الأخطاء الطبية.. هل من التفاتة؟

مقالات رأي و تحليلات الأربعاء ١٣/أبريل/٢٠١٦ ٠١:١٥ ص
الأخطاء الطبية.. هل من التفاتة؟

ناصر بن سلطان العموري
abusultan73@gmail.com

كانت عقارب الساعة تشير حينها إلى قرابة الساعة الثالثة ظهراً وأنا أستمع بإنصات وتركيز لبرنامج البث المباشر. وكان محور الحلقة يومها يتحدث عن الأخطاء الطبية ضحاياها ومسبباتها. وحقيقة شدني موضوع الحلقة ومداخلاتها من خلال الاتصالات الهاتفية الواردة للبرنامج. ولا خلاف على أهمية مثل هذه البرامج الحوارية المباشرة التي أصبحت متنفسا للمواطنين ومرآة عاكسة لكل من له مشكلة ولم يجد لها آذاناً صاغية من قبل الجهات الحكومية ذات العلاقة. وكم وكم من قضايا كشفت وحلت عبر مثل هذه البرامج الحوارية الهادفة للغاية بمواضيعها الشيقة التي تناقش قضايا الساعة وحديث الشارع.

كانت المداخلات الهاتفية من قبل متضررين من الأخطاء الطبية أو أقرباء لهم تحكي وتشرح معاناتهم مع أخطاء فادحة تعرضوا لها ولكن من سينصفهم إذا كان الخصم هو الحكم نفسه وإذا كانت اللجنة التي تعنى بالأخطاء الطبية جل أعضائها أو أغلبهم من وزارة الصحة؟!

قررت بعد ذلك أن أوجه بوصلة عمود نبض قلم نحو موضوع الأخطاء الطبية وأن أسلط الضوء عليه كونه موضوعا مهما وحساسا وله تأثير كبير وعميق على المجتمع وربما سيقطع حبل الود والثقة الذي يربط المواطن أو المقيم بالمؤسسات الصحية وقد تجلى ذلك بشكل صريح بين أطياف الشعب حينما باتوا يطلقون ألقاباً غريبة وعجيبة على بعض مستشفيات السلطنة تدل على خوفهم وهلعهم منها بل إن منهم من فقد الثقة ويصرون على نقل مرضاهم لمستشفيات العاصمة أو حتى للخارج مباشرة فأين الثقة هنا بالله عليكم... وهل فطنت وزارة الصحة لمثل هذا الأمر؟ أشك في ذلك!
تعرف الأخطاء الطبية على أنها “عبارة عن أخطاء يتم ارتكابها في المجال الطبي نتيجة انعدام الخبرة أو الكفاءة من قبل الطبيب الممارس أو الفئات المساعدة أو هي نتيجة ممارسة عملية أو طريقة حديثة وتجريبية في العلاج أو نتيجة حالة طارئة تتطلب السرعة على حساب الدقة أو نتيجة طبيعة العلاج المعقد”.

والأخطاء الطبية كما تقول المصادر المختصة بذلك ليست بالموضوع الجديد، ولكن لم يتم الاهتمام بها بشكل جاد حتى العام 1990 في الولايات المتحدة الأمريكية عندما تكفلت الحكومة الأمريكية بالتحقيق في قضية خطأ طبي. في العام 1999 نشرت نتائج التحقيق، ونتيجة لذلك أمرت الحكومة بتكوين منظمة لتحليل الأخطاء الطبية وسلامة المرضى وطرح توصيات للتطوير.

أول تقرير رفع من قبل المنظمة الطبية عن الأخطاء الطبية في الشهر الثاني من العام 2000. وتضمن التقرير إحصائية لعدد الأشخاص الذين يتوفون سنويا نتيجة الأخطاء الطبية التي يمكن تفاديها وقد وصل عددهم من 44 إلى 98 ألفا سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية، وكان مجمل تكلفة هذه الأخطاء بالمستشفيات سنويا من 17 إلى 29 بليون دولار أمريكي. وتصل نسبة الإصابات الأخرى كما ورد بالتقرير إلى مليون متضرر سنويا في الولايات المتحدة الأمريكية.
وإجمالا تتفاوت معدلات الأخطاء الطبية في العالم من بلد لآخر، والمعدل الحقيقي غير معروف في أغلب دول العالم وذلك بسبب مسببات شتى منها القصور في الإبلاغ عن بعض الأخطاء الطبية من قبل العاملين بالقطاع الصحي ومن قبل المراجعين أيضا. والتهاون بالإبلاغ عن الأخطاء الطبية له أسباب عديدة، منها خوف العاملين بالقطاع الصحي من العقاب أو من تحمل المسؤولية، وخوف المراجعين من عدم الاهتمام بهم من قبل العاملين بالقطاع الصحي إذا ما قاموا بالإبلاغ عن الأخطاء أو لقناعتهم أنهم لن يستفيدوا من الإبلاغ ولن يسمعهم ويستجيب لهم أحد. ومن أهم الأسباب في اعتقادي كذلك لعدم الإبلاغ هو عدم وجود نظام واضح وجلي للإبلاغ والتعامل مع هذه الحالات.
على المجالس البرلمانية (الدولة والشورى) هنا التدخل لحث وزارة الصحة والجهات القانونية على سن قوانين حازمة جازمة نافذة تحد من ظاهرة الأخطاء الطبية وتكون أشبه بالدرع الحصين لكل من يقع ضحية لهذه الظاهرة وإنصاف المريض وإرجاع الحق له. ويا حبذا لو تنشأ لجنة مستقلة تكون مسؤولة عن متابعة كل ما يتعلق بالأخطاء الطبية سواء من قبل الجهات الحكومية أو الخاصة أو حتى المتضررين من الأفراد. وعلى وزارة الصحة كذلك تعديل بنود لوائحها الداخلية فيما يتعلق بالأخطاء الطبية حتى يحرص كل طبيب وطاقمه على حياة المريض كل الحرص ويعرف أنها ليست أداة بل هي روح غالية وفقدها أليم. فلنحرص على أن تكون مؤسساتنا الصحية بلا أخطاء طبية تذكر حتى يشعر ويستشعر المواطن بالثقة في مؤسساتنا الصحية المختلفة.