مشرّدو تسونامي

الحدث الخميس ٢٧/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٤:٢٩ ص
مشرّدو تسونامي

جاكرتا - ش - وكالات

يواصل ضحايا التسونامي في إندونيسيا تلقي المساعدات التي همّ بأمسّ الحاجة إليها، لكنّ العاملين في المجال الإنساني يحذّرون من خطر نفاد الأدوية والمياه النظيفة في ظلّ توافد الآلاف إلى ملاجئ الإغاثة المستحدثة والمكتظّة.

وتزداد المخاوف من حدوث أزمة صحية عامة مع ارتفاع حصيلة التسونامي الناجم عن ثوران بركاني ضرب المنطقة السبت وخلّف 429 قتيلا تقريبا وآلاف المشرّدين جراء انهيار منازلهم.
ويقول رضى اليمين، وهو طبيب يتعاون مع منظمة «أكسي سيبات تانجاب»، في مدرسة محلية حُوّلت مؤقتا إلى ملجأ، «أطفال كثيرون مصابون بالحمى والصداع وهم لم يشربوا ما يكفي من المياه».
ويردف «تنقصنا الأدوية، والمكان هنا ليس سليما لمن تمّ إجلاؤه، وليس لدينا ما يكفي من المياه النظيفة، وهم بحاجة إلى القوت والناس يفترشون الأرض».
اكتسح التسونامي المنطقة ليل الأحد دون سابق إنذار، جارفا المنتجعات الشاطئية في جنوب سومطرة وغرب جاوة ومجتاحا الفنادق السياحية والمنازل على الساحل.
وبلغت آخر حصيلة للضحايا 429 قتيلا و1400 جريح و77 مفقودا.
وحذّر خبراء من خطر اجتياح موجات تسونامي أخرى المنطقة المنكوبة.
ويخشى كثيرون ممن تمّ إجلاؤهم ويتخطّى عددهم 5 آلاف العودة إلى ديارهم، متخوّفين من كارثة أخرى.

إنقاذ ما يمكن إنقاذه

اضطر أودين أهوك، الإندونيسي في السادسة والأربعين، إلى القيام بخيار لا يتمنّاه لأحد، إذ كان عليه أن يختار بين إنقاذ زوجته وإنقاذ والدته وطفله.
كان قد غفا للتوّ مساء السبت عندما اجتاحت المياه على حين غرّة بيته في بلدة واي مولي الساحلية على جزيرة سومطرة. وكان تسونامي أعقب ثورانا بركانيا قد ضرب شواطئ مضيق سوندا الذي يفصل بين جزيرتي سومطرة وجاوا، مخلّفا 400 قتيل.
واستولى الذعر على أودين أهوك الذي هرع إلى فراش والدته حيث كانت المسنّة في عقدها السابع تنام إلى جانب ابنه البالغ سنة. ثمّ رأى أن زوجته كانت على وشك أن تغرق وسط المياه الهائجة، فهبّ إلى نجدتها.
ونجح في إنقاذها وجعلها بمنأى عن الخطر، لكن الحال لم يكن كذلك مع والدته وابنه.
قال لمراسل وكالة فرانس برس والدموع في عينيه «لم يسعفني الوقت لإنقاذهما». ولجأ بعدها إلى مركز للطوارئ فُتح لآلاف المشرّدين جراء هذه الكارثة.وأضاف: «أنا نادم كثيرا وعزائي الوحيد أن يكون الله قد أسكنهما فسيح جنانه».

