علي بن راشد المطاعني
صرخة صادقة عبّرت عبرها عن حيرة وضياع يجيش في داخلها أمام معلمتها عندما تفحّصت ورقة الامتحان لتجد بأن أسئلة المادة التي يجب عليها أن تجيب عليها لم يتم تدريسها لها لفصل دراسي كامل بسبب غياب معلمة المادة، هنا ارتجّت المعلمة الجليلة ولم تجد إجابة مقنعة تقدّمها لطالبتها، لتكتمل حينئذ أركان المأساة؛ فالطالبة محقة، والمعلمة لا تتحمّل الوزر بالطبع إذ المسألة أكبر منها، هي تهم العملية التعليمية برمّتها، كل الكادر التعليمي والتربوي مسؤول هنا.
الصرخة تصمّ آذان العديد من المدارس في السلطنة التي تعاني من ذات المشكلة وهي غياب المعلمين والمعلمات لشهور بدون وجود البديل الجاهز والاحتياطي المؤهّل الذي يتمّ الدفع به لسد النقص متى ما طُلب منه ذلك.
فالعملية التعليمية لن يكتمل نصابها إلا بوجود الاحتياط وفي كل المدارس وفي إطار منظومة تعليمية متكاملة ومتناسقة ما بين كل المدارس بالبلاد، نظام ترعاه الوزارة من خلال دوائر مناط بها فقط معالجة هذه الظاهرة، وهي ظاهرة طبيعية؛ فالغياب يحدث في كل مؤسسات الدولة وله أسباب إنسانية مقبولة، وفي وسط المعلمات تحديدا هناك أسباب إضافية معروفة لدى الجميع، لذلك فإن غياب المعلمات أكثر من غياب المعلمين، هذا هو الإطار العام للمشكلة.
ثم ندلف لصلب القضية لنصل إلى حقيقة أن المعلمات البديلات من المواطنات لا يبدين حماسا للعمل كبديلات؛ لسبب جوهري وأساسي وهو ضآلة المكافآت، في وقت نتّفق فيه جميعا على أن المعلم هو الأحق بأعلى أجر وأعلى مكافأة وأعلى راتب على الإطلاق في البلاد؛ باعتباره الأغلى والأعلى.
ثم أن بعض المعلمات يمتنعن عن سد الغياب لأسباب النقل مثلا، وهو أمر يلقي بظلاله على حقيقة أن المعلم ليس في وضع مريح وهذا يؤسف له، كما أن بعضهن يمتنعن من أجل أن يتم تعيينهن بدلا من بقائهن على دكة الاحتياطي، وهكذا تبقى القضية ما بين المد والجزر، والضحية في نهاية المطاف هم الطلاب، وهنا تكمن المصيبة، ذلك إننا عندما نقول بأن الضحايا هم الطلاب فإننا نعني أيضا بأن الضحية هو (الوطن)، وجميعنا يستطيع الربط ما بين هذا المعنى وذاك.
بعض المدارس وفي وسبيل إيجاد حلول سريعة للمشكلة تقوم بعملية هيكلة ما بين المعلمين لسد نقص الغياب، ولكن هذه العملية لها آثار سلبية إذ تضاعف عدد الحصص من 21 إلى رقم يفوق قدرة المعلم باعتباره بشرا في نهاية المطاف، وهذا أمر ينعكس سلبا على العملية التعلمية برمّتها، وبالتالي يعتذرون عن القيام بهذه المهمّة رغم أهمّيتها وخطورتها في آن معا.
بعض المدارس تعتمد على المعلمين المنتدبين إلا أن هؤلاء يعتذرون أيضا لضعف الحافز المادي وهي النقطة الجوهرية التي سلّطنا عليها الأضواء، وهناك بعض المدارس تستعين بالمعلمين الوافدين والمرافقين لأسرهم، وبدون التيقّن من قدراتهم ومقدراتهم، هذا فضلا عن أن القانون لا يسمح للمرافق بالعمل وبذلك يتم ارتكاب مخالفات صريحة لقانون الإقامة، كلها محاولات لا تغني شيئا باعتبارها سباحة ضد التيار.
صحيح أن وزارة التربية والتعليم ومديرياتها تمنح المدارس صلاحيات للاستعانة بالمعلمين والمعلمات لتغطية العجز في المدارس لكن الإشكالية الموجودة عدم توفر البديل الجاهز لإحلاله فضلا عن ضعف المكافآت التي ستظل العقبة الكأداء في مطلق الأحوال.
نأمل من وزارة التربية والتعليم الموقرة دراسة هذه المشكلة دراسة جذرية وعلمية ووضع الحلول العملية لها من خلال آليات واضحة سواء بتوفير بدلاء ومنحهم حوافز مجزية وأفضلية في التعيينات المستقبلية وغيرها من الجوانب التي يمكن بها أن تحل هذه الإشكالية جسيمة العواقب.