علي المطاعني يكتب: الصّحة العامّة ونقل الأعضاء خطوةٌ حضاريّة

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ٣٠/أبريل/٢٠٢٥ ١٦:٤٢ م
علي المطاعني يكتب: الصّحة العامّة ونقل الأعضاء خطوةٌ حضاريّة
علي بن راشد المطاعني

في خطوة مهمّة لتعزيز منظومة الرعاية الصحية أصدر حضرة صاحب الجلالة السُّلطان هيثم بن طارق المعظّم – حفظه الله ورعاه – مرسومين سُلطانيين، يحمل الأول رقم (43/2025) بإصدار قانون الصحة العامة، والثاني رقم (44/2025) بإصدار قانون تنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية، تتويجًا لاهتمام وزارة الصحة بتطوير الأطر التنظيمية وتجسيدًا حقيقيًّا للنهج الشامل الذي تتبناه سلطنة عُمان في مجال الصحة، وانسجامًا مع الأهداف الاستراتيجية لرؤية "عُمان 2040" في سبيل تحقيق أعلى مستويات الرفاه والسلامة الصحية للمجتمع مما يعكس تطورًا نوعيًّا للقطاع الصحي في البلاد امتدادًا لما يشهده القطاع من تطورات على الصعيدين الكمي والنوعي وعلى كل الأصعدة والمستويات، إذ أمسى هذا الحقل تحكمه قوانين واضحة وصارمة إيذانا بانتهاء الفوضى العارمة التي كانت تكتنف سوق الأعضاء البشرية رغم تحفّظنا على كلمة (سوق) لكنها كانت راسخة وباسطة جناحيها في هذا المعترك النبيل.

فبلا شك إن صدور المرسومين يمثل خطوة نوعية في بناء الإطار التشريعي للقطاع الصحي ويتواكب ومتطلبات المرحلة القادمة، ويعزز مفاهيم الصحة العامة والجاهزية الصحية الوطنية لمواجهة التحديات الراهنة والمستقبلية، وانطلاقًا من تلك الحقائق كانت سلطنة عُمان كعهدها دومًا سبّاقة إلى إصدار القوانين التي تضبط هذا الحقل الذي بات خطرًا وبما يكفل سلامة التعامل والتعاطي في حماه، وباعتبار أن الإنسان هو أغلى رأس مال ودمه وماله حرام علينا كما أمرنا الله عز وجل بذلك، وعلى ذلك فقد جاء المرسومان إضافة نوعية للمنظومة الصحية، يرسخان أسسًا قانونية حديثة تساعد على الارتقاء برعاية المواطنين صحيًّا وتقوية منظومة الوقاية والعلاج.

فقانون الصحة العامة ودوره في رفع كفاءة النظام الصحي وتنظيم كل الجوانب المرتبطة بالصحة العامة من مكافحة الأمراض المعدية والوقاية منها إلى سلامة الغذاء والبيئة الصحية، وتنظيم كلّ الجوانب المتعلقة بالصحة العامة والمفاهيم المتداولة في هذا الاختصاص ضمن منظومة متكاملة من القواعد والنظم العلمية والتطبيقية يصبح مرجعًا موحّدًا يُطبّق على مختلف القطاعات الحكومية والخاصة المعنية بالصحة وسلامة الإنسان، مما يرفع كفاءة النظام الصحي ويُعزّز قدرته على متابعة المؤشرات الصحية المهمة والحدّ من انتشار الأمراض، كما أنّه يدعم خطط الوقاية الوطنية، ويوفر إطارًا يُمكّن سلطنة عُمان من رصد المخاطر الصحية مبكّرًا والاستجابة لها بسرعة، سواءً كانت متعلقة بأوبئة محتملة أو تحدّيات بيئية وصحية أخرى .

 في حين أن (قانون تنظيم نقل وزراعة الأعضاء وحماية الحقوق) يُعنى بتنظيم نقل وزراعة الأعضاء والأنسجة البشرية عبر تنظيم عمليات التبرع بالأعضاء والزرع بما يضمن حقوق وسلامة المتبرعين والمتلقّين على حدّ سواء وبعيدا عن الصيغ التجارية المؤسفة بيعًا وشراءً التي كانت تكتنف هذا المجال الإنساني المحض، وليتم تجريم هذه الأفعال بنحو صريح وبذلك يعود ريع التبرع لموضعه الإنساني والأخلاقي الصحيح. وفي الوقت ذاته يُكافأُ المتبرعون بأوسمة رفيعة مع منحهم ميزة تلقي العلاج المجاني سواء كانوا مواطنين أو أجانب طيلة فترة وجودهم في سلطنة عُمان، ويدعم البرنامج الوطني لزراعة الأعضاء، بما يضمن حقوق وسلامة المتبرعين والمتبرّع لهم وينظم بدقة شروط وإجراءات التبرّع بالأعضاء أثناء الحياة أو بعد الوفاة، كما يرسي القانون ضوابط قانونية واضحة يتم بموجبها تكليف المؤسسات الطبية بتنفيذ عمليات النقل والزراعة تحت إشراف محدّد، وتُحدد المسؤوليات والعقوبات لضمان سلامة الأطراف ذات العلاقة.

إن هذه التشريعات تأتي لتعزّز جاهزية سلطنة عُمان للتعامل مع تحديات صحية كبيرة على المستويين المحلي والعالمي، وعلى سبيل المثال يشكّل ارتفاع معدلات الأمراض المزمنة واضطراب توازن البيئة الصحية العالمية (مثل الجائحات) دافعًا لتحديث الأطر القانونية في الصحة العامة، وبالمنطق نفسه فإن قانون زراعة الأعضاء يمكّن البلاد من التعامل مع ازدياد الطلب على عمليات الزرع ونقل الأعضاء التي تخفف معاناة المرضى بنحو تام، وقد وصفت وزارة الصحة القانون بأنه يمثل استجابة لــ (الحاجة المتزايدة إلى إجراء هذا النوع من العمليات باعتباره وسيلة علاجية).

 بالطبع إنّ سَنَّ هذه الأطر التشريعية المتكاملة يوفّر قدرة أكبر على التخطيط الصحي السليم وتخصيص الموارد بما يتلاءم مع المتغيرات المستقبلية، بحيث لا تبقى القوى العاملة والموارد الصحية مرهونة باللوائح القديمة. ولكن يبقى الوعي بها والالتزام بما تتضمنه هو الأساس الذي يعوّل عليه المُشرّع والجهة المنظمة، فالصحة كلٌّ متكامل من العمل على كل المستويات والأصعدة الشخصية والمؤسسية التي يتطلب من الجميع النهوض بها.

نأمل أن يحقق هذان التشريعان إضافة نوعية للمنظومة الصحية تُرسخ أسسًا قانونية حديثة تساعد على الارتقاء برعاية المواطنين وتقوية منظومة الوقاية والعلاج، ويمثل اهتمام وزارة الصحة بتطوير الأطر التنظيمية تجسيدًا حقيقيًّا للنهج الشامل الذي تتبناه سلطنة عُمان في مجال الصحة وتعظيم الاستفادة منه بما يمكّن هذا القطاع من أداء دوره المنوط به كما يحب ربُّنا ويرضى.