روبرت صامويلسون
هناك مفارقة في زماننا تتعلق بالإنتاجية. فنحن لدينا وفرة كبيرة في التقنيات التحويلية – الهواتف الذكية والأجهزة اللوحية والبيانات الكبيرة – بيد أن النمو في إنتاجية العمل، التي ينبغي أن تستفيد من كل هذه التقنيات، ضئيل جدا. وهذا أمر مهم للغاية. الإنتاجية هي لغة اقتصادية تتعلق بالكفاءة، وهي منبع مستويات المعيشة المرتفعة. فإذا ما تخلفت الإنتاجية، ستتخلف بالتبعية الأجور والدخول.
الأرقام الأخيرة محبطة. فمن عام 2010 إلى عام 2015، ارتفع متوسط إنتاجية العمل للاقتصاد بأكمله بنسبة ضئيلة بلغت 0.3% في السنة. وإذا استمر هذا على مدى عقد من الزمن، فإن هذه الوتيرة ستعني زيادة سقيمة في الأجور لا تتعدى نسبة 3%، وذلك على افتراض (ربما غير واقعي) أن المكاسب تتوزع بالتساوي على القوى العاملة.
تاريخيا، أدينا أداء أفضل كثيرا. فمن عام 1995 إلى عام 2005، زادت إنتاجية العمل بمتوسط 2.5% في السنة، حسب تقارير مكتب إحصاءات العمل. وهذا من شأنه أن يدعم زيادة في الأجور والمزايات الإضافية بنسبة 25% على مدى عشر سنوات.
بمعنى أوسع، ينبغي أن تُعنى الانتخابات الرئاسية بإحياء نمو الإنتاجية، وهو ما من شأنه أن يخفف بشكل تلقائي من مشكلاتنا الاقتصادية. من ذا الذي لا يريد أجورا أعلى وإنفاقا اقتصاديا أقوى وجمع ضرائب أكثر؟ ولكن لا يوجد لدى أي من المرشحين، سواء من اليسار أو اليمين، خطة لضمان نمو أسرع في الإنتاجية.
ورغم أن الإنتاجية تبدو جافة، فإنها تعكس شيئا ديناميكيا ليس له شكل متبلور، وهو الثقافة الاقتصادية في البلاد، والتي تتضمن قيمها ومؤسساتها وتركيبتها السكانية وتقنياتها ومديريها وعمالها وغير ذلك الكثير. ولأن الإنتاجية تجسد الكثير فمن الصعب التأثير عليها والتحكم فيها. لقد فشل الاقتصاديون مرارا في ذلك، فهم بانتظام تفوتهم نقاط تحولها – مراحل تباطؤ وتسارع الإنتاجية. فلم يتوقع أحد منهم تباطؤ سبعينات القرن الفائت ولا تسارع التسعينات.
ليس غريبا إذن أن الركود الحالي سبب لهم حيرة. فهو لم يكن متوقعا، وأسبابه غير واضحة. في ورقة بحثية، استعرض الخبير الاقتصادي مارتن نيل بايلي من معهد بروكينجز بعض الأسباب العامة المرشحة لذلك.
• الابتكار تباطأ، فنتج عنه ضعف في الاستثمار في الأعمال التجارية.
• الكساد الكبير "ضرب الاقتصاد"، مما أضعف أيضا من الاستثمار.
• تراجع رأس المال، فجعل من الصعب على الشركات البادئة الحصول على التمويل.
• تباطؤ الإنتاجية هو سراب إحصائي، لأن قيمة خدمات الإنترنت "المجانية" (جوجل وفيسبوك وما شابه ذلك) يتم التقليل من شأنها.
