اشتباك الجارتين

الحدث الأربعاء ٢٨/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٥:٥٧ ص
اشتباك الجارتين

موسكو - واشنطن - نيويورك - أ ف ب - وكالات

«لم تكن موسكو تعتقد أن جارتها كييف ستصبح خصماً لدوداً لها، وتصل الأمور إلى حد الاستقواء بالحلف الأطلسي ضدّ دولة كانت حتى الأمس القريب بمثابة الشقيق الأكبر ومصدراً لرزق نحو ثلاثة ملايين أوكراني يعملون على الأراضي الروسية منذ عقود، عدا عن التداخل الاجتماعي والديني والثقافي بين جمهوريتين كانتا تشكّلان مع بيلاروسيا (روسيا البيضاء) وكازاخستان العمود الفقري للاتحاد السوفييتي السابق» كما يقول المحلل اللبناني عباس الصباغ.

ويضيف: موجة العداء المتصاعدة في أوساط الأوكرانيين لروسيا غير مسبوقة في تاريخ الجارتين باستثناء تداعيات المجاعة مطلع ثلاثينيات القرن الفائت، والتي حمّلت إبّانها كييف الزعيم السوفييتي الراحل يوسف ستالين المسؤولية الكاملة عن مقتل وتجويع مئات آلاف الأوكرانيين، ولكن انتهاء عهد ستالين وتولّي الأوكراني نيكيتا خروتسوف الحكم العام 1956 وضع حداً للتباعد بين الجمهوريتين وإن كانت الخلافات غير مسموحة إبّان الحُكم السوفييتي ونادراً ما كان التعبير عنها يظهر إلى العلن.
إلا أن التوقعات أحيانا تختلف فقد ظهر للعلن اشتباك روسي أوكراني مما دعا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين إلى تحذير أوكرانيا من القيام بأعمال «متهوّرة» بعد قرار كييف فرض قانون الطوارئ رداً على احتجاز حرس الحدود الروس ثلاث سفن أوكرانية وطلب من المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل الضغط على أوكرانيا، حليفة الدول الغربية. وهو أحدث اشتباك بين الجارتين -روسيا وأوكرانيا.

فرض الطوارئ

وصوّت البرلمان الأوكراني في وقت متأخّر مساء الاثنين لصالح فرض قانون الطوارئ في المناطق الأوكرانيّة الحدوديّة، بعد احتجاز روسيا الأحد ثلاث سفن أوكرانية قبالة القرم مع طواقمها البالغ عدد أفرادها حوالي عشرين بحّارا.
وهي المواجهة المفتوحة الأولى بين موسكو وكييف منذ ضمّ روسيا شبه جزيرة القرم العام 2014 واندلاع النزاع المسلح في أوكرانيا بين القوات الأوكرانية والانفصاليين الموالين لروسيا الذي أوقع منذ ذلك الحين أكثر من 10 آلاف قتيل.
وفي خطاب متلفز موجّه إلى الأمّة، برّر الرئيس الأوكراني بترو بوروشنكو هذا الإجراء الذي لم يسبق له مثيل منذ استقلال الجمهوريّة السوفييتيّة السابقة في العام 1991، بوجود «تهديد مرتفع للغاية» بإمكان حصول هجوم برّي روسي.

دخول غير قانوني

وتتهم روسيا التي تؤكد أنها تصرّفت «بشكل يتطابق تماماً مع القانون الدولي»، السفن الأوكرانية، وهي سفينتان حربيتان وقاطرة، بالدخول بشكل غير قانوني إلى المياه الإقليمية الروسية قبالة القرم وتعتبر ذلك «استفزازاً» من جانب كييف.
واتهمت وزارة الخارجية الروسية التي استدعت الاثنين القائم بالأعمال الأوكراني في موسكو، كييف بـ«إيجاد ذريعة لتعزيز العقوبات» الغربية على روسيا المفروضة منذ 2014.

قلق بالغ

وأجرى بوتين مكالمة هاتفية مع ميركل وعبّر لها عن قلق موسكو «البالغ» بسبب فرض قانون الطوارئ في أوكرانيا.
وندد الرئيس الروسي بـ«الأعمال الاستفزازية من جانب أوكرانيا والانتهاك الصارخ لأحكام القانون الدولي من جانب سفنها البحرية»، معرباً عن الأمل في أن «تتمكن برلين من التأثير على السلطات الأوكرانية وإقناعها بعدم القيام بمزيد من الأعمال المتهورة»، وفق بيان للكرملين.

