كان – عبدالستار ناجي
يمثل المخرج كريستي بويو أحد رموز السينما الرومانية بالإضافة إلى كرستيان مونجو وكلاهما يمثلان خط سينمائي عامر بالخصوصية والتفرد واللغة السينمائية العالية الجودة.
وفي فيلمه الجديد «سييرا نيفادا» يأخذنا كريستي بويو إلى منطقة شديدة الخصوصية، يتم من خلالها تحليل المجتمع الروماني في هذه المرحلة من تاريخ رومانيا.
تبدأ أحداث الفيلم بعيد ثلاثة أيام من الحادث الإرهابي الذي تعرضت له صحيفة «شارلي ابدو» في العاصمة الفرنسية.
يقوم د.لاري بزيارة منزل والده مع زوجته لحضور التقاليد الدينية بذكرى مرور أربعين يوماً على رحيل والده بحضور جميع أفراد أسرته اعتبارا من والدته إلى عمته وأخوته وزوجاتهم وشقيقاته وأزواجهن وهناك تبدأ ملحمة إنسانية هي في حقيقة الأمر كل شيء عن الحالة الاجتماعية الراهنة في رومانيا.
أحداثيات الفيلم تبدأ على مدى نصف نهار كامل بها مشهد تمهيدي خارجي وأخر في منتصف العمل أما بقية أحداث الفيلم فهي تدور في ردهات وغرف ذلك البيت الخاص بالأسرة الرومانية المتوسطة الحال والتي مرت عبر أجيالها بتاريخ رومانيا مروراً بالارتباط بالاتحاد السوفياتي وصولاً إلى مرحلة شاوشيسكو والممارسات الدكتاتورية التي تعرض لها الإنسان الروماني.
كم من الحكايات المتداخلة والتي تبدو اعتيادية وتقليدية يمكن أن تحدث هنا أو هناك أحاديث عن الأكل والشرب ومناخ الحزن لفقدان الأب لتأخذ مناح أخرى من بينها العلاقة التي تربط بين كل رجل وزوجته أو كل امرأة وزوجها، الأمور تبدأ بالملاحظات وسرعان ما تتحول إلى اعترافات وخيانات ومناوشات وكلما انتهت حكاية تنطلق أخرى.
كل شيء في الإطار الاجتماعي ولكنها في حقيقية الأمر السياسة والاقتصاد وغيرها، ويحاول لاري أن يبدو متماسكا إصلاح ذات البين بين أفراد أسرته، بالذات حينما تتفجر الأزمة بين شقيقته الكبرى وزوجها الذي تتهمه بالخيانة المتكررة.
كم من الشخوص تبدو للوهلة الأولى هادئة بسيطة وسرعان ما تتحول إلى بركان متفجر قاسي. حتى رغم محاولة المحافظة على تقاليد الأسرة بانتظار رجل الدين الذي يفترض أن يحضر لإقامة القدس ولكن الانتظار يطول وسط عواصف من الأحداث.
الموت هو الخلفية ولكن الحاضر الأساسي هو تلك الشخصيات الحية ولكنها ميته الأحاسيس تحاول أن تحافظ على كيان الأسرة الصغيرة الكبيرة بتفرع قضاياها.
طيلة تلك الرحلة يبدو لاري ساخراً متفاعلاً مع الجميع متماسكاً حتى اللحظة التي تطلب منه زوجته اللحاق بها لأنها في مشكلة وهو المشهد الثاني الخارجي في الفيلم وهناك تحدث مجموعة من المشاكل تكاد تصل إلى حافة العنف الذي يتجاوزه لاري بشيء من الهدوء ولكنه حينما يدخل السيارة مع زوجته ينفجر بالبكاء لأنه لا يريد العنف أو الموت وهي ترى كل شيء من حوله متفجر بالعنف لأتفه الأسباب، كما يحدث زوجته عن والده.
وكما يبدأ الفيلم بالسخرية وبعض الضحكات يعود الفيلم في نهايته إلى الضحك وكأن الحياة يجب أن تستمر رغم كل تلك الضغوط العاتية التي تعصف بالمجتمع والأسرة الرومانية التي تطل علينا بعدد من الشخصيات التي تمثل شرائح متعددة من المجتمع الروماني.
في الفيلم عدد من نجوم السينما الرومانية ومنهم برانسكو ميمي «لاري» ودانا دجرو « نوسا – الام» ومارين جريجور ورولندو متزانجوس.
ونشير هنا إلى أن المخرج كريستي بويو حقق شهرة عالمية واسعة بعد فيلمه الثاني «موت لازرازو» وأيضاً فيلمه «ارورا» وهو في كل مرة مخرج يمتلك أدواته وحرفته وبصمته ولغته السينمائية التي تعتمد على سيناريو ثري بالقيم والنقد وأيضاً الكادر الثابت لمزيد من التأمل في الشخصيات وكأنها تلك الشخصيات تتحرك أمام مسرح أو كاميرا.