د. لميس ضيف
في واقعة غريبة وليست بغربية في الوقت نفسه، تعرّض قبل أيام تلميذ في مدرسة شهيرة بدولة خليجية للضرب على يد زملائه، الذين تجمهروا عليه وانهالوا عليه ركلا، وبعد يوم كامل من عودته للبيت انهارت صحته ودخل المستشفى ليتبيّن أنه مصاب بنزيف داخلي وتهتك في الطحال. أنقذ الطاقم الطبي حياته بصعوبة وقضى 5 أيام في العناية المركزة ولا زال يستجمع صحته. أما الطلاب العشرة الذين ضربوه فلم يُتعرّف إلا على ثلاثة منهم اكتفت المدرسة بفصلهم من الدراسة، ولن توجه لهم تهماً على الأرجح لصغر سنهم.
التنمّر في المدارس موجود من نشأتها، يتخذ شكل عنف جسدي أحيانا ولكنه لفظي غالبا، وهو موجه غالبا للمختلفين من حيث لون البشرة أو الحجم -طولا أو قصرا- كما ويعاني منه المتفوقون والمميزون خصوصا في سن الدراسة اللاحقة. ندوب هذا التنمّر ترافق المرء طوال عمره، تؤثر على دراسته وثقته في نفسه وعلاقاته الحالية والمستقبلية.
في دول الغرب تشنّ حربا ضروسا ضد التنمّر، ويُنشر المعلمون في الفسح المدرسية لمراقبة أي سلوك عدواني، ويرصد المعلمون بعين فاحصة كل طفل منطوٍ أو تبدو عليه علامات القلق أو الاضطراب، ويحققون فورا في احتمالية تعرّضه لعنف منزلي أو تنمّر من زملائه.
وصل هؤلاء لهذه النتيجة لأن الماء قد زاد عن الزيت، ولأن بعض حالات التنمّر أوصلت تلامذة لشفا الانتحار أو لإطلاق النار على زملائهم في المدرسة كما حدث في الولايات المتحدة.
في دولنا لم نقطع الشوط ذاته ولم نصل بعد للقناعة ذاتها ولا نُولي هذه القضية ما تستحقه. لذا فالمعلمون يعرفون أن بعض الطلاب يتقاوون على غيرهم ولكنهم لا يحرّكون ساكنا، ويعرفون أن بعض الطالبات يُسئن معاملة زميلاتهن ولكنهم لا يتدخلون لسبب أو لآخر، وإن تدخلوا فلا يوجد تنظيم لمعاقبة هؤلاء وبالتالي ينتهي الأمر ببعض الوعظ وبعض الزجر اللذين يزيدان شراسة المتنمّر اشتعالا على ضحيته.
الحالة التي وقعت في هذه الدولة الخليجية ستؤدي لقرارات بلا شك، ولسنا بحاجة لانتظار كوارث لنهندس لها حلا. يجب أن تكون هناك محاضرات تحذّر الأطفال من مغبة التنمّر. كما وتدلهم على الكيفية الصحيحة والوجهة المناسبة التي يعتصمون بها إن هم ما تعرّضوا له. فليست كل الحوادث تنتهي بنزيف في الطحال، ولكنها تقود غالبا لنزيف في المشاعر يعجز صاحبه «غض القلب» عن احتماله.
lameesdhaif@gmail.com