مكاسب روسيا عند الأسد

مقالات رأي و تحليلات الأحد ٢٧/مارس/٢٠١٦ ٠٠:١٣ ص
مكاسب روسيا عند الأسد

احمد المرشد

تحدثنا الأسبوع الفائت بعجالة عن قرار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بانسحاب قواته جزئيا من سوريا، ولم يسعفنا الوقت والمساحة آنذاك في التطرق الي دوافع هذا القرار الذي وصفه الكثيرون بأنه مفاجئ، في حين أن من ينظر الي تطورات الأوضاع في سوريا علي الأرض خاصة من الناحية العسكرية والجغرافية، يكتشف أن القوات الروسية حققت للرئيس السوري بشار الأسد منافع كثيرة ليس أقلها تمكينه عسكريا ولوجستيا من الموافقة علي قرار الهدنة الدولي وكذلك المشاركة في مباحثات جنيف الأخيرة. فالأسد تسلح بما حققه علي الأرض بدعم عسكري كامل من القوات الروسية التي بدأت العمل منذ سبتمبر الفائت.

فقط نذكر بأن بوتين عندما أعلن فجاة ارسال قوات لسوريا ادعي وقتها أنها ستحارب التنظيمات المتشددة في إشارة رئيسية الي "داعش" و"جبهة النصرة" وغيرهما، ولكن واقع الحال أن القوات الروسية ضربت معاقل المعارضة المدنية ولم تقترب من الإرهابيين . فالهدف إذن لم يكن دعم القوات الحكومية السورية في مواجهة التنظيمات المتشددة ، وإنما ضرب مواقع المعارضة وتمكين قوات بشار الأسد من استعادة أجزاء ليست بالهينة من الأراضي التي فقدها الجيش.
ولنتذكر معا أن بوتين لم يحدد موعدا زمنيا للعمليات العسكرية الروسية ، بل اكتفي بالتبيه الي أن العمليات الروسية مرتبطة بمدي حاجة الجيش السوري.

وسياسيا، يعني لنا القول إن نتائج ما تحقق عسكريا بالدعم الروسي للجيش السوري وبشار الأسد أسهم فعليا في فى تدشين المفاوضات السياسية بمشاركة كافة الأطراف السورية باستنثاء التكفيرية منها ، ومن ثم وبالتزامن مع بداية مفاوضات جنيف ، قرر بوتين سحب قواته جزئيا من الأراضى السورية ، استغلالا لعنصر الوقت ، وليعلن للداخل الروسي نجاحه وأن تدخله لم يكن المقصود به مجرد اظهار القوة كما صوره الغرب والولايات المتحدة.

وسياسيا أيضا، اكتشف بوتين وقياداته من المؤسستين العسكرية والدبلوماسية ، أن الرئيس السوري استغل استعادة بعض الأجزاء من الأراضي المفقودة ليبالغ في تصريحاته المتشددة ومنها أنه متمسك بالاستمرار في العمليات العسكرية حتى تحرير كامل الأرض السورية، مما أصاب موسكو بالإحباط، لأن الأسد تجاوز الاتفاقيات الضمنية ومفادها أن دعم القوات الروسية ليس معناه استعادة كافة الأراضي وإنما جزءا منها لتمكينه من الدخول في العملية السياسية وفي جعبته انتصارا جزئيا. ويبدو أن موسكو أبلغت دمشق بصورة واضحة ما كان عليه وضع بشار الأسد ومؤسساته المدنية والعسكرية قبل التدخل الروسي ، وأن هذا التدخل أسهم بشكل رئيسي فى دعم المؤسسات السورية الشرعية وفى مقدمتها الجيش والحكومة.

وفي حديث للداخل الروسي ، بإمكان فلاديمير بوتين أن يطمئن شعبه، بنجاح قواته وعسكرييه في تحقيق انجازات لا حد لها، منها علي سبيل المثال – وهو ما ذكرته مصادر عسكرية روسية – الاستخدام الناجح للمنظومات الصاروخية الاستراتيجية بعيدة المدى من البوارج الحربية والغواصات الموجودة جنوب غربى بحر قزوين ، وهو الاستخدام الأول لتلك المنظومات الصاروخية فى تاريخ العمليات القتالية الروسية. أي أن البحرية الروسية استغلت مواقع القتال السورية لتجريب أسلحتها مجانا وبصورة عملية بعيدا عن مجال المناورات الميدانية المكلفة.. هذا الي جانب ما ذكره بوتين نفسه بأن العمليات العسكرية الروسية في سوريا كلفت بلاده فقط نحو نصف مليار دولار ، وكان هذا المبلغ مدرجا للتدريبات ضمن ميزانية القوات الروسية .

