ما سر التقارب الإسرائيلي-الروسي في سوريا

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٧/مايو/٢٠١٦ ٠٥:٤٥ ص
ما سر التقارب الإسرائيلي-الروسي في سوريا

غازي السعدي

عندما علم رئيس الوزراء الإسرائيلي «بنيامين نتنياهو»، أن المتفاوضين في جنيف -الذين يبحثون في مستقبل التسوية في سوريا- أكدوا بالإجماع ضرورة إعادة إسرائيل هضبة الجولان إلى سوريا، وعندما علم «نتنياهو» بهذا الاتفاق غضب وسارع لعقد جلسة للحكومة لأول مرة في هضبة الجولان بتاريخ «17-4-2016»، وأعلن من هناك:»أن الجولان خط أحمر، وستبقى تحت السيادة الإسرائيلية، وإسرائيل لن تنسحب أبداً من الجولان».

موضوع الجولان، والوجود العسكري الروسي في سوريا، دفع برئيس الوزراء «نتنياهو» للتوجه بشكل عاجل إلى موسكو للقاء الرئيس الروسي «بوتين»، للبحث بالشأن السوري، وخشية حصول اتفاق بين الدول العظمى، لإعادة الجولان إلى سوريا، فجاءت تصريحات «نتنياهو» بأن إسرائيل لن تتخلى عن الجولان أبداً، رسالة موجهة إلى روسيا قبل لقائه الرئيس الروسي، كذلك رسالة إلى الولايات المتحدة، لاستبعادهما من أي اتفاق حول مستقبل سوريا، وانسحاب إسرائيل من الجولان.

بعد حرب العام 1967، وبالتحديد بتاريخ «19-6-1967»، اجتمعت حكومة الوحدة الإسرائيلية برئاسة «ليفي اشكول»، وبمشاركة «مناحيم بيغن» زعيم المعارضة في حينه، واتخذت قراراً سرياً يقضي بالاستعداد لإجراء مفاوضات سلام مع كل من مصر وسوريا، على أساس العودة إلى الحدود الدولية، هذا القرار بقي سرياً لسنوات عديدة حتى قرار الحكومة الإسرائيلية بتطبيق القانون الإسرائيلي على هضبة الجولان، حين كان «بيغن» رئيساً للحكومة، في سنوات الثمانينيات، فكان هذا القرار لأسباب تكتيكية، ولحمل سوريا على التفاوض مع إسرائيل، وعقد السلام معها، مقابل الانسحاب من الجولان.
إن جلسة الحكومة الإسرائيلية الاستعراضية، التي عقدت في هضبة الجولان، لا تعدو محاولة سياسية إعلامية إسرائيلية فاشلة، فقد أكدت بأن هضبة الجولان يجب أن تبقى جزءاً من دولة إسرائيل، ورفض الموافقة - ضمن أي اتفاق للحل في سوريا- بإعادتها، وأن إسرائيل لا تستطيع التنازل عن الجولان، وأنه لا يمكن الدفاع عن إسرائيل من دون الجولان، والسؤال: لماذا هذه الادعاءات الكاذبة؟ ولماذا يعقد اجتماع الوزارة الإسرائيلية لأول مرة في الجولان؟ والجواب أنهم غير واثقين من ادعاءاتهم بعدم التخلي عن الجولان، ولماذا هذا الاستفزاز الإسرائيلي، خاصة عندما يزعمون بأن الجولان أراضٍ إسرائيلية.
لقد جاءت ردود الفعل على القرار الإسرائيلي بالنسبة للجولان، على عكس التوقعات الإسرائيلية، فمجلس الأمن الدولي أعلن أن قرار إسرائيل بفرض قوانينها وولايتها القضائية، ونظامها الإداري على الجولان السورية المحتلة، باطل وملغٍ وليس له أي أثر حسب القانون الدولي، وأن مجلس الأمن يرفض تصريحات «نتنياهو» ببقاء الجولان تحت السيادة الإسرائيلية، أما الناطق بلسان البيت الأبيض فقد قال: أن الهضبة السورية ليست جزءاً من إسرائيل، ومنذ سنوات والإدارة الأمريكية تدعو لإعادة الجولان لسوريا، مقابل السلام، ورئيس مجلس الأمن الدولي، مندوب الصين لهذا الشهر، أعلن:»لقد عبّر أعضاء مجلس الأمن عن قلقهم العميق، بشأن التصريحات الإسرائيلية حول الجولان، وشددوا على أن وضع الجولان لا يزال كما هو، فقرار مجلس الأمن رقم (497) الذي صدر العام 1981، بأن قرار إسرائيل آنذاك بتطبيق قوانينها وإدارتها وقضائها على هضبة الجولان باطل، وليس له أي تأثير قانوني دولي، وعبّرت الأمم المتحدة عن رفضها لتصريحات «نتنياهو» عن هضبة الجولان، وأن الجولان أراضٍ سورية، وأي قرار غير ذلك يعد ملغياً، وليس هناك دولة من دول العالم، اعترفت بهذا الضم، كذلك دول عديدة أدانت تصريحات «نتنياهو»، وعقد جلسة للحكومة الإسرائيلية في الجولان، أما سفير إسرائيل في الأمم المتحدة «داني دانون»، فقد أصدر بياناً يرفض فيه قرار مجلس الأمن بالنسبة للجولان، ووصف القرار بأنه يتجاهل تماماً الواقع في الشرق الأوسط، فيما تُرتكب المذابح ضد آلاف الأشخاص في سوريا، وأصبح ملايين المواطنين السوريين لاجئين، فاختيار مجلس الأمن التركيز على إسرائيل، « الدولة الديمقراطية الوحيدة في الشرق الأوسط».

