فريد أحمد حسن
مؤلم أن يفسر البعض قيام سلطنة عمان بتهيئة الظروف المعينة على التقاء الأطراف ذات العلاقة بأي مشكلة تعاني منها دول المنطقة بغية الإسهام في حلها تفسيرا بعيدا عن الواقع والمنطق والحقيقة ، فعمان واضحة في مواقفها وهي لا تفعل ذلك من أجل الحصول على مكاسب ، فهي تعتبر هذا الذي تقوم به واجبا يصب في الدور الذي آلت به على نفسها على مدى التاريخ ، وبالتالي فإن كل من يقول بغير هذا يعني باختصار أنه يرمي من ورائه إلى أمر ما تختبئ وراءه مصلحة معينة والإساءة.
لا يمكن أبدا أن تقنع عاقلا بأن سلطنة عمان تعمل ضد هذا الطرف أو ذاك ، أو لهذا الأمر أو ذاك ،أو أنها ترمي من وراء هذا الفعل الخير أمرا آخر غير الذي تعلنه وبوضوح تام، فمن يقول بهذا إنما يرتكب خطأ كبيرا في حق السلطنة وشعبها ، والإنجاز الذي حققته قبل نحو عام والمتمثل في إغلاق الملف النووي الإيراني بعد تهيئة الظروف المناسبة للأطراف ذات العلاقة لتصل إلى تلك النتيجة ربحها منه سمعتها وإسهامها في خفض نسبة التوتر في المنطقة ، وهو ربح غير قليل لأنه سد بابا يأتي منه الريح ويفتح الطريق للجميع على كل الاحتمالات وعلى مزيد من عدم الاستقرار. من هنا تم وصف ذلك بالإنجاز التاريخي واستدعى الإشادة به من قبل كل العالم ؛ دول وهيئات ومؤسسات وأفراد وكل الأطراف ذات العلاقة .
لا يمكن أيضا إقناع عاقل بأن السلطنة تنقل أو تسهل عملية نقل السلاح أو غيره إلى أي طرف من الأطراف المتحاربة في أي مكان لأن هذا باختصار ضد مبادئها وتوجهاتها وقناعاتها وضد سياستها التي أرساها حضرة صاحب الجلالة السلطان قابوس بن سعيد المعظم حفظه الله ، فعلى مدى العقود الأربعة الأخيرة وفرت السلطنة الكثير من الأدلة التي تمنع مثل هذه الادعاءات حتى وصل الحال إلى عدم اختلاف اثنين في أي بقعة من بقاع العالم على أن السلطنة لا تقوم إلا بما يجمع ولا يفرق وتقوم بما يعين على نشر السلام والمحبة بين البشر .
من هنا فإنه لو تجرأ أحد على السلطنة وقال كلاما ناقصا خصوصا في هذه المرحلة الدقيقة التي تمر بها الأمة العربية أو حاول اللعب على المتناقضات فإن الآلاف يردون عليه ويفحمونه. سلطنة عمان لم تتوقف لحظة عن محاولاتها رأب الصدع بين الأشقاء في اليمن وفي دول مجلس التعاون الخليجي وفي العديد من الدول العربية وبينهم وبين جيرانهم ، لذا فإن من غير المنطقي القول إنها قامت بعمل بدت فيه أنها منحازة لهذا الطرف أو ذاك ، فسياسة السلطنة وخصوصا منذ أن تسلم السلطان قابوس بن سعيد مقاليد الحكم في البلاد تقوم على عدم الانحياز والعمل على توفير الظروف المناسبة لرأب الصدع بين كل طرفين مختلفين ، فربح السلطنة يكمن في هذا العمل الجميل وليس في نقيضه ، فالسلطنة فاعل خير مميز .
كل من يعرف سلطنة عمان جيدا وكل عارف بسياساتها ومتابع لدورها لا بد أنه يتألم لما قد يقال من كلام ناقص عنها، فالسلطنة والانحياز ضدان لا يمكن أن يلتقيا أبدا، والسلطنة والجذور الدينية والمذهبية ضدان لا يلتقيان أيضا ، والسلطنة والعروبة جزءان لا يمكن لأحدهما أن يفترق عن الآخر ولو للحظة أيا كانت الأسباب . لا دور سالب تلعبه السلطنة في أي قضية ، فدورها – وكذا أشقاؤها في دول مجلس التعاون - موجب دائما ولا يعود على الآخرين إلا بالخير فهذه رسالتها وعملها الذي تفاخر به.
ما تقوم به سلطنة عمان دائما هو السعي الجاد إلى تعمير المنطقة والعمل على حفظها من كل سوء، وما قيل عن استقبال السلطنة لوفود أجنبية على أراضيها "كي تضع دستور تقسيم ليبيا"قول يصب في صالحها وليس ضدها ، ذلك أن حرص السلطنة على أن يكون لها إسهام في إنقاذ هذا البلد العربي الشقيق من الأزمة التي تطحن به رغم البعد الجغرافي هو ما دفعها إلى توفير الأجواء المناسبة والمعينة لذوي العلاقة على التوصل إلى ما قد يعجل بإغلاق هذا الملف الدموي (الجميع يعلم بأن السلطنة تسعى إلى حل العديد من الملفات العالقة في المنطقة ولكن في صمت حيث سياستها تفرض عليها التكتم حتى تصل إلى مفيد ومفرح تنشره) .
وضوح السياسة العمانية يكفي للرد على أي ادعاء ناقص يراد منه الإساءة إليها . لا يمكن لأحد مثلا أن يدعي أن للسلطنة دورا في تسهيل انتقال السلاح إلى اليمن مثلا وهو ما جاد به خيال البعض الذي انفتح على الآخر . مثل هذا الكلام لا يمكن إلا أن يستثير غضب من يعرف السلطنة ويدرك دورها الحضاري والإنساني وإن كان لا يستحق الرد عليه.
ما تقوم به سلطنة عمان هو إطفاء النار التي أضرمها البعض على "السجادة" وتبارى الآخرون على سكب البنزين عليها . السلطنة لا تعرف غير نشر المحبة والإسهام بإيجابية في فعل الحضارة ، وهي ليست في حاجة إلى هذه الشهادة ولا إلى غيرها ، ففعلها واضح وحاضر ويراه ويلمسه الجميع ولا يمكن أن تنشغل بما قد يصدر عن ناقص لا يدرك ما يدور ولا يعرف المنطلقات التي ترتكز عليها السلطنة في سعيها لإصلاح ذات البين ،فالتاريخ دون في سجلاته أن سلطنة عمان وإصلاح ذات البيت صنوان .
• كاتب بحريني