما وقضايا المجتمع في أمريكا اللاتينية بشكل عام والبرازيل بشكل خاص.
وفى رصيد سونيا أعمال لأربعة أجيال من المخرجين البرازيليين، حيث ظلت دائما تمثل قضايا الإنسان ونبضه في السينما البرازيلية، وهي في فيلم «اكواريوس» تجسد شخصيـــة «كيـــارا» المرأة الكبيرة في السن والتي تنتمي إلى الطبقة الراقية في المجتمع البرازيلي والتي تقيم في عمارة تطل على المحيط في واحدة من أرقى المناطـــق في سان باولو، تجد تلك السيدة التي باتت تعيش لوحدها مع خادمتها الخاصة نفسها أمام تحديات صعبة حينما تبدأ إحدى الشركات العملاقة بشراء جميع الشقق في العمارة من أجل هدمها وتحويلها إلى مجمع سكني على طريقة ناطحات السحاب.
في البداية تبـــدأ الشركة عبر أحد مهندسيها الشباب بالتحـــاور وتقديم الإغراءات وأيضا الحوافز ولكن «كيارا» ترفض كل شيء، ففي هذه الشقة كونت أسرتها وتزوجت وأنجبت ابنتها وابنها وشكلت مفـــردات أسرتها ورحلتها الإنسانية والإبداعية ككاتبة وسيدة مجتمع من الطراز الأول.
وحينما لا تفلح الإغراءات من قبل الشركة تأتي الخطط الثانية عبر محادثة الأبناء الذي يشكلون وسيلة ضغط جديدة على تلك المرأة التي ترى في تلك الشقة جنتها وعالمها الذي لا يمكن أن تفارقه.
وهنا أيضا تفشل التجربة ويزداد عناد كلارا التي تستعين بمحاميتها الخاصة، وتتطور المواجهات حينما تقوم الشركة بإسكان عدد من عمالها فــــي الشقق الفارغة في العمارة ومحاولـــة إثــــارة المشاكل تارة عبر الأغاني والحفلات الساهرة والصاخبة بل والماجنة وأيضا عدد من المواجهات التي تظل أمامها « كلارا» صامدة بل أكثر قوة من أي وقت مضى حتى رغم من معانتها من السرطان الذي التهم صدرها.
الشركة تمضي بمشروعها وكلارا تصر وتعاند لأنها تعارض بان تغير شركات خارطة وشكل البلد والساحل والجيران والوجوه والملامح.
كمية من الحكايات التي تتداخل والتي تظل تتمحور حول موضوع أساسي هو الإنسان والهوية وتقوم عدة جهات بنخره وتشويهه، حتى نصل إلى الحكاية الأخيرة حينما تعلم كلارا من أحد العمال بأن هناك شيئا ما تدبره الشركة وأن عليها أن تحتاط، وفي هذا اليوم تنفصل الكهرباء عن العمارة وتقوم كلارا باستدعاء المطافي الذين يكسرون عدد من الشقق الفارغة ليكتشفوا أن هناك نوعية من السوس والدود الذي تم نشره في عدد من تلك الشقق والذي يلتهم كل شيء وينخر كل شيء ويهدد بسقوط العمارة على الساكنة الوحيدة، وكانت تلك الشركة ليس لها أي دخل في الأمر وعندها تقوم بهدم المبنى وتنفيذ غايتها.
عندها تستدعي كلارا محاميتها وتذهب إلى مقابلة صاحب الشركة بحضور المهندس الشاب الذي يقوم بتنفيذ المهمة التدميرية وتبدأ المواجهة عبر حوار ضارب شرس حتى يثور بها صاحب الشركة لتقوم كلارا بفتح حقيبة كانت تجرها ليخرج منها الدود الـــذي زرع في العمارة وبدون أي كلام وبلا تصريحات تذهب الكاميرا إلى التركيز على الدود وكان الفيلم يصرخ .. الدود ينخرنا !
كعادتها تدهشنا سونيا براجا التي تجاوزت الستين بالكثير وهي تزداد نضجا وعمقا ومقدرة على تحمل الفيلم بكامله عبر وعيها السياسي وأيضا احترافها كممثلة من الطراز الأول تقول الكثير عبر تعابيرها السخية بالتفاصيل الدرامية الدقيقة.
الخلاصة .. السينما البرازيلية حاضرة بمبدع متجدد هو المخرج كليبر فيلو وأيضا الممثلة والنجمة القديرة سونيا براجا وأيضا بقضية تثير كثيرا من الجدل في البرازيل وهو تغيير الهوية وملامح العاصمة.