عيد العمال ألم... الازمات أمل السلطان

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ٠٤/مايو/٢٠٢٠ ١٩:٢٠ م
عيد العمال ألم... الازمات  أمل السلطان

بقلم: علي بن راشد المطاعني
احتفلت السلطنة باليوم العالمي للعمّال الذي يصادف الأول من مايو من كل عام وسط متغيّرات استثنائية ربما هي الأولى من نوعها التي تحدث للعمّال بهذه الظروف القاسية بتراكم الهموم على العاملين في القطاع الخاص سواء من خلال تداعيات الأزمة الاقتصادية وما صاحب ذلك من فصل للعديد من الكوادر الوطنية وتسريح بعضهم، أو بسبب فيروس كورونا الذي شلَّ الحياة الاقتصادية وضاعف من المشكلة على أبنائنا العاملين في الشركات والمؤسسات بتخفيض رواتبهم أو إقالتهم لأسباب توقف الأنشطة أو العمل عن بُعد وغيرها من المبررات التي تكالبت على العمّال في عيدهم الحزين هذا العام كما يبدو.
فعلى الرغم من الدعم اللامحدود من الحكومة بكافة جهاتها ولجانها للقوى العاملة الوطنية، ووقوف اتحاد عام سلطنة عمان كمظلة ترعى مصالح العاملين بالقطاع الخاص وكذلك دور النقابات والتعزيزات المعنوية، إلا أنّه في المقابل هناك قوى ضاغطة وتكتلات تتحيّن الفرص ‏للضغط على القوى العاملة الوطنية ليست بخافية على أحد منا، فنشهد معاناة متتالية، بل نعيش صارعا بين أطراف الإنتاج لا مثيل له في العالم بسبب تضارب المصالح وتغليب الأنانية وقلة الردع وضعف الضمائر الحيّة في مراعاة الحقوق والواجبات، فضلاً عن موازين القوة غير المتكافئة بين العامل وصاحب العمل، وقد انعكس ذلك في تزايد القضايا المرفوعة من قِبل العاملين والشكاوى والتسريح الممنهج والإقالات وغيرها التي تضاعف المشكلات على العمّال في عيدهم اليتيم هذا العام.
فبلا شك أنّ الاحتفال هذا العام بهذه المناسبة التي نحيّي فيها الجهود المبذولة من إخواننا العمّال في كل ميادين العمل وما يقدّمونه من تضحيات في سبيل بناء وطنهم وكسب عيشهم، نحتفل بيومهم بطعم المعاناة والخوف من الأزمات الاقتصادية، والهلع من فيروس كورونا، ناهيك عن الفزع من الإجراءات التعسفية التي قد يتخذها أرباب العمل في الشركات والمؤسسات، فضلاً عن الضغوط الحياتية التي تُرهق العمّال للمواءمة بين تلك المتغيّرات التي تعصف بهم هذا العام في أكثر من جانب.
مما يزيد الطين بلة - على ما يُقال ويُثار من هواجس - بأنّ مستقبل العمل في ظل هذه الظروف المتلاحقة ما زال غامضا، لا يُعرف إلى أين تتجه أوضاع العاملين في مؤسساتهم وما ينتظرهم من تحديات يجب تدارسها وتهيئة السُبُل لها، ووقف نزيف التسريح، والوقوف على مقربة من ظروف الشركات والمؤسسات التي من الطبيعي أنّها سوف تنتهج ممارسات تضيف أعدادا من الباحثين عن العمل إلى القوائم الموجودة.
إنّ تفكير العمّال لم يعد في قيم العمل وإعلاء شأنه والإنتاج والانضباط وأخلاقيات العمل أكثر من التفكير بمستقبلهم في ظل تواتر الأخبار بما يشهده العالم من أزمات وانعكاساتها في ظل بيئة عمل غير واضحة ومستقرة، وكذلك الحفاظ على سلامتهم من انتشار الفيروس في ميادين العمل وما يتطلبه ذلك بالتوازن بين دوران عجلة الإنتاج والحفاظ على صحتهم هو ما يفرض علينا جميعا أنْ نتكاتف لنبث الطمأنينة لقلوبهم المنفطرة لهذه الحوادث المرعبة.
فاليوم ووسط الظروف العصيبة التي يمرّ بها العمّال من الأزمات المتتالية، فإن القطاع الخاص وأرباب الأعمال عليهم واجبات كبيرة ومسؤوليات متعاظمة لتجاوز كل هذه التداعيات والوقوف مع العمّال من أبنائنا ليس فقط لتعزيزهم للاستمرار في أعمالهم وتحبيذهم ببيئات العمل الحالية، وإنّما لحفز غيرهم على العمل في القطاع الخاص في الفترة القادمة، لكن مع التأزيم الحاصل من الطبيعي أنْ ينفر أبناؤنا منه وهو ما يجب معالجته انطلاقا من منظور وطني ينهض به الكبار قبل الصغار.
في مقابل كل هذه التوترات، يأتي الاهتمام والرعاية السامية لحضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق ـ حفظه الله ـ بأبنائه العمّال وإذ جلالته يعايش همومهم اليومية والحياتية والمعيشية؛ فجاء إنشاء صندوق الأمان الوظيفي خلال الفترة الماضية وبتمويل من لدن جلالته بمبلغ 10 ملايين ريال عُماني ليكون ملاذا للمسرّحين من أعمالهم، وكذلك وجَّه جلالته بإنشاء لجنة لمعالجة أوضاع العاملين برئاسة وزارة القوى العاملة وعضوية المركز الوطني للتشغيل ووزارة التجارة والصناعة ووزارة النفط والغاز؛ للنظر بواقعية لأوضاع المفصولين والشركات ليكونوا حكماء بالعدل فضلاً عن الإجراءات الأخرى المُتّبعة في التعاطي القضائي في البلاد.
بالطبع نعلم وندرك التحديات التي تواجهها الشركات وأرباب العمل ولكن أحوالهم أفضل من غيرهم وقدراتهم على التحمُّل أكبر، لذا يجب أنْ يتحمّلوا بعض تبعات هذه الأزمات التي تظهر معادن الرجال ونقاوتهم في مثل هذه الظروف، وتجسّد حقيقة بأنّ كل ما يقدّمونه جزء من الاستحقاقات الوطنية التي يتوجب عليهم النهوض بها.
نأمل من الجميع تخفيف الأعباء والضغوط على العمّال والوقوف بجانبهم في مثل هذه الظروف وتعزيز دور الحكومة في هذا الجانب الوطني والعمل معها جانبا إلى جنب في تحمّل هذه الأزمات ومراعاة أبنائنا العاملين في الشركات، وكل ما يُقدَّم محسوب ومنظور من أجهزة الدولة التي تراقب مدى التعاطي مع الواجبات الوطنية في السراء والضراء.