أعود كلّ يوم

سوليستيواتي الحامل في شهرها السادس هي أيضا من سكان واي مولي، وقد خلّصها من الغرق جار رآها تسقط في المياه.
وروت: «لحسن الحظّ أنه رآني وانتشلني من المياه. وركضنا مع الجيران الآخرين إلى مكان أكثر ارتفاعا». وأضافت «كان الليل دامسا. لم أكن أعلم أن في وسعي الركض بهذه السرعة كوني حاملا. شعرت بخوف شديد. وانتظرنا بضع ساعات لتنحسر المياه».
في الضفة المقابلة من مضيق سوندا في جزيرة جاوا، ينظر ساكي (60 عاما) بحسرة إلى الركام المنتشر في بلدة سومبر جاوا، متسائلا كيف له أن يستعيد حياته الطبيعية.
قال لمراسل فرانس برس «ليس في وسعي أن أبني مجددا، لم يبق لي شيء. لا مال ولا حتّى ملابس».
وأضاف «كان معي 19 مليون روبية في المنزل (1130 يورو). ولم يعد لديّ سوى سروال داخلي وقميص ورداء تقليدي».
وتابع: «أنام في المسجد لكن أعود كلّ يوم لأنني فقدت هنا الكثير من المال».
لقي شخصان حتفهما في هذه الكارثة وسُوّيت عشرة منازل أرضا في هذا الحيّ، بحسب ما روى سكانه الذين أمضوا يوم عيد الميلاد وهم يبحثون بين الركام عمّا يمكن إنقاذه.
يعمّ الركام شوارع سومبر جاوا الموحلة التي غمرت المياه جزءا منها وتنتشر هنا وهناك قطع من الخشب وأخرى من القرميد ونفايات. ويزيل الجيش الأنقاض بمعدات ثقيلة.

هدير طيران

يستذكر إسماعيل (62 عاما) «عندما ضرب التسونامي، كان التيار الكهربائي قد انقطع وسمعت ضجيجا يشبه هدير الطيران». ويضيف «أضأت المصباح باتجاه البحر، فرأيت الموجة وأخذت بالركض».
وفّرت هذه الكارثة منزل إسماعيل وقطيعه من الماعز، لكنها أتت على كلّ ما يحوطه، محوّلة المباني والمتاجر إلى أنقاض. ولم يبق سوى الوحل وقطع من الخشب وحضانة أطفال مدمّرة.
ويخبر الرجل «كانت هناك محطة وقود وفرن ومتجر لقطع غيار السيارات. ولم يبق شيئا. لم نتلق بعد أي مساعدة. وليس لدينا سوى الأرز الموحل وسنضطر لأكله».
في سومطرة، خسر ناسوها (45 عاما) منزله وأصيب جسمه برضوض وجروح، لكنه يعتبر أنه محظوظ. ويقول «أصبت بجروح في الذراع والأذن والوجه. لكنني ممتن لأنني ما زلت على قيد الحياة».

ألفا كارثة خلال 2018

سجّلت إندونيسيا خلال العام الجاري نحو ألفي كارثة طبيعية أسفرت عن مصرع وإصابة عشرات الآلاف من الأشخاص، فضلًا عن أضرار مادية واسعة النطاق. جاء ذلك حسب تقرير نشرته الوكالة الوطنية للإجراءات المضادة ضد الكوارث (حكومية).
وذكر التقرير أن السلطات سجّلت ألفا و999 كارثة طبيعية من زلازل وفيضانات وأمواج تسونامي وانهيارات أرضية وغيرها، حتى أواخر أكتوبر من العام الجاري.
وأضاف أن تلك الكوارث أسفرت عن مصرع وفقدان 3 آلاف و548 شخصًا، فضلًا عن جرح 13 ألفًا و112 آخرين، إلى جانب نزوح 3 ملايين و6 آلاف شخص.
وتابع أنه خلال تلك الفترة، أسفرت الكوارث عن إلحاق أضرار شديدة بـ339 ألفًا و969 منزلًا وأضرار متوسطة بنحو 8 آلاف منزل. وسجّلت البلاد 605 أعاصير و506 فيضانات و353 حريق غابات و319 انهيارًا أرضيًا و55 ثورانًا بركانيًا و17 زلزالًا مدمرًا وموجتي تسونامي.
وشدد التقرير على أن تلك الأرقام تنمّ عن أن إندونيسيا عُرضة بشكل مستمر لمخاطر الكوارث الطبيعية.
وتقع إندونيسيا على ما يسمّى بـ«حزام النار» في المحيط الهادئ حيث تتلاقى صفائح تكتونية ويتسبب احتكاكها ببعضها البعض بنشاطات زلزالية وبركانية متكررة.