حصن الخابورة.. حكاية ترميم لا تنتهي

مزاج الخميس ١٩/مايو/٢٠١٦ ٠٣:٣١ ص
حصن الخابورة.. حكاية ترميم لا تنتهي

الخابورة - سعيد الهنداسي

وسط المدينة وعلى ساحل البحر يقع حصن الخابورة شاهداً على المكان وعلامة بارزة من علامات تاريخ السلطنة وتراث العمانيين الأوائل. تحيط بالحصن من الشمال والجنوب مجموعة من المساكن المبنية من المواد الحديثة، حيث يحده من الشرق بحر عمان، ومن الغرب الشارع العام المؤدي إلى وسط المدينة. ويبعد الحصن مسافة 2 كم تقريباً عن الشارع العام المتجه إلى ولاية صحار. وبحكم موقع الحصن بالقرب من بحر عمان يمكن النظر إليه من مسافة بعيدة جدا من البحر مقارنة بحصون منطقة الباطنة الواقعة بجانب البحر.

ويتكون حصن الخابورة من المدخل الرئيسي والصباح وغرف الحراسة على يمين المدخل ومخازن وغرف على يسار المدخل وفناء في وسط الحصن يؤدي إلى ارتفاع يصل إلى المساكن العامة على يمين الحصن. ومن الجهة اليسرى الخلفية من البوابة يقع برج للمراقبة كان يستعمل كسجن في السابق ويحيط بالمبنى سور يتراوح ارتفاعه من 4 إلى 9 أمتار تقريبا من مستوى سطح الأرض وهو مبني من الحجارة والصاروج العماني القديم والمواد الأولية للأسقف.
«الشبيبة» التقت الأهالي الذين ارتبطوا بهذا الحصن من خلال قربهم منه بحكم وجود منازلهم على مقربة منه وبخاصة أهالي حلة الحصن حيث تحدثوا عن بعض ملاحظاتهم حول عمليات الصيانة الأخيرة للحصن، موجهين رسالة إلى المسؤولين للمحافظة على هذا التراث الوطني العريق.

دقة ومهارة وخبرة

البداية كانت مع سيف بن محمد البلوشي الذي تحدث عن قدم الحصن وأهميته الأثرية والتاريخية فقال: يعد حصن الخابورة من الشواهد التاريخية على تاريخ وعراقة هذا المكان فهو تراث لأجدادنا السابقين الذين شيدوا هذا البناء.
وعن عمليات الصيانة التي تنفذ هذه الأيام لحصن الخابورة قال البلوشي: للأسف، في كل مرة تتم صيانة الحصن بطريقة لا تحافظ عليه لفترات طويلة، فقد تمت صيانته أكثر من مرة ويبدو أن السبب في هذا التلف السريع يكمن في افتقار الأيدي العاملة للمهارة الجيدة والمتخصصة في مثل هذه الصيانة لأعمال تراثية تحتاج لدقة ومهارة وخبرة كبيرة، إضافة إلى ضعف المواد المستخدمة للصيانة وأنها لا تكون بنسب المواد التي تم استخدامها عند بناء وتشييد الحصن، فنرى أن التلف يكون سريعا ونعود إلى نقطة الصفر، وهذا بحد ذاته مضيعة للمال العام لأن هذه الصيانات تكلف الدولة أموالا طائلة.

تشققات وتصدع

خليفة بن مبارك البلوشي من سكان بلدة حلة الحصن قال إن البلدة سميت بذلك بسبب وجود الحصن فيها، وأضاف أن هذا الحصن تم ترميمه أكثر من مرة.

وحول أسباب التلف الحاصل في حصن الخابورة والذي أوجب تكرار عمليات الترميم قال: لا أتوقع أن عمليات الرطوبة وتأثير الطقس العاملان الوحيدان لهذه الأضرار التي حدثت لحصن الخابورة بل يعود السبب إلى استخدام الأدوات ثقيلة الوزن من الحجارة المستخدمة في الصيانة، فهذه الحجارة يصلح استخدامها في الأرضيات وليس للأسقف ما جعل الوزن أثقل على السقف وأدى إلى تشققات وتصدع.

نـــــــداء

وحول ما يجب القيام به للمرحلة المقبلة وجّه خليفة البلوشي نداءه للمعنيين بالأمر بضرورة التعاقد مع شركات متخصصة وعمال يملكون خبرة كافية «لأن ما نشاهده من أضرار حلت بحصن الخابورة أمر لا يرضي أحدا فهو معلم كبير من معالم الولاية ويحمل اسمها، كما يجب متابعة عمل هذه الشركات التي أوكلت لها عمليات الصيانة ومتابعة الأدوات المستخدمة في عمليات الترميم ومطابقتها للأدوات التي كانت تستخدم في بناء تلك القلاع والحصون التراثية حيث إن التربة الحالية التي تستخدم في عملية ترميم حصن الخابورة ليست هي التربة المناسبة والمطابقة لما تم القيام به أثناء بناء الحصن، وهذا الأمر يؤدي إلى دمار كامل للعمل وخسارة للمال العام».

