ترودي روبين
لكي تعبر إلى المنطقة الكردية في سوريا، فإنك ستنحشر في زورق صغير إلى فيشخابور في شمال كردستان العراق بالقرب من الركن البعيد الذي تلتقي فيه حدود العراق وتركيا وسوريا. ثم يتحرك هذا الزورق عبر نهر دجلة لتنزل منه على شاطئ من الصخور الجرداء في سوريا. وعلى بعد بضع مئات من الأمتار، هناك طوابير طويلة من الشاحنات وناقلات النفط تعبر ذهابا وإيابا بين سوريا والعراق فوق جسرين عائمين هشّين هما اللذان يمثلان شريان الحياة التجارية الوحيد لأكراد سوريا.
مرحبا بكم في منطقة كردستان السورية وشمال سوريا المعلنة ذاتيا بأنها فيدرالية، والتي تمتد على طول الحدود التركية ولا يعترف بها أحد، وهي متحالفة مع الأمريكيين ويساعدها الروس ويكرهها الأتراك وعلى خلاف مع أبناء عمومتها من أكراد العراق، فهي إذن بمثابة دراسة في المتناقضات.
ولكن منطقة كردستان السورية الصغيرة تلعب سلفا دورا هائلا في المعركة الدولية ضد تنظيم داعش. فوحدات حماية الشعب الكردي (التي نصفها من النساء) هي القوات البرية السورية الوحيدة التي نجحت في محاربة داعش، أو حتى ترغب في هذا الأمر (معظم المجموعات التي حاولت الولايات المتحدة تدريبها كانت أكثر اهتماما بمحاربة نظام بشار الأسد).
ويريد قادة كردستان السورية أن يلعبوا دورا أكبر، مع مزيد من المساعدات الأمريكية – ربما حتى إخراج القاعدة المهمة لداعش من الرقة. فهل بإمكانهم فعل ذلك؟ وهل ينبغي علينا تقديم المزيد من المساعدة لهم؟ وما الذي يحفزهم على ذلك؟
إليكم أفكاري التي استخلصتها من رحلتي إلى هناك مؤخرا:
كردستان السورية هي أرض الشهداء. وهي تقع على بعد مسافة قصيرة من حقول فيشخابور المهجورة التي تتخللها بعض أبراج النفط الصغيرة، بعدها تصل إلى سلسلة من البلدات حيث تجد ملصقات الشهداء من المقاتلين رجالا ونساء تزين كل عمود من أعمدة الإنارة.
في اليوم الذي وصلت فيه هناك، كان الأكراد يحيون الذكرى الثانية عشرة لمذبحة الاستاد في القامشلي، وهي أكبر مدينة لهم. وفي ذلك اليوم، سحقت قوات الأسد 54 من المحتجين في مباراة لكرة القدم.
ولكن على الرغم من كرههم للأسد، فقد امتنع الأكراد السوريين من المشاركة في انتفاضة الربيع العربي. (في الحقيقة، في القامشلي مازال هناك فرقة عسكرية صغيرة تابعة للنظام تقوم بمهمة الحراسة على مدخل المطار.) وتصفهم جماعات المعارضة السورية الأخرى بأنهم متعاونون.
قال لي ألدار خليل، وهو سياسي بارز عمل لسنوات تحت الأرض الكردية: "ليس هناك أي تعاون مع الحكومة. لقد حاولنا الاستفادة من الوضع (لبناء مؤسساتنا الخاصة) حين كان النظام مشغولا بأمور أخرى".
في كل مدينة زرتها، رأيت لافتات كبيرة في كل الشوارع عليها وجه عبدالله أوجلان، مؤسس الجماعة الكردية المتمردة، حزب العمال الكردستاني، الذي يقبع حاليا في أحد السجون التركية. وقد صنفت الولايات المتحدة حزب العمال الكردستاني بأنه منظمة إرهابية ولكنها لم تصف حزب الاتحاد الديمقراطي السوري بهذه الصفة.
ويصر أهل كردستان السورية على أن حزبهم منفصل عن حزب العمال الكردستاني، رغم أنهم يشتركون في إيمان راسخ بأيديولوجية أوجلان، الذي يقتبس كلامه كثير من المسؤولين الأكراد هنا.
قالت لي أمينة أوسي، نائبة مدير الشؤون الخارجية لحزب الاتحاد الديمقراطي السوري، وواحدة من النساء القويات العديدات اللاتي يشغلن مناصب عليا في الحكومة الكردية: "لم يكن حزب الاتحاد الديمقراطي السوري أبدا جزءا من حزب العمال الكردستاني. هناك ارتباط واحد فقط، هو نظريات وفلسفة أوجلان".
لقد تحولت النظريات الأيديولوجية التركية في منتصف تسعينات القرن الفائت من شكل من أشكال الماركسية إلى تركيز على بناء حكم ذاتي محلي – يستند إلى حد كبير إلى أعمال اليساري الأمريكي في ستينات القرن الفائت موراي بوكتشن. وقد ركز أوجلان على تعزيز حقوق المرأة، وقد تابع المسؤولون هذا الهدف بجدية لم أر مثلها قط في أي مكان آخر في الشرق الأوسط.
