السلطنة تحتفل باليوم العالمي لمكافحة الفساد

بلادنا الأحد ٠٩/ديسمبر/٢٠١٨ ٠٢:٥٥ ص
السلطنة تحتفل باليوم العالمي لمكافحة الفساد

مسقط -

تشارك السلطنة دول العالم الاحتفال باليوم العالمي لمكافحة الفساد، والذي يوافق التاسع من ديسمبر من كل عام، مؤكدة مواصلة العمل الدؤوب والمستمر لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد بما يكفل تحقيق التنمية الشاملة في كافة ربوع السلطنة وعلى كافة الأصعدة.

ويأتي اختيار هذا اليوم ليكون يوما يحتفل فيه العالم أجمع بمكافحة الفساد، كونه اليوم الذي تم فيه التوقيع على اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد والتصديق عليها. والتي انضمت لها السلطنة في عام 2013 بموجب المرسوم السلطاني رقم 64/2013.

نبذة عن اتفاقية الأمم

المتحدة لمكافحة الفساد:

تعتبر اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أول صك دولي ملزم قانونا لمكافحة الفساد، وأتت تتويجا لجهود دولية متواصلة منذ إقرار الاتفاقية الأممية لمكافحة الفساد الصادرة في 1996م. وهي عبارة عن اتفاقية دولية متعددة الأطراف وقد اعتمدت الجمعية العامة للأمم المتحدة الاتفاقية في 31 من أكتوبر 2003، وقد دخلت حيّز النفاذ في الأول من ديسمبر لعام 2005 م، ووقعت عليها (140) دولة من بينها (21) دولة عربية، ويبلغ عدد الدول المنضمة إلى الاتفاقية (183) دولة. ويشجع مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة الاتفاقية وتنفيذها.
وقد جاءت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد أكثر شمولية عن الاتفاقيات السابقة، من ناحية الدول الأطراف والتي لم تخصص بمنطقة معينة أو مستوى إقليمي محدد، كما أنها غطت مجموعة كبيرة من الجرائم ومنها الاختلاس والرشوة والمتاجرة بالنفوذ، والإثراء غير المشروع، والرشوة في القطاع الخاص، واختلاس الممتلكات في القطاع الخاص، وغسل العائدات الإجرامية، والإخفاء، وإعاقة سير العدالة. علاوة على ذلك تتضمن الاتفاقية أحكاما تُعنى بكشف ومعاقبة المفسدين وتعزيز الشفافية والنزاهة والمساعدة التقنية والتعاون الدولي.
وتضم الاتفاقية (71) مادة مقسمة على (8) فصول ومن أهم هذه الفصول، الفصل الثاني والخاص «بالتدابير الوقائية» ويتعلق بالسياسات والممارسات الوقائية التي يتعين على الدول الأطراف اتخاذها بغرض مكافحة الفساد، منها: إنشاء هيئة مستقلة أو تكليف هيئة قائمة بمهام مكافحة الفساد. والفصل الثالث الخاص «بالتجريم وإنفاذ القانون» ويركز على ضرورة تجريم القوانين الوطنية لبعض الجرائم مثل الرشوة واختلاس الممتلكات العامة وإساءة استغلال الوظائف. والفصل الرابع والمتعلق «بالتعاون الدولي» والذي نظم الجوانب المتعلقة بالتعاون الدولي في عدة جوانب منها تسليم المجرمين ونقل الأشخاص المحكوم عليهم وتعزيز المساعدة القانونية. والفصل الخامس الخاص «باسترداد الموجودات» والمتعلق بتدابير منع وكشف العائدات المتأتية من الجرائم وآليات استرداد الممتلكات من خلال التعاون الدولي. كما تضمنت الاتفاقية فصولاً تتعلق بالأحكام العامة وبيان للمصطلحات المستخدمة، والأحكام المتعلقة بالمساعدة التقنية وتبادل المعلومات وآليات التنفيذ وغيرها.