يلقي الاقتصادي روبرت جوردن، من جامعة نورث ويسترن، باللوم على ضعف الابتكار، ولكنه يعتقد أن الإنتاجية يجب أن تنمو بنسبة 1% سنويا على الأقل. وفي الوقت ذاته، ترفض دراسة جديدة أجراها الاقتصاديون في مجلس الاحتياطي الفيدرالي وصندوق النقد الدولي عدم اعتبار شبكة الإنترنت سببا رئيسيا لتباطؤ الإنتاجية. تقول الدراسة إن الخدمات "المجانية" يتم احتسابها؛ فهي يتم تقييمها بالتكلفة التي تدفعها الشركات لإعلانات الإنترنت.
وبالتالي تبقى المفارقة قائمة: كيف يمكن لجميع التقنيات الجديدة، مع كون عدد لا يحصى من الصناعات قد "تعطلت" وأُجبرت على التغيير، أن تتعايش مع مثل هذا الأداء الضعيف في الإنتاجية؟ قد تكون الإجابة أبسط مما نتصور. فالاقتصاد يدعم تقنيات موازية – قديمة وحديثة – لفعل نفس الشيء. وتكلفة التداخل كبيرة، وبخاصة في اقتصاد بطيء النمو مازال يعاني من شبح الكساد الكبير.
وأوضح مثال على ذلك هو قطاع التجزئة. فتجار التجزئة التقليديون، بما فيهم المتاجر الكبرى التي كانت تبدو في يوم من الأيام أنها لا تقهر، يواجهون منافسة شرسة من التجارة الإلكترونية. وهم لا يستطيعون التخلي عن متاجرهم، التي غالبا ما تبقى هي أكبر مصدر لمبيعاتهم وأرباحهم. (على الرغم من النمو السريع، مثلت المبيعات عبر الإنترنت في عام 2015 نسبة 7.3% فقط من إجمالي مبيعات التجزئة.) ولكن إن لم يتستثمروا بكثافة في التكنولوجيا الرقمية فإنهم سيتركون المستقبل لأمازون وغيرها من الشركات الرقمية الناجحة.
حتى وول مارت القوي لا يمكنه الهرب من هذا المنطق. ففي عامي 2014 و 2015، كانت مبيعاته في الولايات المتحدة، بما فيها التجارة الإلكترونية، ثابتة. ومع ذلك فقد نفذ استثمارات كبيرة في عملياته على شبكة الإنترنت للتصدي للمنافسة الإلكترونية. وهناك صناعات أخرى تقف في مفترق طرق بين عهدين تكنولوجيين. فالصحف تنشر إصدارات مطبوعة ورقمية. وخدمة الهاتف منقسمة بين توسيع شبكات الهاتف النقال وانحسار الهواتف الأرضية.
بالنسبة للاقتصاد ككل، هذا يمثل ازدواجية هائلة. فالشركات منقسمة بين شركات مربحة بشكل بكير وأخرى غير مربحة، كما يجادل الاقتصادي في البيت الأبيض جيسون فورمان. ونفس هذه الظاهرة قد تؤثر على الإنتاجية. فبعض الشركات، بما فيها العديد من الشركات الرقمية، منتجة بشكل كبير. وكثير من الشركات الأخرى غير سعيدة، فهي مثقلة بالتقنيات الموازية. والأداء المتوسط لهذه المجموعة الثانية هو الذي يؤدي إلى انخفاض نمو الإنتاجية الإجمالية للاقتصاد.
إن كان هذا المنطق صحيحا (وبالطبع قد لا يكون كذلك)، يكون لدينا تفسيرا لكيف أن التقنيات الحديثة المتفجرة يمكن أن تضعف من متوسط نمو الإنتاجية، على الأقل مؤقتا. إن كثيرا من الأمريكيين منشغلون الآن بالحملة الانتخابية الغوغائية. ولكن ليس من المبالغة أن نقول إن مستقبل البلاد قد يعتمد على مصير الإنتاجية بنفس قدر اعتماده على هوية الرئيس المقبل أو ربما أكثر.
كاتب عمود في مجال الأعمال والاقتصاد في صحيفة واشنطن بوست.