ستيفن.س. روتش
في ظل تبادل الاتهامات بين الولايات المتحدة والصين أصبح حل الصراع بين البلدين أمرا طارئا للغاية. وتشكّل الخيارات الأخرى خطرا كبيرا على كلا البلدين. ويقصد بهذه الخيارات إما حرب تتصاعد وتيرتها باستمرار، أو حرب باردة أو حرب مسلحة. ويمكن تجنب هذه المخاطر، لكن فقط إذا أبدى قائدا البلدين عزمهما على الالتزام بتسوية مبنية على المبادئ.
وما لا شك فيه هو أن صراعا بالغ الحدة ينمو منذ وقت طويل. وخلافا للرواية الأمريكية، فالمشكلة لا تكمن في العجز الثنائي الهائل بين أكبر قوتين اقتصاديتين في العالم. وهذا ناتج إلى حد كبير عن نمو الاختلالات في توازن الاقتصاد الكلي الذي يؤثر على كلا البلدين، أي أن الصين تدخر الكثير جدا بينما تدخر الولايات المتحدة الأمريكية القليل جدا. ويؤدي هذا الفرق في الادخار إلى اختلالات في التوازن التجاري لا يمكن إصلاحها عن طريق الجهود الثنائية.
وعرفت الولايات المتحدة الأمريكية عجزا في التبادل التجاري مع 102 دولة عام 2017، بينما كان لدى الصين فائضا تجاريا في مبادلاتها مع 169 بلدا عام 2016. وإذا ضغطنا على جزء من الاختلالات متعددة الأطراف لدولة تعاني من العجز أو دولة لديها فائض، سينتقل العجز إلى شركاء تجاريين آخرين. وبالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية سيؤدي هذا إلى استيراد بضائع باهظة التكلفة- وهو ما يعادل الرفع من قيمة الضرائب على المستهلكين. وبالنسبة للصين، سيؤدي إلى اختراق منتوجاتها للمزيد من الأسواق.
إن الإصرار على لوم اختلالات التوازن التجارية تجعلنا نتجاهل احتمال أن يتعلق الأمر بصراع قديم للاعتمادية المشتركة. نعم، لطالما اعتمدت الصين على الولايات المتحدة الأمريكية كمصدر كبير للطلب الخارجي على اقتصادها المعتمد على التصدير. لكن الولايات المتحدة الأمريكية تحتاج إلى واردات منخفضة التكلفة من الصين لتستجيب لمتطلبات المستهلكين الأمريكيين ذوي الدخل المحدود.
كما أنها تعتمد على الصين كأكبر مُشتَر أجنبي لسندات الخزينة الأمريكية للمساعدة في تمويل عجز ميزانية الحكومة المتكرر. ونظرا لكونها ثالث أكبر الأسواق التي تصدر إليها الولايات المتحدة الأمريكية، وأسرعها نموا، أصبحت الصين مصدرا مهما للطلب بالنسبة للمصانع الأمريكية.
إن العمل في إطار الاعتماد المشترك مهم لأنه يؤكد على ضرورة إيجاد حل وتسوية مشتركين. وقد يسبب الاعتماد المشترك في عدم الاستقرار أو الانهيار في النهاية، شأنه في ذلك شأن العلاقات بين الأشخاص. إذ عندما يغيّر أحد الشريكين مساره، ينفجر الآخر غضبا لأنه يحس بالإهانة.
والصين، في هذه الحالة، هي من يغيّر مسارها- إذ تحوّل نموذجها التنموي من التصنيع إلى الخدمات، ومن التصدير إلى الاستهلاك على المستوى المحلي، ومن التكنولوجيا المستوردة إلى الابتكار. وفي نفس الوقت، تنتقل الصين من ادّخار الفائض إلى امتصاصه، ليصبح بذلك غير كاف لإقراضه لشريكتها الولايات المتحدة الأمريكية لتغطي عجزها.
ولأنها فاقدة للثقة في نفسها، تشعر الولايات المتحدة الأمريكية أنها مهددة بسبب شريك يغيّـــر قوانين هذه العلاقة باستمــرار. وبينما كان رد فعل الرئيس دونالـــد ترامب اتجاه هذه التهديدات أكثـــر عدوانية من رد فعـــل سلفه، فـــإن الشعور المزدوج للولايات المتحدة الأمريكية المعادي للصين لا يخفى على أحد.
