مسقط - ش- العمانية
تزخر قاعة عظمة الإسلام بالمتحف الوطني بمسقط بالعديد من الكنوز التي تثري الزائر للمتحف وتعرفه بإسهامات العمانيين في العديد من مجالات العلوم، حيث تضم القاعة من بين المعروضات العديد من المصاحف العمانية المخطوطة التي أولاها النساخ والخطاطون العمانيون أهمية كبيرة، وتسابقوا في اتقانها وإبداعها وتتميز بجمال الخط، وحسن تجليدها وزخرفتها وتذهيبها.
وفي دار المخطوطات بوزارة التراث والثقافة هناك عددًا كبيرًا من المصاحف المخطوطة تتجاوز 200 مصحف، يقول عنها محمد بن فايل الطارشي رئيس قسم تسجيل المخطوطات بالوزارة ان من بينها " مصاحف متميزة بطابعها الزخرفي واشكالها الهندسية والنباتية التي تتسم بالواقعية والتواضع وبالألوان الزاهية والتي حاول الخطاطون والنساخون العمانيون ان يبذلوا قصارى جهدهم في نسخ هذا النوع من المخطوطات بالخط العماني المميز والذي يجمع بين خط النسخ وخط الثلث الذي يعمد الى استخدام الخطوط المتشابكة في بداية المخطوط ونهايته".
واضاف الطارشي الذي اعد بحثا في هذا المجال أن "الخطاطون والنساخ العمانيون استخدموا في نسخ المصاحف العديد من الادوات لرسم الاشكال الهندسية منها الدائري والبيضاوي والمستطيل والمربع وطغى على هذه العناصر الزخرفية الالوان والاحبار السائدة آنذاك مثل اللون الاحمر والاسود والازرق والبني واستخدام الزخرفة بماء الذهب في اضيق الحدود، وتجلت تلك الزخرفة في اللوحات الفنية البديعة في اول المصحف وفي اخره والتي نطلق عليها الصفحة الاستهلالية او الاستفتاحية وفي قيد الختام او حرف المتن وايضا في فواتح السور واطر الصفحات وفي الحواشي والهوامش التي تضم علامات رؤوس الآيات والاجزاء والاحزاب ومواضع السجدات ويلي ذلك ويسبقه كثير من التقييدات كالوقف والتملك والشراء والاعارة اضافة الى العديد من الظواهر الكتابية في اول المصحف واخره والتي تشكل لوحات فنية بديعة، فمثلا كتبت ابيات شعرية في اخر المخطوط خصوصا عندما تكون قيود الختام في المخطوطات منفصلة عن النص وهو ما يجعل بعض النساخ يزيدون بعض الابيات في نهاية المصحف تعبر عن معاناتهم وما بذلوه من جهد فمثلا هذه ابيات شعرية تعبر عن مشاعر حقيقية يقترن فيها الخوف من الموت باليقين بان امد هذه الكتابة سيطول:
وما من كاتب الا سيفنى
واوضح ان "من الظواهر الكتابية التي تعتبر من العناصر الزخرفية وتزين بها المصاحف انقسام الكلمات في اواخر السطر وتكمل في السطر الذي يليه او في الهامش للمحافظة على المساواة بين هذه الاسطر"، مشيرا الى انه "توجد في مكتبة وزارة التراث والثقافة وايضا في المصاحف العمانية في الخزانات العامة كثير من هذه النماذج من المصاحف، وايضا من الظواهر الكتابية الآيات القرآنية، فاحد المصاحف المشهورة وهو مخطوط "المصحف السندي" وهو للخطاط محمد بن فاضل السندي نسخ في سنة 1179 هـ في بندر مسقط ومحفوظ في مكتبة الوزارة برقم 2863، ختمت نهايته بأية قرآنية من سورة الانعام "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا لا مبدل لكلماته وهو السميع العليم"، وكتبت هذه الآية داخل اطار دائري الشكل ذو ارضية زرقاء ومزخرف بالألوان الاحمر والاصفر والاسود.