واستكمالا للنجاحات العسكرية والسياسية والمعنوية للجيش الروسي والشعب أيضا بتجاوز محنة ومستنقع أفغانستان، فإن روسيا كرست مواقعها في البحر المتوسط ، حيث حجزت القوات الروسية مكانا لها حتي لو ذهب الأسد الي الجحيم، فى قاعدتى "حميميم" الجوية على مقربة من اللاذقية و"قاعدة طرطوس" البحرية، مع الابقاء على أحدث المنظومات الصاروخية "اس-400"، وكذلك أحدث البوارج والقطع البحرية شرقى المتوسط.

ولاننسي هنا إن من أهم مكتسبات القوات الروسية بغض النظر عن فقد مقاتلتين في أثناء المعارك، أن روسيا تجاوزت للأبد كما أسلفنا عقدة خسارتها الحرب في أفغانستان وهزيمتها شر هزيمة في خسارة عسكرية مدوية ساهمت لاحقا في القضاء علي الاتحاد السوفيتي كقوي عظمي وانتصار الولايات المتحدة في الحرب الباردة علي غريمتها اللدودة، لتنفرد واشنطن بادارة القرار العالمي لفترة طويلة من الوقت الي أن عادت روسيا قوية مرة أخري في عهد بوتين، ولتعود موسكو الي مكانتها الأولي رقما صعبا في إدارة شئون العالم، ولتعوض خسارتها قبل سنوات عندما تدخل حلف الأطلنطي في القضاء علي الرئيس الليبي معمر القذافي بدون استئذان روسيا لتخسر بذلك مشتري مهم لأسلحتها القديمة البالية.

ولا ننسي هنا ما أدركه الروس بأن مفاوضات جنيف لن تحل الأزمة السورية بصورة نهائية ، حتي وإن كان بشار الأسد قد استغل دعم موسكو وقال إن يريد استعادة سورية كلها، وكلامه هذا لم يحقق هدفه حتي وإن كان الروس استوعبوا معناه بأن بشار يريد استمرار دعمهم الي ما لا نهاية، ولكنهم – أي الروس- اكتفوا بما حققوه لأنفسهم أولا وله ثانيا ودعمه لحين انطلاق العملية السياسية التي وقفت موسكو وراءها بقوة حتي تسرع بسحب قواتها من سوريا جزئيا، وبذلك ترد الصاع للولايات المتحدة وتبلغها عمليا بأنها لن تواجه مصيرها الفاشل بعد احتلال العراق وحربها في افغانستان، ومن هنا كانت مفاوضات جنيف الوسيلة المثلي لموسكو لتحقيق طموحاتها ومكاسبها في سوريا. فروسيا حققت نصرا عسكريا ملموسا، ثم أن الروس تركوا الشطر الشرقي من سوريا تحت سيطرة "داعش" ليواصل التحالف الدولي بقيادة الولايات المتحدة حربه هناك وربما لتكون هذه الحرب محرقة لطيران التحالف والأمريكي ومستنقعا جديدا للغرب. فقد نجح الرئيس الروسي في تحقيق مكاسبه السياسية والعسكرية، إذ حقق لبشار الأسد القوة اللازمة لابقائه فترة من الوقت علي الأقل وينقذه من هزيمة كادت تلحق به وبقواته وتخلعه من الحكم. وثمة نصر سياسي عالمي أخر لبوتين ولبلاده ، يتمثل في لجوء كل الأنظمة الفاشلة لموسكو في حال تعرضها لمخاطر سياسية في بلادها.
وروسيا لا تكترث هنا بما يردده المحللون السياسيون والعسكريون الأمريكيون بأن الانسحاب الجزئي الروسي ليس سوي محاولة إعلامية لحفظ ماء الوجه، وأن إدعاء بوتين بتحقيق أهدافه في سوريا لأمر كاذب ووهمي، وأن القوات الروسية انسحبت قبل أن تمني بهزيمة ساحقة هناك.

كاتب ومحلل سياسي بحريني