ويمكن القول أن اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد قد تمثلت في ثلاثة عناصر رئيسية، وهي الوقاية من خلال وضع وتنفيذ أو ترسيخ سياسات فعالة منسقة لمكافحة الفساد، ويقصد هنا أنه على كل دولة طرف في الاتفاقية أن تضع استراتيجية فعالة لمكافحة الفساد، على أن توجد هيئة لممارسة هذه السياسات، ولا يقصد في المادة (6) من الاتفاقية إنشاء هيئة معينة على مستوى معين، بل المطلوب هو القدرة على تأدية الوظائف الواردة في المادة (5) والمتضمنة وضع سياسات وممارسات مكافحة الفساد الوقائية. والعنصر الثاني هو العقوبة من خلال الأفعال التي تم تجريمها في هذه الاتفاقية والتي سبق ذكرها أعلاه. والعنصر الثالث هو العلاج والمتمثل في وجود التعاون الدولي حسب مقتضيات الاتفاقية، وذلك من خلال إبرام اتفاقيات ثنائية أو متعددة لاسترداد الموجودات، وتفعيل دور وحدات المعلومات الاستخبارية المالية في كل دولة طرف في الاتفاقية في هذا الشأن.
وقد حظيت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بما تضمنته من أحكام شاملة بقبول دولي واسع جعل منها المصدر الأساسي لقواعد مكافحة الفساد، واحتلت تبعا لذلك المرتبة الأولى بعدما كان العرف الدولي يحتل هذه المرتبة.
ومن أهم السمات التي تتميز بها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد احترامها للسيادة الوطنية للدول الأعضاء فيها، فقد قضت المادة (4/1) منها على أن الدول تؤدي التزاماتها بموجب هذه الاتفاقية على نحو يتسق مع مبدأي تساوي الدول في السيادة وسلامة أراضيها ومع مبدأ عدم التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى. وتعزيزا لهذا المبدأ السامي فقد نصت الاتفاقية في مادتها (4/2) أن «ليس في هذه الاتفاقية ما يبيح للدولة الطرف أن تقوم في إقليم دولة أخرى بممارسة الولاية القضائية، وأداء الوظائف التي يناط أداؤها حصرا بسلطات تلك الدولة الأخرى بمقتضى قانونها الداخلي».
وقد أخذت اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بمبدأ التدرج في إلزام الدول بالأحكام والتدابير الواردة فيها، حيث إن بعض أحكام الاتفاقية يجب على الدول الأطراف أن تلتزم بها فور التصديق، والبعض الآخر لا تلتزم الدول بها مباشرة فور التصديق، كما أن هناك أحكاما اختيارية تنظر الدول الأطراف في تنفيذها من عدمه دون ترتيب أية مسؤولية قانونية في حال عدم القيام بها.
ولضمان قيام الدول الأطراف بتنفيذ الأحكام والتدابير الواردة في الاتفاقية فقد وافق مؤتمر الدول الأطراف على وجود منهج معين لتنفيذها وهو ما يعرف بآلية استعراض تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد.

