أهتمامات ساندرز عن قضية إسرائيل

مقالات رأي و تحليلات الخميس ٣١/مارس/٢٠١٦ ٠٠:٢٥ ص
أهتمامات ساندرز عن قضية إسرائيل

لا يتمتع أي بلد أجنبي بحضور بارز في الحملات الانتخابات الرئاسية الأميركية مثل إسرائيل، فالطامحون للوصول إلى المناصب السياسية الأقوى في العالم سواء كانوا جمهوريين أو ديمقراطيين، يعلنون باستمرار دعمهم لهذا البلد الصغير والبعيد. ومع ذلك، فقد امتنع شخص من بين المرشحين عن الإدلاء بأي تصريحات حول هذا الأمر: بيرني ساندرز. وتعد دعوة لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية (AIPAC) كل المرشحين للرئاسة لحضور مؤتمرها السنوي السياسي خلال الأسبوع المقبل في واشنطن العاصمة مؤشرا على التغيير.

إن إغفال ساندرز الحديث عن إسرائيل في الحملة الانتخابية هو بالتأكيد أمر غير عادي لمرشح للرئاسة في الوقت الحاضر. لكن ما يجعل هذه الحقيقة أكثر وضوحا أنه المرشح اليهودي الوحيد في السباق. فلماذا ظل ساندرز صامتا بشأن إسرائيل؟
يمكن تفسير صمت ساندرز إلى حد ما بالرجوع إلى نفوره الكبير من مناقشة قضايا السياسة الخارجية. لأنه يعلم أن هيلاري كلينتون، منافسته على ترشيح الحزب الديمقراطي، تفوقه خبرة في هذا المجال، كما تستمد حملته الانتخابية إلى حد كبير الدعم من خلال تعهده لمعالجة عدم المساواة الاقتصادية المحلية والظلم الاجتماعي. وقد تمسك ساندرز برسالته الاقتصادية الشعبوية بانضباط كبير، مما يعني حتما أن العديد من القضايا الأخرى ستحصل على القليل من الاهتمام.
كما يعكس صمت ساندرز حسابات سياسية عندما يتعلق الأمر بإسرائيل. فالعديد من أنصاره المتحمسين سياسيون تقدميون ، ويمكننا القول إن الجزء الأكثر ليبرالية للقاعدة الديمقراطية هم الشباب والفئات التي
عادة ما تكون أكثر انتقادا لتصرفات إسرائيل وأكثر تعاطفا تجاه الفلسطينيين.
فقد أظهر استطلاع بيو للأبحاث في مارس 2015 أن كلا من الديمقراطيين وخصوصا الجمهوريين متعاطفون مع إسرائيل أكثر من فلسطين. في حين كان من بين الديمقراطيين الليبراليين أشخاص متعاطفون أكثر مع الفلسطينيين، حوالي 68 في المائة قالوا إنهم يتعاطفون أكثر مع الفلسطينيين، مقارنة مع 44٪ فقط من الديمقراطيين المعتدلين و 33٪ فقط من الجمهوريين. و في بحث أجرته مؤسسة غالوب خلال الحرب الإسرائيلية على غزة عام 2014، يعتقد غالبية الناس من سن 18 إلى سن 29 أن الإجراءات الإسرائيلية كانت غير مبررة، في حين أن الغالبية العظمى من البالغين سن 50 وكبار السن اعتبروها مبررة.
وهذا يضع ساندرز، الذي يعتمد على دعم الديمقراطيين الليبراليين والشباب، في موقف حساس. وقد أعرب ساندرز، الذي قضى وقتا في مزرعة يهودية "كيبوتز" في أوائل الستينات، أنه يتفهم الاهتمامات الأمنية لإسرائيل. وقال في حديث له في نوفمبر 2014، إنه لو كان رئيسا، "لدعم أمن إسرائيل، وساعدها في محاربة الهجمات الإرهابية ... والحفاظ على استقلالها".
وحتى لا يبدو تأييده لإسرائيل واضحا، وعد ساندرز في نفس اللقاء بالحفاظ على "نهج منصف لهذه المنطقة." كما قام بانتقاد معاملة إسرائيل للفلسطينيين علنا، وهذا أمر نادر الحدوث بين السياسيين في الولايات المتحدة. وكان قد اعترف بأنه ليس "مشجعا" لرئيس الوزراء اليميني الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، فقد كان ساندرز من بين المشرعين الذين قاطعوا خطاب نتنياهو المثير للجدل أمام الكونغرس في مارس الفائت.
انطلاقا من هذه الخلفية، فاٍن دعوة (AIPAC) لساندرز تضعه في موقف حرج. فإذا رفض الدعوة كما يحثه على ذلك بعض النشطاء المؤيدين للفلسطينيين، سيواجه بالتأكيد اتهامات قاسية من المعسكر المؤيد لإسرائيل في الولايات المتحدة. وإذا قبل الدعوة، سيتوجب عليه أن يفكر مليا في ما سيقول.
ويَعلم ساندرز أنه حتى لو تحدث عن إسرائيل، في مؤتمر(AIPAC) أو في أي مكان آخر، لن يكسب المؤيدين الأكثر تشددا في البلاد، بما في ذلك الديمقراطيين. بل سيتعرض لخطر تنفير قاعدته الليبرالية، مما يجعل مناقشة إسرائيل اقتراحا خاسرا.
إن تجنب الحديث عن إسرائيل لا يعني انطلاق ساندرز في أي حال من الأحوال . فبرغم تعليقه على الأمور متى كان ذلك ضروريا، لم يكن صريحا بشأن المسائل المتعلقة بالبلاد. كما لم يحتضن إسرائيل كقضية سياسية كما فعل العديد من السياسيين اليهود الأميركيين الآخرين. ولم تقم إسرائيل بتشخيص هويته اليهودية، والتي هي أكثر علاقة بذكرى المحرقة من أي شيء آخر.
وفي هذا الصدد، لا يختلف ساندرز عن كثير من اليهود الأمريكيين الآخرين. وقال 73٪ من اليهود الأمريكيين في استطلاع 2013 من قبل مركز بيو للأبحاث أن "ذكرى المحرقة" مسألة مهمة لأي يهودي، مقارنة مع 43٪ ممن يرون أن "الاهتمام بإسرائيل" أساسي. وصُنف "العمل من أجل العدالة والمساواة" في مرتبة أعلى بكثير من الاهتمام بإسرائيل. ويبدو احتضان ساندرز لرابط الهوية اليهودية الأمريكية أمرا واضحا من خلال التزامه القوي بدفع عجلة العدالة الاجتماعية إلى الأمام.
وبالتالي، فإن صمت ساندرز النسبي عن قضية إسرائيل تذكير بأن إسرائيل ليست بالغة الأهمية بالنسبة للكثير من اليهود الأمريكيين، إن لم يكن معظمهم. فلماذا يجب أن يكون السياسيون الأميركيون اليهود مختلفون؟

أستاذ العلوم السياسية والشؤون الدولية والدراسات الإسرائيلية في جامعة نورث اٍيسترن والمدير المشارك لمركز الشرق الأوسط.