دهس الأطفال ‏يخطف أحلام الأبوة!

مقالات رأي و تحليلات الاثنين ١٧/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٣:٠٩ ص
دهس الأطفال ‏يخطف أحلام الأبوة!

علي بن راشد المطاعني

على مر التاريخ ستبقى قصيدة أو ملحمة أو مرثية الشابي هي الأضخم والأعظم والتي صور لنا فيها جسامة الخطب وسوداوية الدنيا في نظر الوالدين أو أولياء الأمور عندما يخطف الموت طفلا لهم كان حتى الأمس هو الإشراق الأبهى في جنبات البيت.
الفقد الجلل سيغدو أكبر وأفدح عندما تعلم الأسرة بأن طفلها مات دهسا تحت عجلات مركبة مسرعة، الصورة بالقطع لا يمكن تصورها، وربما يقضي الخبر الفاجعة على الوالدين فورا، إذ لا يمكنهما تخيل أن طفلهما الذي كان بالأمس فرحا ضاحكا لاهيا سعيدا قد تحول إلى قطع من اللحم متناثرة على جنبات الطريق، أي فاجعة تلك وأي عذاب هذا الذي حل، الشابي صور لنا كيف كان قلب الأم، وكيف أمسى الطفل تحت التراب بعد أن كان فوق التراب، لنقف هنا ونتأمل من على البعد ما قاله الشابي:

يا أيها الطفل الذي قد كان في هذا الوجود
فرحا يناجي فتنة الدنيا بمعسول النشيد
ها أنت ذا قد أطبقت جفنيك أحلام المنون
وتطايرت زمر الملائك حول مضجعك الأمين
ومضت بروحك للسماء عرائس النور الحبيب

ثم صور لنا كيف أمسى قلب الأم:

إلا فؤادا ظل يخفق في الوجود إلى لقاك
ويود لو بذل الحياة إلى المنية وافتداك

هنا لخص لنا الأمر كله فالأم لا مانع لديها أن تحل مكانه في حضرة الموت، نقول ما نقول بعد حادث الدهس الذي تعرض له طفل برئ في السابعة من عمره بولاية صحم ذهب دهسا تحت عجلات إحدى المركبات أمام منزل أهله، الخبر نزل كالصاعقة على الوالدين حتما وحكما وعلى الأهل أيضا، فقد توقفت أحلامهم عند عجلات المركبة التي مزقت ذلك الجسد الطاهر، كانت الأسرة تعول كثيرا على المستقبل الآتي بأن طفلهم هو السند وهو الأمل وهو المعيل عندما يصلون إلى ذلك السن التي تخور فيها القوى، وتعجز الأقدام عن المسير، ويفشل العقل في تذكر توالي الأيام وعدو السنين، لقد توقفت كل تلك الآمال في هذا اليوم الأغبر.
فموت طفل ليس بالحادث الذي نمر به مرور الكرام، إنه في الواقع موت المستقبل بالنسبة للأهل، إنه طعم العلقم الذي سيظل عالقا بالحلق وباللسان، إنه الذكرى المريرة التي تغشى العائلة كل عام مذكرة بضحكاته وابتساماته وهو يلهو في جنبات الدار، كل ذلك أمسى هباء منثورا بين ليلة وضحاها.
لذلك فستبقى حوادث دهس الأطفال أبدا بمثابة اغتيال لأحلام وطن وليس لأحلام أسرة فحسب، ذلك أنه ليس ثمة دواء على وجه الأرض يستطيع أن يدواي تلك الجراحات العميقة النازفة أبدا ودوما وحتى آخر يوم من العمر، ولأن مثل هذه الحوادث التي تستهدف الأطفال لا عذاب بعدها يمكن تصوره، فإن على كل سائق مركبة أن يعي ماذا يعنى إذ هو يسرع بمركبته أمام مدرسة أو روضة أو بالقرب من تجمع لأطفال، الحيطة والحذر والانتباه هو الذي يجب أن يسود، ليضع سائق المركبة نفسه في مكان والد الطفل القتيل، عندها فقط لن تتعدى سرعة مركبته كيلو متر واحد فقط في الساعة، ثم إنه سيرفض الفكرة من أساسها، وإذا كان الأمر كذلك فما دواعي السرعة والتهور والجنون.
على ذلك لن نندهش لا كثيرا ولا طويلا عندما نجد أن سحابة الحزن السوداء قد غطت سماوات الوطن بأكمله، وأن الدموع التي سالت على الخدود والوجنات كانت دموع الصدق الوحيدة التي يمكن القسم بأنها بالفعل كذلك.
وعلى الرغم من الجهود الحكومية التي تبذل لحماية الأطفال أو فلذات الأكباد، ورغم الجهود التي تبذل في التوعية والإرشاد إلا أن الأمر يحتاج لتشديد العقوبات على قائدي المركبات الذين لم يستوعبوا بعد ماذا يعني موت طفل دهسا.
نأمل أن يأتي اليوم الذي تبقى فيه مثل هذه الحوادث من حكايات الماضي الذي لن يعود أبدا، ترى.. هل سنرى هذا اليوم قريبا؟