استعراض تنفيذ السلطنة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد

بعد تكليف مجلس الوزراء الموقر لجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة للقيام بمهمة متابعة وتنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد وكجزء من استيفاء متطلبات الاتفاقية المتمثلة في استعراض تنفيذ فصولها، استضافت السلطنة أعمال برنامج الزيارة القطرية في دورته الأولى في عام 2015 لاستعراض تنفيذ الفصلين الثالث والرابع من الاتفاقية، كما استضافت أعمال الزيارة القطرية في دورتها الثانية في عام 2018م لاستعراض تنفيذ الفصلين الثاني والخامس من الاتفاقية.
ومما يتصل بهذا الشأن أن الدولة بعد انضمامها لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد، وفقا لآلية استعراض تنفيذ الاتفاقية يتم استعراضها في كل دورة، استعراض من قبل دولتين أخريين من الدول الأطراف كما تقوم هي أيضا في المشاركة باستعراض دولة أخرى في الاتفاقية. وتهدف عملية الاستعراض لمساعدة الدول الأطراف على تنفيذ ما جاء فيها، وذلك من خلال تزويدها بآليات لتقييم جهودها في منع ومكافحة الفساد، وتسليط الضوء على الممارسات الجيدة والناجحة، وتحديد الثغرات ووضع خطط عمل لتعزيز تنفيذ الاتفاقية على الصعيد المحلي.
فقد تم استعراض تنفيذ السلطنة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد للفصلين الثالث والرابع (التجريم وإنفاذ القانون والتعاون الدولي)، وذلك في دورة الاستعراض الأولى والتي وقعت فيها السلطنة كدولة مستعرَضة من قبل المملكة العربية السعودية وجمهورية كريباتي، وخَلُصَ تقرير نتائج الاستعراض والذي صدر خلال عام 2015 إلى عدد من الجوانب الإيجابية والتي تعتبر بمثابة إشادة لجهود سلطنة عُمان في مكافحة الفساد؛ أهمها تقنين عقوبات على الجرائم المنصوص عليها في الاتفاقية تراعي مدى خطورة الجريمة، وأن الهيكل المكون من مختلف أجهزة إنفاذ القانون ومؤسسات العدالة بسلطنة عُمان تعمل بفعالية، كما أن هذه السلطات مزودة بقدر واف من الاستقلالية، ويوجد تعاون جيد بين الجهات المعنية بمكافحة الفساد، وقام الجهاز بعد انتهاء دورة الاستعراض الأولى بمخاطبة مجلس الوزراء الموقر لإعادة النظر في بعض التشريعات لمواءمتها لتتماشى مع نتائج الاستعراض، بما يعالج عدد من المتطلبات في إنفاذ القانون والتعاون الدولي، وقد تضمن قانون الجزاء الصادر بموجب المرسوم السلطاني رقم 7/2018 عدداً من المتطلبات التي وردت بتقرير نتائج الاستعراض المشار إليه. كما انضمت السلطنة إلى اتفاقية مكافحة رشوة الموظفين العموميين الأجانب في المعاملات التجارية الدولية بموجب المرسوم السلطاني رقم 41/2016.
جدير بالذكر أن السلطنة انتهت مؤخراً من أعمال الدورة الثانية لاستعراض اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحــــة الفساد، وذلك خلال الفترة من (9-11) أكتوبر 2018م، والذي شمل الفصلين الثاني (التدابير الوقائية) والخامس (استرداد الموجودات)، حيث تم استعراضها من قبل المملكة العربية السعودية ودولة كندا، وجار الآن انتظار تقرير نتائج استعراض الفصلين المشار إليهما.
وفي إطار تنفيذ السلطنة لالتزاماتها بشأن الاتفاقية قام خبراء السلطنة خلال الفترة من 8-10 يونيو 2015 بزيارة قطرية لجمهورية النمسا لاستعراض تنفيذ دولة فلسطين للفصل الثالث من الاتفاقية (التجريم وإنفاذ القانون) بجانب دولة ميكرونيزيا التي ستقوم باستعراض تنفيذ الفصل الرابع (التعاون الدولي). وفي عام 2019م سوف تستعرض السلطنة -مع دولة المالديف- دولة جزر كوك للفصلين الثاني (التدابير الوقائية)، والخامس (استرداد الموجودات) من ذات الاتفاقية، كما سوف تستعرض السلطنة-مع دولة جنوب السودان-دولة جزر ساموا للفصلين الثالث (التجريم وإنفاذ القانون) والرابع (التعاون الدولي).