قانون طارئ

ويدخل قانون الطوارئ حيّز التنفيذ صباح اليوم الأربعاء في أوكرانيا في حوالي عشر مناطق حدودية خصوصاً مع روسيا وبيلاروسيا ومن جانب بحر آزوف. وسيُتيح على مدى شهر للسلطات الأوكرانية أن تقوم بتعبئة مواطنيها وتنظيم وسائل الإعلام والحدّ من التجمّعات العامّة.

احتكاك

وحصلت الحادثة بين حرس الحدود الروسي التابع لجهاز الأمن الفدرالي الروسي (اف اس بي) والسفن الأوكرانية في البحر الأسود مساء الأحد عندما كانت هذه السفن تحاول عبور مضيق كيرتش للدخول إلى بحر آزوف الذي يعتبر حيوياً لصادرات الحبوب والفولاذ في شرق أوكرانيا.

سقوط جرحى

وأدت الحادثة إلى سقوط عدد من الجرحى بين الأوكرانيين -ستة أشخاص بحسب كييف، فيما تفيد موسكو عن إصابة ثلاثة أشخاص فقط- ما أثار احتجاجات في أوكرانيا ومن جانب حلفائها الغربيين.

خطير جدا

حذرت الولايات المتحدة روسيا الاثنين من أن التحركات «الخارجة عن القانون» مثل احتجاز سفن أوكرانية في بحر آزوف تحول دون تطوير علاقات طبيعية بين واشنطن وموسكو.
وقال الرئيس الأمريكي دونالد ترامب تعليقاً على الحادثة «لم يعجبنا ما حدث»، مضيفا «نحن نعمل على هذا الموضوع» مع الأوروبيين.
ونددت سفيرة الولايات المتحدة في الأمم المتحدة نيكي هايلي الاثنين خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي بتحركات روسيا «الخارجة عن القانون» التي تجعل «العلاقة الطبيعية» بين واشنطن وموسكو «مستحيلة».
وتابعت «باسم السلام والأمن في العالم على روسيا أن توقف فورا تصرفاتها خارج إطار القانون واحترام حرية الملاحة وحريات كافة الدول» من دون الإشارة إلى احتمال فرض عقوبات أمريكية جديدة على روسيا كما تطالب كييف.

الإفراج الفوري

ودعت هايلي أيضا روسيا إلى «الإفراج» عن السفن الأوكرانية وطواقمها. وقالت «ندعو روسيا لاحترام واجباتها الدولية وعدم الاعتراض أو مضايقة الملاحة البحرية الأوكرانية في مضيق كيرتش» و«الإفراج عن السفن الأوكرانية المحتجزة وطواقمها» و«خفض حدة التوتر التي سببتها».

إعادة السفن

وقال وزير الخارجيّة الأمريكي مايك بومبيو من جهته في بيان إنّ «الولايات المتّحدة تدين هذا العمل العدواني من جانب روسيا». وأضاف إنّ بلاده تطلب من روسيا أن «تُعيد إلى أوكرانيا سفنها وبحّارتها المحتجزين، وأن تحترم سيادتها ووحدة أراضيها داخل حدودها المعترف بها دوليًا بما في ذلك مياهها الإقليميّة».
ويأتي هذا التحذير الأمريكي قبل أيام من اجتماع مرتقب بين الرئيسين الأمريكي دونالد ترامب والروسي فلاديمير بوتين على هامش قمة مجموعة العشرين في بوينس آيرس بالأرجنتين. وقال الرئيس الأمريكي لصحفيين «لم يعجبنا ما حدث»، مؤكدا أن واشنطن وأوروبا تعملان «معا» في هذا الشأن.
وعرقلت واشنطن جلسة لمجلس الأمن الدولي طالبت بها موسكو صباح الاثنين.

تنديد أوروبي

واعتبر الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرج من جهته أن ما حصل الأحد «خطير جداً». وأكد متحدث باسم الخارجية الفرنسية أنه لا يرى «مبرراً ظاهراً في استخدام روسيا القوة». ونددت لندن بـ«العمل العدائي» الروسي.

السيطرة على المضيق

وليست هذه الحادثة إلا المرحلة الأخيرة من تصعيد بطيء للتوترات في محيط مضيق كيرتش الذي يفصل شبه جزيرة القرم التي ضمّتها موسكو في العام 2014 وروسيا.
وتطالب روسيا بالسيطرة على هذا المضيق، الممر البحري الوحيد الذي يربط البحر الأسود ببحر آزوف. وبنت موسكو جسراً يربط روسيا بشبه الجزيرة وافتتحه بوتين بحفل كبير في مايو.
واتهمت كييف والدول الغربية بشكل منتظم في الأشهر الأخيرة روسيا بتعمد «إعاقة» إبحار السفن التجارية بين البحر الأسود وبحر آزوف.