ونعود إلى «نتنياهو» الذي حطم رقماً قياسياً في زياراته لموسكو، ولقاءاته مع الرئيس الروسي «فلاديمير بوتين»، فهناك حوار وقناة متواصلة بينهما، في محاولة إسرائيلية لتحريك أدواتها ولوبياتها، ولتصبح لاعباً في شؤون الشرق الأوسط، وخارطته المستقبلية، ومع أن العلاقات التي تربطها بالولايات المتحدة قوية جداً، وهناك من يعدها ولاية أمريكية من ولاياتها، إلا أنها تخشى من تراجع هذه العلاقات في يوم من الأيام، فكانت الحركة الصهيونية في الماضي متحالفة مع بريطانيا، التي حصلت منها على وعد بلفور، قبل انتقالها إلى حضن أمريكا، وفي العام 1956، تحالفت مع كل من بريطانيا وفرنسا، في عدوانهم الثلاثي على مصر، في أعقاب تأميم قناة السويس، واليوم نتطلع نحو علاقات سياسية واقتصادية، مع كل من الصين والهند، إضافة إلى علاقاتها الوطيدة مع روسيا، التي دعمت إسرائيل بأكثر من مليون مهاجر، لتعزيز وضعها الديموجرافي والصناعي، مسلحين بأفضل العلوم والتكنولوجيا العسكرية والمهن الأخرى، فإسرائيل ترى بأن العالم يتغير، وأن من لا يلاحظ هذا التغيير، سيبقى في الزاوية، وأنها تخشى من هذا التغيير.

محللون عسكريون إسرائيليون، يرون أن العلاقات الروسية- الإسرائيلية في أحسن حالها، وأن الرئيس الروسي «بوتين»، تربطه علاقات خاصة مع «نتنياهو»، ما انعكس خلال الأشهر الفائتة، بتوطيد التنسيق الأمني، والتفاهمات القائمة في أعقاب الوجود العسكري الروسي في سوريا، وحسب المعلومات فقد نجح «نتنياهو» في كسب ثقة الرئيس «بوتين»، وأن تعمل منظومة الدفاع الجوي الروسي في سوريا «S400»، وفق إحداثيات محددة، بحيث يتم منح الطيران العسكري الإسرائيلي، هامشاً من المناورة، لضرب الأهداف داخل سوريا من خلال تفاهماتها مع روسيا، سيتم أخذها في الحسبان فيما يتعلق بالحل حول مستقبل سوريا.
لقد كانت مباحثات «نتنياهو» مع الرئيس بوتين، في اجتماعهما بتاريخ «20/‏‏4/‏‏2016» في موسكو، حول مزاعم التهديدات التي تواجه إسرائيل، نتيجة التعزيزات العسكرية الروسية في سوريا، وتزويد إيران وحزب الله بالأسلحة المتطورة، والخشية من أن الوجود العسكري الروسي في سوريا، إلى الحد من هامش المناورة المتاحة للطيران الإسرائيلي، فإسرائيل تسعى بألا تعرقل روسيا التدخل العسكري الإسرائيلي في سوريا، ولا تريد إسرائيل تدخل روسيا في المناطق القريبة من حدودها، فنجحت إسرائيل في إقامة جهاز تنسيق مع روسيا، بين سلاحي الجو للبلدين، التي انتزعت حرية العمل العسكري-الجوي في سوريا، منذ سنوات طويلة، وتخشى من تقليصه، فحصل «نتنياهو» على تطمينات من «بوتين»، من خلال التفاهمات والتنسيق الأمني، لمنع الصدام بين الجيشين، ويرى محللون إسرائيليون، أنه رغم هذا التنسيق، فإن قدرة إسرائيل على المناورة والعمل في سوريا، أصبحت محدودة بسبب الوجود العسكري الروسي، أما ما قاله «نتنياهو» للرئيس الروسي في مستهل لقائهما، بأن الجولان خط أحمر، وسيبقى تحت السيادة الإسرائيلية، فإن الموقف الروسي بقي على حاله، ويرفض ضم هضبة الجولان السورية لإسرائيل.

مدير دار الجليل للنشر والدراسات الفلسطينية.