جهود الرقابة المالية للدولة في تنفيذ الاتفاقية

منذ أن انضمت السلطنة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد بموجب المرسوم السلطاني رقم 64/2013 وهي تبذل كافة الجهود اللازمة بهدف تنفيذ ما نصت عليه الاتفاقية من أحكام وتدابير، مجسدة حرصها الدائم على مشاركة المجتمع الدولي في الجهود المتصلة بتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد وبما يكفل تحقيق التنمية الشاملة في البلاد وبناء دولة عصرية قادرة على مواجهة كافة الصعوبات والتحديات.
ولقد دأب الجهاز منذ تكليفه بمهام هيئة مكافحة ومنع الفساد ومتابعة تنفيذ اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد القيام بكل ما هو لازم لتنفيذ الاتفاقية. فقد قام الجهاز بعد موافقة مجلس الوزراء الموقر -بناء على متطلبات الاتفاقية- بتشكيل فريق الخبراء لاستعراض تنفيذ الاتفاقية من خلال ممثلي الجهات الحكومية المعنية وهي وزارة الداخلية ووزارة العدل ووزارة الخارجية ووزارة الشؤون القانونية وجهاز الرقابة المالية والإدارية للدولة وشرطة عمان السلطانية والادعاء العام ومجلس الشؤون الإدارية للقضاء بالإضافة إلى خبراء من الجهاز، للقيام بمهمة تدارس التشريعات ذات الصلة باستعراض تنفيذ السلطنة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد. كما تمت أيضا تسمية جهة الاتصال وشخص الاتصال ليكون حلقة الوصل بين السلطنة والمكتب المعني بالمخدرات والجريمة والذي يعتبر الأمانة العامة لمؤتمر الدول الأطراف.
واستكمالا لمتطلبات تنفيذ الاتفاقية قام الجهاز بإجراء بعض التعديلات في التقسيمات الإدارية للهيكل التنظيمي وتعديل اختصاصات بعض الوحدات، حيث تم إنشاء دائرة إقرارات الذمة المالية، ودائرة التوعية وتعزيز النزاهة، ودائرة الشكاوى والبلاغات، ودائرة المنظمات الدولية. كما أعدّ الجهاز مشروع الاستراتيجية الوطنية لتعزيز النزاهة ومكافحة الفساد- بالتنسيق مع فريق خبراء استعراض السلطنة، حيث سعت تلك الاستراتيجية إلى أهمية توحيد الجهود وتضافرها لتنفيذ الأهداف المرسومة لها، وذلك من خلال مشاركة كافة مؤسسات الدولة العامة منها والخاصة وكذلك المجتمع المدني في هذا الشأن، وتم رفعها لمجلس الوزراء الموقر، وأعد الجهاز كذلك مشروع لمدونة قواعد السلوك الوظيفي وتم رفعها إلى مجلس الخدمة المدنية الموقر.
وبالإضافة إلى الجهود التي قام بها الجهاز، يعمل الجهاز كذلك على عدة مسارات متصلة بمكافحة الفساد وتعزيز النزاهة ومنها الجانب التوعوي، والمتمثل في تنفيذ برنامج «الرقابة مسؤولية الجميع» وهو برنامج إذاعي أسبوعي بالتعاون مع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، إضافة لاستضافة المختصين من الجهاز في البرامج التلفزيونية كبرنامج «من عمان» وبرنامج «الحقوق محفوظة»، وتنفيذ برنامج «نزاهة1» و «نزاهة2» الذي تم عرضه في شهر رمضان المبارك في العامين 2017و 2018، فضلاً عن تنفيذ ندوات توعوية للجهات المشمولة برقابة الجهاز وللمؤسسات التعليمية تجاوزت (200) ندوة، كذلك المشاركة في المهرجانات المحلية، إضافة إلى استحداث نافذة إلكترونية تختص بمجال تعزيز النزاهة ومكافحة الفساد في الموقع الإلكتروني للجهاز، فضلا عن بث المحتوى الإعلامي والتوعوي في حسابات الجهاز على مواقع التواصل الاجتماعي، إلى جانب نشر العبارات التوعوية في الصحف المحلية.

إن ظاهرة الفساد بشتى طرقها تقف حجر عثرة أمام كل تقدم مأمول للاقتصاد والتنمية في أي بلد حول العالم، وتعتبر من أخطر المظاهر السلبية المنتشرة في الدول دون استثناء، لما لها من تأثير على المفاصل الحيوية للدولة اجتماعيا وسياسيا واقتصاديا. وفي إطار التصدي لهذه الظاهرة، ظهرت جهود دولية حثيثة لمكافحتها والتي جاء في باكورتها اعتماد الجمعية العامة للأمم المتحدة لاتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد في أكتوبر عام 2003 والتي دخلت حيز التنفيذ في عام 2005. كما اختارت الجمعية يوم 9 ديسمبر من كل عام يوما دوليا لمكافحة الفساد؛ من أجل إذكاء وعي الأفراد والمجتمعات بظاهرة الفساد. ويحمل شعار الحملة الدولية المشتركة هذا العام عنوان: (متحدون على مكافحة الفساد) احتفاء باليوم الدولي لمكافحة الفساد. وختاما، فإن التمسك باتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد هو أداة فاعلة بيد الحكومات والمنظمات الدولية من أجل التصدي للفساد، كما أن مكافحة الفساد وتحقيق النزاهة هي مسؤولية الجميع من أفراد ومؤسسات، إذ لابد للأفراد من الإبلاغ عن أفعال الفساد للجهات المختصة، كما أن على المؤسسات المعنية بمكافحة الفساد أن تقوم بدورها في حماية النزاهة والوقاية من الفساد واكتشاف مواطن الفساد وملاحقة مرتكبيه.