وقال محمد بن فايل الطارشي إن "من الظواهر الكتابية ايضا "التعقيبة" وهي الكلمة التي في أسفل الصفحة اليمنى غالبا لتدل على بدء الصفحة التي تليها، وتسمى ايضا لفظ التتابع بين الصفحات وهو نوع من الترقيم استخدمه القدماء لترتيب مؤلفاتهم وهي ان يثبت الناسخ في نهاية المصحف تحت اخر كلمة من السطر الاخير اول كلمة او كلمتين من الصفحة الموالية لها للدلالة على تسلسل النص، وكانوا يفعلون ذلك ليهتدوا الى ترتيب الاوراق عند اضطراب هذا الترتيب لسبب تفكك اوراق المخطوط وغير ذلك".
وبين الطارشي انه "لم تقتصر ايضا الزخرفة عن الظواهر الكتابية واول المخطوط واخره بل امتدت الزخرفة ايضا الى دفتي المخطوط وهو الجلد وايضا الى لسانها وداخلها، فقد تم تبطين بعض المصاحف بقماش من الحرير، ووقفت على مصاحف عمانية محفوظة في مكتبة وزارة التراث والثقافة برقم حفظ 4891، والتبطين هو نوع من الزخرفة بألوان الإبرو وهي زخرفة مستوحاة من مصاحف فارسية ظهرت في القرن العاشر، وهناك مصاحف عمانية مبطنة بهذا النوع من الالوان المتداخل".
واشار الى ان "بعض المصاحف المحفوظة في مكتبة وزارة التراث والثقافة ورد بعضها الى الوزارة ومنها مصاحف عمانية كتبت بأيدي نساخ عمانيين، وبعضها مصاحف غير عمانية وهي مصاحف مغاربية فارسية وتركية، وعليها تقييدات ووفيات الملاك وواقفين عمانيين، وتم حصر وتوصيف وفهرسة المصاحف وقدرت بأكثر من 300 مصحف ومخطوط وربعة قرآنية ( الختمة، عدد اجزاء القرآن تجزئة 30 جزء) وكان يقيد عليها كثير من تواريخ الوفيات، ويتضح من خلال هذه التقييدات ان هذه الختمة تقرأ على روح الاموات ويكتب خاتم القرآن هذا التقييد، وكانت ايضا هذا الختمة تؤجر لمن يقرأها على روح الميت، وقد وقفت على كثير من تلك التقييدات وبعضها به ثمن الاستئجار".
واضاف " لقد قمت بدراسة مصاحف امتدت من القرن الحادي عشر الى الرابع عشر الهجريين، واقدم المنسوخ منها مصحف نسخ سنة 1054هـ بيد سالم بن ربيع بن راشد البهلوي محفوظة بمكتبة وزارة التراث والثقافة برقم حفظ 15 إلا انه يوجد ما هو اقدم منها، وهي اقدم النسخ المؤرخة من المصاحف العمانية المخطوطة في خزانة ابي الحكم احمد بن عبدالله الحارثي ونسخ سنة 1028هـ بيد الناسخ الخطاط احمد بن عبدالله الخليلي، واحدث هذه المصاحف مصحف نسخ سنة 1332هـ بيد زهران بن خلفان بن سرور اليعربي محفوظ بمكتبة وزارة التراث والثقافة برقم حفظ 4393".
وقال إن دراسته "قسمت المصاحف موضوع البحث الى مصاحف تامة معروفة الناسخ بالتصريح او القرائن ويقدر عددها بأكثر من 50 مصحفا، ومصاحف غير تامة مجهولة الناسخ والتاريخ وهي الاكثر ويقدر عددها بأكثر من 250 مصحفا، اما المصاحف الغير تامة ناقصة الاول والآخر وفقدت جلودها الاصلية واستحدث لها جلود حديثة فإن هذا النقص تم بفعل كثرة الاستخدام لهذه المصاحف وحوادث الزمن من القدم والتآكل والرطوبة والارضة او بفعل السطو والاستيلاء على بعض تلك الاوراق خصوصا التي تحتوي على بيانات النسخ، فنجد كثيرا هذه المصاحف مبتورة الاخر، وكذلك تعمد بعض النساخ عدم كتابة اسمه وبيانات نسخه".