وأيا كانت علاقاتهم التاريخية مع نظرائهم الأتراك، فإن أكراد كردستان السورية غير مهتمين بمحاربة أنقرة – ولا دمشق. وكما أشار ريدور خليل، المتحدث باسم الجيش الكردي، لم يهاجم أكراد سوريا أي جنود أتراك على حدودهم الطويلة، حتى في الوقت الذي احتدم فيه الصراع بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي.
بدلا من ذلك، يركز هؤلاء الأكراد بشكل كبير على جبهتين، كليهما مهمة وحاسمة لجهود الولايات المتحدة السياسية في المنقطة:
أولا، هم يريدون إنشاء اتحاد فيدرالي مع سوريا. تقول أمينة أوسي إن حزبها يتصور خمس ولايات فيدرالية داخل البلد: الأولى هي كردستان السورية وشمال سوريا، وتشمل الرقة في حال تحريرها (لضمان عدم عودة داعش إليها). والولايات الأربعة الأخرى هي: جبل الدروز واللاذقية، وهي معقل طائقة الأسد العلوية، والمنطقة السنية الرئيسية التي تضم حماة وحمص، والعاصمة دمشق.
ويحلم ألدار خليل بـ "اتحاد شرق أوسطي، مثل الاتحاد الأوروبي"، يكون فيه علاقات بين المناطق الكردية الفيدرالية داخل كل من تركيا وسوريا والعراق. "لا، نحن لا نريد كردستان كبيرة واحدة،" هكذا يقول في إصرار.
ولكن هذه الأفكار تقلق تركيا، التي تخشى أن تلهم تجربة كردستان السورية مواطنيها الأكراد. لذلك فقد أغلق الأتراك حدودهم أمام كردستان السورية.
بيد أن فكرة الاتحاد الفيدرالي كعلاج مضاد لانهيار دول الشرق الأوسط يتم مناقشتها في جميع أنحاء المنطقة. إن مثل هذه الصيغ قد تكون هي الأمل الوحيد إن كانت محادثات السلام السورية جادة بالفعل.
إن الأكراد السوريين لم تتم دعوتهم لمحادثات السلام في جنيف وذلك لأن الأتراك يعارضون وجودهم. هذا جنون.
والهدف الثاني للأكراد السوريين هو التخلص من داعش. تقول أمينة أوسي: "الأكراد فقط هم من أوقف داعش (في سوريا)". وهي محقة تماما.
فبدعم جوي من الولايات المتحدة، وبتنسيق من 50 عنصرا من عناصر القوات الخاصة الأمريكية، ظل الأكراد يستعيدون مساحات من الأراضي والمدن الحيوية السورية مثل الشدادي. لقد شكلوا قوة مشتركة مع العرب السنة من شأنها أن تمهد الطريق أمام استعادة السيطرة على المناطق العربية.
يقول المتحدث باسم الجيش، ريدور خليل: "نعتقد أننا يجب علينا إحراز المزيد من التقدم في العلاقات مع الولايات المتحدة". وفي مكتبه الذي تعلوه لوحة تضم الأبطال الأكراد التاريخيين، وعلى طاولته رأيت ما يقرب من عشرين جواز سفر من روسيا وكازاخستان وليبيا وتونس تم أخذها من مقاتلين من داعش تم قتلهم في المعارك الأخيرة. وقد دخل جميع هؤلاء الجهاديون إلى سوريا عبر تركيا – التي لم تفعل سوى القليل جدا لمنعهم – وهو الأمر الذي يشكو منه الأكراد منذ سنوات.
قال خليل إن المساعدات الروسية للأكراد السوريين – من هجمات بالقنابل على الجماعات المتمردة التي كانت تقصف مدنهم – لم تكن أبدا "على نفس المستوى" مثل تعاونهم مع الأمريكيين. وأضاف أن الروس قد جاءوا فقط لمضايقة تركيا التي كانت قد أسقطت للتو طائرة روسية.
وأضاف أنه بطلب من الولايات المتحدة من أجل تهدئة أنقرة، أجّل الأكراد السوريون جهودهم الرامية إلى توسيع منطقتهم التي أعلنوها لأنفسهم على طول الحدود مع تركيا، حيث إنهم يرغبون في التركيز على تحرير الرقة إذا ما قدم لهم الأمريكيون "مزيدا من التكنولوجيا والأسلحة" – والاعتراف.
ربما تكون هذه الفكرة غير قابلة للتطبيق، ولكن ألا ينبغي علينا على الأقل أن نقدم للأكراد مزيدا من المساعدة؟ على أية حال، بخلاف كل المجموعات الأخرى التي حاولت واشنطن تدريبها في سوريا، أثبت الأكراد أن لديهم الإرادة لمحاربة الجهاديين. فإن كنا نريد حقا تحرير الرقة، فقد يكون هؤلاء الأكراد هم أفضل أمل لنا.
كاتبة عمود في الشؤون الخارجية في صحيفة فيلادلفيا إنكوايرر