وحسب دراسة أكسيوس لعام 2018، اعتقد 80 % من الجمهوريين الذين طالما كانوا أكثر دعما للتجارة الحرة أن الرفع من قيمة الضرائب ستكون خطوة إيجابية بالنسبة للولايات المتحدة الأمريكية. وحذر الجمهوريون في مناصب القيادة، مثل نائب الرئيس مايك بانس ووزير الخزانة الأمريكي هينري بولسون، من اندلاع حرب باردة جديدة، بينما يرى الديمقراطيون أن الصين أنهت دورها كطرف مؤثر مسؤول على مستوى العالم.
وفي وقت تتصاعد فيه وتيرة التهديدات وتبادل التهديدات المضادة، لا يمكن الاستخفاف بالضرورة الملحّة لإيجاد تسوية. وسيكون اللقاء الذي سيجمع قريبا بين ترامب وشي فرصة لإعادة تأطير الصراع ليكون تحديا استراتيجيا لقوتين اقتصاديتين تقودان العالم. وهناك أربعة سُبل لتحقيق هذا:
ولوج الأسواق: بعد عشرة أعوام من المفاوضات الملتوية، حان الوقت لتحقيق تقدم في معاهدة الاستثمار الثنائي بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين. وسترفع معاهدة الاستثمار الثنائي غطاء الملكية على الاستثمار الأجنبي المباشر في كلا البلدين، وإلغاء بنية المخاطرة المشتركة للصين التي تسبب الكثير من الخلافات والذي تصر عليه الولايات المتحدة الأمريكية- بطريقة غير صحيحة في نظري- أصبح آلية ما لتحويل التكنولوجيا الإجباري. وستمكن المعاهدة أيضا من توسيع ملكية الصين لموجودات الولايات المتحدة الأمريكية المحلية- مما يشكل تحديا للتشريعات الأخيرة المناهضة للصين والتي توسع من قدرات المراقبة للجنة المكلفة بالاستثمار الأجنبي في الولايات المتحدة الأمريكية.
الادخار: ينبغي على كلا البلدين الالتزام بتعديلات مسؤولة للاقتصاد الكلي. وينبغي على الولايات المتحدة الأمريكية ادّخار المزيد، وأن تقلب المسار الذي يسبب عجزا في الميزانية والذي فرضته التخفيضات الضريبية الهائلة التي أتت في وقت غير مناسب العام الفائت.
إن إعادة بناء استراتيجية الادخار بدل سياسة الضرائب أكثر نجاعة من غيرها للتخفيف من العجز التجاري مع الصين أو مع أي شريك تجاري آخر. وفي نفس الوقت، ينبغي أن تقلّص الصين من ادّخارها، واستثمار رأس مالها الضخم في تمويل شبكة السلامة الاجتماعية لبلدها، التي تعتبر ضرورية لإعادة توازن اقتصادها الذي يعتمد على المستهلك.
أمن الإنترنت: إن الحقل الرقمي هو ساحة قتال في عصر المعلومات، ولم يذهب الاتفاق بين الرئيس باراك أوباما وشي الذي عُقد في سبتمبر من عام 2015 بعيدا في تهدئة الخلاف المتوتر بشأن التجسس عبر الإنترنت، والقرصنة والتشويش. وينبغي على البلدين أخذ المبادرة في ترسيخ اتفاق عالمي بشأن الإنترنت، يكتمل بأرقام إحصائية بشأن الهجوم عبر الإنترنت، وبتحديد أهداف للتقليص من الهجوم السيبراني ووضع آلية لتسوية النزاعات المشتدة.
الحوار: إنه لأمر رائع أن يلتقي الرئيسان من جديد بعد لقاء فائت جمعهما على انفراد في بكين وتأتي هذه اللقاءات بعد التزامات رسمية أكثر مثل الحوار الاستراتيجي والاقتصادي. لكن كل هذه الجهود هي بمثابة أحداث عرضية تبدو جذابة في الظاهر لكنها فارغة في جوهرها. وإذا التزمت وزارة دائمة على الدوام ببذل جهود مندرجة في إطار التعاون بشأن القضايا السياسية (بما في ذلك تقاسم البيانات، والبحث المشترك والاستشارة العامة والخاصة)، فإن ذلك سيكون أكثر نجاعة.
وفي ضوء التطورات الأخيرة التي شهدت خلافات بين الولايـــات المتحــدة الأمريكية والصيـــن، من الصعب التفاؤل بإمكانية تحقيق تقـــدم جـــاد. كمـــا ينبغي اعتماد برنامج قوي لاستعماله ضد أي اتفاق قد يعقد بين ترامب وشي. والعالم شاهد.
عضو في جامعة ييل ورئيس سابق لمورجان ستانلي إيجيا،
هو مؤلف كتاب غير متوازن: الاعتماد المشترك لأمريكا والصين