واوضح محمد بن فايل الطارشي رئيس قسم تسجيل المخطوطات بوزارة التراث والثقافة أن تلك المصاحف التي تتبع دراستها اتخذت شكلان وعائيان هي المصاحف والارباع حيث بلغ عدد المصاحف 260 مصحفا بالإضافة الى 40 ربعة قرآنية وختمة، واغلب تلك المصاحف تأخذ الشكل العمودي بحيث يكون ارتفاع المصحف اكبر من عرضه، وتوجد اشكال اخرى للمصاحف ومنها الشكل السفيني ويكون العرض أكبر من الطول، وهي مصاحف غير موجودة لدينا وظهرت في القرون الهجرية الاولى".
مصحف القراءات السبع
وحول مقاس المصاحف العمودية بمكتبة وزارة التراث والثقافة قال الطارشي إن "اكبر مقاس وقفنا عليه 36 سنتم في 25 سنتم، واصغرها 16 في 10 سنتم وهو عبارة عن ربعة قرآنية، وبين هذين المقاسين جاءت بقية المصاحف"، مشيرا الى اندر المصاحف المخطوطة والمحفوظة بمكتبة الوزارة مصحف القراءات السبع بخط الناسخ الخطاط الشيخ عبدالله بن بشير بن مسعود الحضرمي الصحاري في القرن الثاني عشر الهجري وهو يصنف من النساخ البارعين لروعة خطه، وهو ايضا عالما ومؤلفا وله تصانيف فقهية ومن اثاره العلمية "الكوكب الدرئ" و "النور المستبين" و " مختصر كتاب المصنف" وغيرها"، وفرغ الحضرمي من كتابة المصحف الشريف في السادس من محرم سنة 1253 هـ، وهو أحد مصاحف عديدة كتبها بخط النسخ الجميل.. وجعل اللون الأسود هو الأساس، ولون بالأحمر: السطر الأول من بداية كل جزء، أسماء السور، واسم الجلالة، والبسملة، وأول حرف من كل سطر، وكان الحضرمي بارعا في تنسيق الصفحات والأسطر؛ إذ تبدأ كل صفحة بأول آية وتختم بنهاية آية، والحرف الأول الذي يبدأ به السطر الأول هو الحرف نفسه الذي يبدأ به السطر الأخير في الصفحة، كما أن أول حرف من السطر الثاني من أعلى الصفحة هو أول حرف من السطر الثاني من أسفلها، وهكذا بقية الأسطر، ويستمر التنسيق بهذا التناظر في بقية الصفحات، أما السطر الثامن في وسط الصفحة اليمنى فإن أول حرف منه هو الحرف نفسه في أول السطر الثامن من الصفحة اليسرى.
مصحف الريامي
ومن المصاحف العمانية بدار المخطوطات مصحف /الريامي/ الذي لا يجد المتصفح له أي نقش أو زخرفه وهو مصحف كتبه الأديب النسابة عامر بن سليمان الريامي من علماء القرن الثالث عشر الهجري وفرغ من كتابته في منتصف ذي الحجة 1240هـ ويجد القارئ التلوين والزخرفة في صفحتيه الأوليين فقط، ولكنها زخرفة هادئة كأنما هي قطعة نسيج من التراث العماني القديم أما خط الناسخ فغير مميز لكنه واضح ومقروء، متباعد الأسطر، ولا يجد المتصفح له أثر لزخارف تذكر، بل تخلو صفحات المصحف عادة من التأطير ولون الخطاط بالأحمر أسماء السور التي يحيطها بإطار أحيانا وأحيانا دونه.
ومن بين مصاحف الدار أيضا مصحف حمل اسم /مصحف الوايلي/ وهو من بين النماذج التي تظهر فيه بساطة مخطوطات المصاحف العُمانية وخط المصحف الناسخ سليمان بن مطر الوايلي وفرغ منه في يوم الاثنين 2 جمادى الأولى 1291هـ ولا يجد المتصفح لهذا المصحف أي زخارف تذكر سوى إطار من خطين متوازيين باللون الأحمر أحيانا وهذا النمط من المصاحف شائع بكثرة عند أهل عُمان، وهو ينطلق من مبدأ يعتبر مكمن الجمال ليس في الزخارف والنقوش والزينة، إنما في البساطة التي تكسب القارئ الراحة والسكينة وفي وضوح الخط وضبط الشكل الذي يعينه على قراءة صحيحة متقنة للقرآن الكريم وله أمثلة كثيرة في مخطوطات الدار.