المقاولات والإنشاءات بين المهنية والعشوائية

مقالات رأي و تحليلات الثلاثاء ١٣/نوفمبر/٢٠١٨ ٠٣:٠٢ ص
المقاولات والإنشاءات بين المهنية والعشوائية

علي بن راشد المطاعني

تنظيم ممارسة المهن والأنشطة التجارية على أساس التخصص والمهنية في بعض المجالات في البلاد ذو أهمية لتجويد العمل في العديد من القطاعات وإضفاء التخصصية في العمل بدلا من الحالة العشوائية الراهنة التي يكتنفها الكثير من عدم الدارية بالعمل، ولعل تخصص المقاولات والإنشاءات يقع في أعلى سلّم الأهمية عليه لا بد من أن يُتاح هذا النشاط فقط للمهندسين المدنيين والمعماريين كجزء من منظومة العمل الهادفة إلى الارتقاء بالنوعية، خاصة في ظل توافر المهندسين من الجامعات والكليات من داخل السلطنة وخارجها كغيرها من المهن كالمحاماة والاستشارات الهندسية التي لا تُتاح إلا للممتهنين.
إن تطوير قطاع المقاولات والتشييد في البلاد مرهون بإعادة هيكلته من جديد بعد فترة طويلة من الركون ترك فيها الحبل على الغارب، بدون تنظيم يضفي التخصصية والمهنية، مما أفضى لوقوع أخطاء كثيرة في نظام المباني وطرق تشييدها نتيجة لانعدام المهنية في عملية البناء والتشييد بدءا، وامتلاك غير المتخصصين شركات في هذا المجال الحيوي فانعكس ذلك سلبا على جودة البناء والتشييد في المنازل على وجه الخصوص، فهي شركات تُدار بقوى عاملة أجنبية جاءت لتتعلم أبجديات العمل في هذا القطاع شديد الخطورة باعتباره يمس حياة الإنسان وممتلكاته بنحو مباشر.
كما لا يخفى على الجميع بأن المعمار كعلم يقوم على قواعد راسخة مستمدة من تاريخ كل بلد من البلدان بحيث تعكس وتحكي طريقة وأسلوب البناء ماضي وحاضر كل دولة على حدة، وبالتالي فإن المباني وأشكالها وألوانها تقدم للزائر اختصارا سريعا ورائعا عن مدى رسوخ ذلك الشعب في دروب الحضارة، وأيضا فإن المعمار يختلف من دولة لأخرى تبعا لتقاليد وموروثات أي شعب من الشعوب كما يلبي المتطلبات المناخية المتباينة من منطقة لأخرى ومن دولة لأخرى.
في كثير من الأحيان نجد بأن الطابع المعماري المميز لولاية أو لمدينة أو قرية بات نشازا ولا يتحدث عن ماضي هذا المكان ولا عن حاضره أيضا، لذلك فإن المهندسين المصممين للخرائط المعمارية لا بد أن يكونوا من أبناء السلطنة ممن نهلوا من تاريخ بلادهم الشيء الكثير في مراحلهم الدراسية المختلفة وحتى الجامعات، وبالتالي فهم الأقدر على تنزيل كل هذا الإرث الحضاري العُماني الضارب بجذوره في أعماق الأصالة للواقع وبقدر ينسجم فيه الماضي مع الحاضر وبغير أن نرى مباني لا تعكس أي سمة من السمات العُمانية لا ماضيا ولا حاضرا.
ونعتقد بأن كل الكليات المتخصصة بهندسة المعمار في جامعاتنا المختلفة تخضع النظم المعمارية العُمانية التي أصلها المهندس والمعماري العُماني القديم والمتمثلة في القلاع والحصون والمنتشرة في كل ولايات ومحافظات السلطنة كإرث حضاري لا يزال يأخذ بالألباب، ويقف أمامه الزوار والسياح في صمت وذهول كل هذا الإرث التليد لا نزال نخضعه بالتأكيد للدراسة والتحليل والتمحيص للوقوف على العبقرية العُمانية في مجال المعمار والتشييد ومن ثم تطوير ذلك التاريخ وبنحو جديد مع الاحتفاظ بالنكهة والعبق التراثي المعماري القديم والانطلاق منه لتقديم أفكار حديثة مرتكزة على هذا الإرث العُماني المعماري العظيم.
نأمل بالفعل أن نرى طلاب الهندسة المعمارية العُمانيين وهم يقدمون لنا صنوفا من الإبداع الهندسي الممتد من الماضي والمقترن بالحاضر في لوحة تعكس عظمة تاريخ هذا الوطن.