تراث عريق

علي بن سعيد القطيطي تطرق في حديثه إلى أهمية الحفاظ على التراث العريق الذي تتميز به السلطنة ممثلة في الكم الهائل من القلاع والحصون فقال: حبا الله بلادنا الغالية عمان بالعديد من الشواهد التاريخية والتراثية العريقة، وتأتي القلاع والحصون في مقدمتها. وأضاف: من هنا جاء اهتمام الحكومة الرشيدة بصيانة هذه القلاع والحصون، وهنا في ولاية الخابورة تتواصل جهود وزارة التراث والثقافة في قيامها بعمليات الترميم والصيانة لمثل هذه الشواهد التاريخية. وما نتمناه كمواطنين أن تتم المحافظة على هذه القلاع والحصون لأنها تمثل شواهد على عراقة وتاريخ بلد ضارب في الجذور وأن تتم عمليات الصيانة على أيدي متخصصين في عمليات الترميم لأن الإخلال بمثل هذه الصيانة سيفقد القلاع والحصون بريقها.

رسالة أخيرة

ووجّه سالم بن راشد الحوسني رسالة إلى المعنيين بالتراث والآثار قائلا: أوجه رسالتي إلى المسؤولين والمهتمين بتراث هذا الوطن.. يجب علينا المحافظة على تراثنا العريق وتاريخنا. وما هذه القلاع والحصون المنتشرة في كل بقاع السلطنة إلا حقيقة راسخة على حضارة وقدم وتاريخ وطن غال. وعمليات الترميم التي تقوم بها وزارة التراث والثقافة هي جهود يشكر عليها المسؤولون في هذه الوزارة ونتمنى منهم متابعة عمليات الصيانة وعدم السماح لبعض الشركات التي لا تملك الخبرة والدراية بترميم قلاع وحصون هي رموز لوطن غال وحضارة عريقة.

صيانة شاملة

من جهته، تحدث مدير دائرة الترميم والصيانة بوزارة التراث والثقافة المهندس سليمان بن حمد بن سليمان الصبحي عن مشروع صيانة وتطوير حصن الخابورة فقال: المشروع عبارة عن أعمال صيانة شاملة لجميع مكونات الحصن بما فيها الأبراج والغرف العلوية والمخازن بالإضافة إلى السور الخارجي من الداخل والخارج والصباح الرئيسي للحصن والساحات الداخلية مع صيانة شاملة للمرافق الملحقة بالحصن.

تأثير الرطوبة

وذكر الصبحي أن الحصن كان يعاني من تأثيرات الرطوبة والملوحة الظاهرة على جدرانه ونزول بعض الأرضيات بالغرف العلوية وذلك نتيجة موقعة بالقرب من البحر ونتيجة بعض العوامل الجوية الأخرى، وقد بدأ المشروع العام 2015 وسوف يستمر حتى نهاية العام 2016 وتبلغ التكلفة الإجمالية نحو 200 ألف ريال عماني، على أن تتماشى أعمال الصيانة مع أعمال التطوير المقترحة لكي يستغل الموقع سياحياً ويخدم زواره للاطلاع على هذا الإرث الحضاري. وأضاف: تستخدم في أعمال الصيانة والتطوير مواد تقليدية قديمة كالحجارة والصاروج مع إدخال بعض المواد الحديثة للتقوية بنسب وخلطات معينة وإدخال أنظمة الكهرباء والتكييف وذلك بغرض الاستغلال السياحي.

مميزات الحصن

وحول ما يميز حصن الخابورة قال المهندس سليمان الصبحي: يبلغ طول الحصن 35 مترا وعرضه 20 مترا ويتكون من برجين أحدهما مربع بطول وعرض 8 أمتار وارتفاعه 11 مترا، أما البرج الدائري فيبلغ قطره 7 أمتار وارتفاع 11 مترا. ويوجد بالحصن بئران للمياه. وما يميز حصن الخابورة موقعه المتميز بالقرب من خليج عمان. وأشار إلى أن هناك تعاونا قائما بين وزارة التراث والثقافة ووزارة السياحة لتطوير وصيانة المواقع التاريخية بشتى ولايات السلطنة وذلك بغرض الاستخدام والاستغلال السياحي.
يذكر أن المشروع ينفذ عن طريق مؤسسة الخدمات العمانية التي لها خبرة طويلة في هذا المجال تتجاوز أكثر من 20 عاماً، وتشرف على المشروع دائرة الترميم والصيانة بوزارة التراث والثقافة.

غياب المختصين

عضو المجلس البلدي بالخابورة علي بن كرم البلوشي تطرق إلى أسباب هذا التلف السريع الذي أصاب حصن الخابورة فقال: لم تكن العوامل المناخية هي السبب في انهيار جزء من الحصن، والشاهد على ذلك قبل الترميم أن الحصن ظل أكثر من 200 عام راسخا رسوخ الجبال، وعندما بدأت عملية الترميم ظهرت هذه العيوب التي ترجع إلى عدم وجود فني متخصص وكذلك المواد الأساسية المستخدمة في بناء الحصون والقلاع وعدم وجود مراقبة من الجهات المعنية. واقترح تشكيل لجنة من كبار السن ممن لديهم الخبرة في عملية البناء والترميم مع المتابعة المستمرة من قبل الجهة المعنية.